19- باب في صفايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الأموال
2963ـ حدثنا الحسن بن علي، ومحمد بن يحيى بن فارس، المعنى قالا: ثنا بشر بن عمر الزهراني قال: حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال:
أرسل إليَّ عمر حين تعالى النهار، فجئته فوجدته جالساً على سرير مُفْضياً إلى رماله، فقال حين دخلت عليه: يامال، إنه قد دفَّ أهل بيات من قومك، وإني قد أمرت فيهم بشىء فاقسِمْ فيهم، قلت: لو أمرت غيري بذلك، فقال: خذه، فجاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقَّاص؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، ثم جاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعليّ؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، قال العباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا يعني عليّاً فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين، اقض بينهما وأرحهما. قال مالك بن أوس: خُيِّل إليَّ أنهما قدَّما أولئك النفر لذلك، فقال عمر رضي اللّه عنه: اتَّئدا ، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم باللّه الذي بإِذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لانورث ما تركنا صدقةٌ؟" قالوا: نعم، ثم أقبل على عليّ والعباس رضي اللّه عنهما! فقال: أنشدكما باللّه الذي بإِذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لانورث ما تركنا صدقةٌ؟" فقالا: نعم، قال: فإِن اللّه خصَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخاصَّة لم يخصَّ بها أحداً من الناس، فقال اللّه تعالى: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولاركابٍ، ولكنَّ اللّه يسلِّط رسله على من يشاء، واللّه على كلِّ شىءٍ قديرٌ} وكان اللّه أفاء على رسوله بني النضير، فواللّه ما استأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة، أو نفقته ونفقة أهله سنة، ويجعل ما بقي أسوة المال، ثم أقبل على أولئك الرَّهط فقال: أنشدكم باللّه الذي بإِذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم أقبل على العباس وعليّ رضي اللّه عنهما فقال: أنشدكما باللّه الذي بإِذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، فلما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال أبو بكر: أنا وليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر رضي اللّه عنه تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر [رحمه اللّه]: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لانورث ما تركنا صدقةٌ" واللّه يعلم إنه لصادقٌ بارٌّ راشد تابع للحق فوليها أبو بكر، فلما توفي [أبو بكر] قلت: أنا وليُّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووليُّ أبي بكر، فولِيتُها ما شاء اللّه أن أَلِيَها، فجئت أنت وهذا، وأنتما جميع وأمركما واحد، فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أنَّ عليكما عهد اللّه أن تلِيَاها بالذي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يليها، فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك، واللّه لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإِن عجزتما عنها فرُدّاها إليّ.
قال أبو داود: إنّما سألاه أن يكون يُصَيّره بينهما نصفين، لا أنهما جهلا أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "لانورث ما تركنا صدقةٌ" فإِنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمر: لا أوقع عليه اسم القسم، أدعه على ما هو عليه.
2964ـ حدثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بهذه القصة قال:
وهما يعني عليّاً والعباس، رضي اللّه عنهما يختصمان فيما أفاء اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم من أموال بني النضير.
قال أبو داود: أراد أن لا يوقع عليه اسم قسْمٍ.
2965ـ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن عبدة، المعنى أن سفيان بن عيينة أخبرهم، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر قال:
كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
خالصاً، ينفق على أهل بيته، قال ابن عبدة: ينفق على أهله، قوت سنة، فما بقي جعل في الكراع وعُدّةً في سبيل اللّه عزَّوجلَّ، قال ابن عبدة: في الكراع والسلاح.
2966ـ حدثنا مسدد، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا أيوب، عن الزهري قال:
قال عمر: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولاركاب}، قال لزهري: قال عمر: هذه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خاصة قُرَى عرينة فدك، وكذا وكذا، {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول، ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}، و{للفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم}، {والذين تبوءوا الدار والإِيمان من قبلهم}، {والذين جاءوا من بعدهم}، فاستوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق، قال أيوب: أو قال: حظ، إلا بعض من تملكون من أرِقَّائكم.
2967ـ حدثنا هشام بن عمار، ثنا حاتم بن إسماعيل، ح وثنا سليمان بن داود المهري، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد العزيز بن محمد، ح وثنا نصر بن عليّ، قال: أخبرنا صفوان بن عيسى، وهذا لفظ حديثه، كلهم عن أسامة بن زيد عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال:
كان فيما احتج به عمر أنه قال: كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك. فأما بنو النضير: كانت حُبُساً لنوائبه، وأما فدك فكانت حبساً لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزَّأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة أجزاء: جزءين بين المسلمين، وجزءاً نفقة لأهله، فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين.
