ابتداع الحب
ليس في حياتنا أجمل من قلب يتسامى ، ويرتفع نبضه عالياً ، ليحمل صاحبه إلى شرفات وثيرة من الكبرياء والفخر .
هناك في بحر المدى العالي ، تبحر سفن القلوب المحبة
وتستقبل أشرعتها بكل طاقاتها قبضات الرياح ، وتطرب مأخوذة بكل نسمة عليلة .
هناك تتحطم السفن ، وتبنى من جديد ..
تتعالى على جراحها ، فتركب الأمواج ، وتسرح عيونها في جمال الشاطئ ،
وتتغنى بلحظة الوصول !!
هذه هي الحياة التي لا ترفض الخسارة ، لكنها تستوعبها .
وتلك هي القلوب التي لا تخشى الانكسار ، لأنها تؤوب دائماً بنبض أعلى صوتاً ،
ودم أشقى جرياناً !
فلتمض الرياح إذاً في جسد الأفق عابثة كما تشاء ..
لتركب غيمة المستحيل كما يحلو لها ، ولتفسد كل محطات الوصول والانتظار كما تشتهي ،
فهناك ــ من حيث لا تدري ــ بنبض أعلى .. ويأس أقل !
من الذي يستطيع أن يجبر أنهار الحياة على الفيضان أكثر من القلوب المحبة ؟
ومن الذي يمكنه أن يعاند البوصلة في عناوين كثيرة بجرأة أكبر من النبض الذي يكاد
يكسر صمت تلك القلوب تارة ، واختراق جدرانها وتجاوزها إلى مقالع الصدى تارات كثيرة !
هذه هي مقدمة السيرة الذاتية للمحبين الذين لا يهربون من ذاتهم كثيراً ،
والذين لا يتقنون الخروج على عزة النفس إلى ما دونها ،
مهما تجاذبتهم خيوط الشفق أو توزعتهم دموع الأصيل !!
فليكسر الحب قلوبنا كما يشاء ، وليهز نفوسنا كما يشتهي ..
فنحن منذ أن وفدنا إلى هذه الأرض عقدنا مع رمالها أحلى الأحلاف بلا أسلحة
ومع سمائها أغرب الرحلات دون أجنحة !!
هكذا نحن حين نحب ، نحرق كل السفن ، ونغرق فيها كل البحور ..
ونكتفي بخطواتنا الخضراء التي تغازل دروبنا ، وتتبادل مع حجارتها الاشتباك قبلات حارة ،
ذابت حنيناً منذ زمن بعيد !!
فاغفروا لقلوبكم إن احترقت هوى .. فهي ليست ملكاً لكم .. لأنها قلوب محبة
أما تلك القلوب المملوكة المستعبدة فهي قلوب لا تعرف الحب ، فإن عرفته ، فهي لا تجرؤ عليه فإن جرؤت .. فإنها لا تتقنه .
لأنها شبعت في حضرته أمية منذ أن ارتضت أن تكون أرقاماً في جيش المماليك ، وسط صحراء متجعدة الوجه ، تمتد فوق رمل يحترق تآمراً على نقاء الفطرة فيها !!
تلك صحراؤنا نحن .. إنها تختلف .. فهي لا تنكفئ عن ابتداع الحب في كل لحظة تلاق
مع ظلال النخيل ، وفي كل لحظة اصطلاء مع توهج الرمال ..
هكذا هي : حروف في قلب يعبر عنه فم ، وكلمات في أغنية ، أو حداء ترشه على صفحة
الأفق شفتان تسترجعان صداها في كل لحظة مواجهة بين حبيبين !
منقول من المجلة العربية
كاتبة النص / د . هند بنت ماجد الخثيلة