رمت الأحوال والأقدار بنظراتها إلى زوايا كثيرة من حياتها وهي تتحمل، تصبر، تنتظر الغد الذي تتمنى أن يحمل لها في أحشائه رمق من السعادة لترتشفه على (آدم الحزن،ورغيف الألم ) ..
حسابات زمنية .. عقارب الساعة تلتهم الثواني ،، الدقائق ، والساعات ، والأيام والشهور..
تمر سنة بريئة لازالت في إرهاصاتها الأولى لم تتخطى بعد وفي ليل دامس أشد ظلمة من الظلام تسأل فتاها إلى أين الهجير ؟
فيصمت وكأنه قد استشعر خطراً آلم به فبادر سؤالها بطلب .. أحس أنه قبل أن يودع يشتهي أن يأكل من يدها ( حساء الدقيق ) أعادت عليه سؤلها .. كررته مرات ولكن لا جواب ..
امتزجت عصارة قلبها بقلبه .. دموع ، حزن ، مشادة كلامية تنتهي بطرقه باب الفراق وولوجه إلى لا رجعة إليه ولا إلى أمه اليتيمة ..
تتحسس أخباره بعد ولوجه إلى مفترق الطريق ولكن لا جواب ، تفتش عن أثر له تقتفيه لتصله ولكن هيهات .. وكأن الأرض امتصته كقطرات ديمة المطر ..
ما أجمل رحيق الحنان النابع من فؤادها ، وما أرق حاله وأحزن حالها
ما أحوجها إلى الطعام ، إلى الماء ، إلى الضوء ، إلى النوم ..
ما أحوجها إلى الحياة ، إلى الكلام ، إلى النسيان ..
كأنها هي التي ماتت ،، كأنها هي التي رحلت عن العالم ،، كأنها هي التي أساءت
كأنها هي التي أذنبت في عدم تلبيتها لطلبه عندما تودد لها بأن تعمل له ( حساء الدقيق )
مرت على فراقها لولدها عام بأكمله ..
في كل ليلة تصنع الحساء وتملئ به الأواني وتضعه بالخوان وتقف به أمام صنوف الناس تتصدق به على هذا وذاك ، فقيراً يأتي ، غنياً يأتي ،، محتاج يأتي ، وحتى الطيور كان لها نصيب منه ..
لم تمر ليلة عليها دون أن تقوم بصنعه وكأنه آلمها فراق ولده وهو يشتهيه ..
هاإنها تعوض ولدها بتقديمه للفقراء ، والمحتاجين ..
هاإنها تحلم بالغد الذي تودع فيه الحياة وهي قد كفرت عن كل أخطاءها وذنوبها إن هي أذنبت
هاإنها مسكينة جداً ، فقيرة جداً ، محتاجة جداً ،، مفارقة للابن ، للأخ ، للأم ..
هاإنها صاحبة الخوان .
بقلم أسير الغروب ـ 9\11\2003 م ـ 17\10\1424 هـ