مجموعة مقالات للكاتب علي الموسى تستحق القراءة والتمعن جمعتها لكم هنا :
#طوارئ#عسير
سأبدأ اليوم بكتابة الورقة البيضاء في قلب الدفتر الأسود الذي كتبه إرهابي ومجرم الحزام الناسف على الأجساد الطاهرة في مسجد قوات الطوارئ الخاصة. سأكتب اليوم مشاهداتي المباشرة "ظهر الخميس" من قلب طوارئ مستشفى عسير المركزي كي أرسم لكم فوارق العقل بين جسد ناسف وبين عشرات الأنامل البيضاء التي تعالج وترمم. ما شاهدته ظهر الخميس الماضي في غرف الطوارئ بمستشفى عسير المركزي ليس إلا عملا احترافيا قاده شباب تسلحوا بالعلم والمعرفة. كنت أشاهد المنظر المؤلم ولكن: كمن يشاهد فيلما هزمت به الأيادي البيضاء لشباب وطني ذلك الحزام الأسود الغادر. خلال أقل من ساعة واحدة من وصول أول مصاب تم نقل كل الجرحى إلى غرف العمليات وإلى أسرة التنويم ثم عادت غرف الطوارئ بالمستشفى لتقديم خدماتها العامة.
هنا تكمن القصة: ذات زمن قال شاعرنا العربي القديم (وإنما الأمم الأخلاق)... وأنا اليوم أستأذن شاعرنا لأقول (وإنما الأمم التعليم).. وهنا بقية القصة: تتباهى جامعتي مشكورة أنها تقبل في العام الواحد 25 ألف طالب وطالبة، لكن المجال لا يسمح سوى لمئتي وخمسين طالبا وطالبة بالقبول في كلية الطب، لأسباب مختلفة على رأسها مخرجات التعليم العام الذي لا يستطيع تأهيل أكثر من هذا العدد لاجتياز هذا العدد. لكن هذه المعلومة لا تشرح بقية القصة. نفس الجامعة وهنا أكتبها للأسف الشديد، هي من رفضت بعنف وظيفة "الإعادة" لذات الطالب السعودي الذي حقق على مقاعدها الدراسية رقما لم يكسر أبدا أبدا منذ ثلاثين سنة في قصة شهيرة يعرفها كل أستاذ بالكلية. ذات الطبيب السعودي هو من اختار أن يذهب للدراسات العليا على حساب بعثة خادم الحرمين الشريفين ثم عاد إلينا بعد ثماني سنوات وهو يحمل بين يديه ورقة مكتوبة موثقة تبرهن حصوله على الدرجة الأولى والأعلى من بين كل طلبة كل هذا العالم في اختبارات الزمالة لواحد من أعقد وأصعب تخصصات الجراحة. نعم هو سعودي.. ولدي كل البراهين، هو نفسه ذات الاستشاري "البطل" الذي استقبل بالصدفة ظهر الخميس أعقد سبع حالات من جرحى حزام ناسف، وأنا اليوم لا أكتب قصته المأساوية الشهيرة جدا في تاريخ جامعتي بقدر ما أكتب الصورة الشاملة: هو نفسه يمثل ثقافة "الإحباط" التي حولته من حزام ناسف إلى ثقافة "أمل" تأتيه عروض العمل من كل مكان بهذا العالم الفسيح، هو مثال حي على تحريفي لبيت الشاعر: وإنما الأمم التعليم... غدا نواصل.