وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا سعيد بن يعقوب الطَالَقَاني ، وحدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا عتبة بن أبي حكيم ، حدثنا عمرو بن جارية (1) اللخمي ، عن أبي أمية الشَّعْباني (2) قال : أتيت أبا ثعلبة الخُشَنِي فقلت له : كيف تصنع في هذه الآية ؟ فقال : أيَّة آية ؟ قلت : قوله [تعالى] (3) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } فقال : أما والله لقد سألت عنها خبيرًا ، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شُحّا مُطاعًا ، وهَوًى مُتَّبعًا ، ودنيا مُؤْثَرة ، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصّة نفسك ، ودع العوام ، فإن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن مثل القَبْضِ على الجَمْرِ ، للعامل فيهن مثلُ أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم" - قال عبد الله بن المبارك : وزاد غير عتبة : قيل يا رسول الله ، أجر خمسين رجلا منهم أو منا ؟ قال : "بل أجر خمسين منكم".
ثم قال (4) الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح. وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ورواه ابن ماجه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عتبة بن أبي حكيم. (5)
وقال عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، عن الحسن أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله (6) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } فقال : إن هذا ليس بزمانها ، إنها اليوم (7) مقبولة. ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها ، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا - أو قال : فلا يقبل منكم - فحينئذ { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ }
ورواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع عن أبي العالية ، عن ابن مسعود في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } الآية ، قال : كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا ، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، فقال رجل من جلساء عبد الله : ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر ؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك بنفسك ، فإن الله يقول : { [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] (8) عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } الآية. قال : فسمعها (9) ابن مسعود فقال : مَهْ ، لم يجئ تأويل هذه بعد (10) إن القرآن أنزل حيث أنزل (11) ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة ، ومنه آي
يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار. فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ولم تلْبَسوا شِيعًا ، ولم يَذُق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء ، وألبسْتُم شيعًا ، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه ، عند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية. رواه ابن جرير. (1)