2968ـ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد اللّه بن موهب الهمداني، ثنا الليث بن سعد، عن عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أنها أخبرته
أن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لانورث ما تركنا صدقةٌ، إنّما يأكل آل محمدٍ من هذا المال" وإني واللّه لا أغيِّر شيئاً من صدقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلأعملنَّ فيها بما عمل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأبى أبو بكر رضي اللّه عنه أن يدفع إلى فاطمة [عليهما السلام] منها شيئاً.
2969ـ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، ثنا أبي، ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبرته بهذا الحديث، قال:
وفاطمة [عليها السلام] حينئذٍ تطلب صدقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، قالت عائشة رضي اللّه عنها: فقال أبو بكر [رضي اللّه عنه]: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لانورث ما تركنا صدقةٌ، وإنما يأكل آل محمدٍ في هذا المال" يعني مال اللّه، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل.
2970ـ حدثنا حجّاج بن أبي يعقوب، حدثني يعقوب يعني ابن إبراهيم بن سعد حدثني أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عروة أن عائشة [رضي اللّه عنها] أخبرته بهذا الحديث، قال فيه:
فأبى أبو بكر [رضي اللّه عنه] عليها ذلك، وقال: لست تاركاً شيئاً كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعباس رضي اللّه عنهم فغلبه عليّ عليها، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعْرُوهُ ونوائبه، وأمرهما إلى من ولى الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم.
2971ـ حدثنا محمد بن عبيد، ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري في قوله:
{فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولاركابٍ} قال: صالح النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أهل فدك وقرى قد سماها لا أحفظها، وهو محاصرٌ قوماً آخرين فأرسلوا إليه بالصلح، قال: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولاركابٍ} يقول: بغير قتال، قال الزهري: وكانت بنو النضير للنبيِّ صلى اللّه عليه وسلم خالصاً لم يفتحوها عَنْوَةً افتتحوها على صلح، فقسَّمها النبي صلى اللّه عليه وسلم بين المهاجرين، لم يُعْطِ الأنصار منها شيئاً إلا رجلين كانت بهما حاجة.
2972ـ حدثنا عبد اللّه بن الجرَّاح، ثنا جرير، عن المغيرة قال:
جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين اسْتُخْلِفَ فقال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانت له فَدَكُ، فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوِّج منها أيِّمَهُم، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، فكانت كذلك في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى مضى لسبيله، فلما أن وُلِّيَ أبو بكر [رضي اللّه عنه] عمل فيها بما عمل النبي صلى اللّه عليه وسلم في حياته حتى مضى لسبيله، فلما أن وُلي عمر عمل فيها بمثل ما عملا حتى مضى لسبيله، ثم أُقْطِعَها مروان، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز قال عمر يعني ابن عبد العزيز فرأيت أمراً منعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاطمة [عليها السلام] ليس لي بحقٍّ، وأنا أشهدكم أنني قد رددتها على ما كانت، يعني على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
قال أبو داود: وُلِّيَ عمر بن عبد العزيز الخلافة وغلَّتهُ أربعون ألف دينار، وتوفي وغلته أربعمائة دينار، ولو بقيَ لكان أقلّ.
2973ـ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن الفضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال:
جاءت فاطمة [رضي اللّه عنها] إلى أبي بكر [رضي اللّه عنه] تطلب ميراثها من النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: فقال أبو بكر [رضي اللّه عنه]: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إنَّ اللّه عزوجل إذا أطعم نبيّاً طعمةً فهي للذي يقوم من بعده".
2974ـ حدثنا عبد اللّه بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "لاتقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقةٌ".
قال أبو داود: "مؤنة عاملي" يعني أَكَرَضة الأرض.
2975ـ حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتري قال:
سمعت حديثاً من رجل فأعجبني فقلت: اكتبه لي، فأتى به مكتوباً مُذَبَّراً : دخل العباس وعليٌّ على عمر، وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد، وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد: ألم تعلموا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "كلُّ مال النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم صدقةٌ، إلا ما أطعمه أهله وكساهم إنا لانورث؟" قالوا: بلى، قال: فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينفق من ماله على أهله ويتصدق بفضله، ثم توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فوليها أبو بكر سنتين، فكان يصنع الذي كان يصنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم ذكر شيئاً من حديث مالك بن أوس.
2976ـ حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها قالت:
إنَّ أزواج النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم حين توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ثُمنَهُنَّ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت لهنَّ عائشة: أليس قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لانورث ما تركنا فهو صدقةٌ".
2977ـ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا إبراهيم بن حمزة، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن أسامة بن زيد، عن ابن شهاب بإِسناده نحوه،
قلت: ألا تتَّقين اللّه؟ ألم تسمعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لانورث ما تركنا فهو صدقةٌ، وإنّما هذا المال لآل محمدٍ لنائِبَتِهِم ولضيفهم، فإِذا متُّ فهو إلى من ولى الأمر من بعدي".
![]()