لا يجيده إلا القليل : أصحاب النفوس الكبيرة والقلوب المتواضعة ، والصدور الواسعة ، والخُلق العظيم .
تأمل معي هذا المشهد :
( بقي على المعركة دقائق ، والقائد الأعلى ( رئيس الدولة إن صح التعبير ) يتفقد الجيش ويمر بين الصفوف ويقوم بجولة استطلاعية أخيرة ليطمئن على مدى الجاهزيّة ، وعلى سلامة الترتيب وجودة تنظيم الصفوف ، حيث أن العدو يفوق عددا وعُدة بما يقارب الضعف أو يزيد عليه ، وبينما القائد يمر إذا بجندي من وسط الصفوف ينادي القائد قائلا : أوجعتني ..... ، لم يكن هازلا ، وهو في كامل قواه العقلية وفي أفضل حالاته النفسية ، بل تبين من هذا الموقف أنه في معنوية عالية ، والموقف ليس فيه وقت للمزاح ، ! وإذا بالقائد يقف ...،،لكن ماذا تظنه فاعل بهذا الجندي ؟!
لم يصدر أوامره بأخذه على أقرب زنزانة ليُحبس حتى تنتهي المعركة وبعدها ينظر في أمره ، ولم يأمر بإخراجه من الصف ورميه خارج الميدان ، ولم يصدر قرارا سريعا بسحب رتبته العسكرية التي على كتفه إن كانت موجودة عقابا له وزجرا لغيره ، بل لم يقم حتى بتوبيخه وشتمه على ألأقل .... !
لم يفعل من ذلك شيئا ، ! ! أتدري ماذا فعل ؟؟
لأنه صاحب الخلق العظيم بادر على الاعتذار والاعتراف بالخطأ .... ولم تنتهي الحادثة فقد واصل الجندي المطالبة بحقه بكل ثقة وشجاعة ، تدري ماذا طلب ؟ طالَبَ بالقصاص والقود ، وممن ؟ من القائد !! وفي هذه اللحظات الحرجة والموقف العسكري الصعب ، فما كان من القائد إلا الامتثال للحق والقبول بالقصاص وهيئ نفسه لذلك . )
أتعرف من هذا القائد ؟ إنه أعظم قائد عرفته البشرية ، إنه محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي غزوة بدر الكبرى ، ولعل القصة مرت بك عند دراستك لهذه الغزوة ويمكنك الرجوع إلى مراجع السيرة لمعاودة التأمل في هذا الموقف الفريد .
- أنا أعتذر !! ؟ مستحيل .
- لعلك سمعت العبارة السابقة ... وربما كثيراً ...نعم هناك من يقولها وهو مخطئ .
- قل لهذا وأمثاله : اعتذر سيد البشر صلى الله عليه وسلم وخير الخلق .
- الاعتذار تواضع ، اعتراف ، صابون الضغينة ، ومزيل الحقد ، ومُذهِب العجب .
- اعتذرْ إن أخطأت تملك القلوب ، وتزيل الوحشة ، وتُعمّق المحبة .
- كيف إذا كان المعتذر مديراً ، أو أباً ، أو قائداً ، أو .... ، كيف يكون أثر هذا الاعتذار في نفوس الأفراد ؟
- فاعتذر صادقاً – نادماً – ولا تكن كما يُفعل في احتفالات توديع مسئول واستقبال أخر ، فالمودَّع يختم بعبارات الاعتذار والأسف وطلب السماح و و .. والتي لم يسمعوا منها حرفاً أيام إدارته ولم يكن لها في الواقع أي وجود .
- وللعلم : الاعتذار يقلل الأخطاء وذلك لأن الاعتذار ذلٌّ ، ومن شعر بالذل لا شك أنه سيقلع عن أسبابه ، وسبب الاعتذار الخطأ فسيعمل على ألا يكرر الخطأ حتى لا يتكرر الإعتذار .
- كيف يمكننا أن نعتذر ؟؟
1- التدريب والممارسة ، فالعلم بالتعلّم والحلم بالتحلّم .
شاب يحب المزاح ويُكثر منه ، وإذا أخطأ على أحد يقول مازحاً : أتوب إلى الله ، واستغفر الله ، فيقول : علمتني هذه الكلمات وتكرارها سهولة الإعتذار في المواقف الجادة ومن الأخطاء الكبيرة والصغيرة إذا وقعتُ فيها .
2- قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والنظر في كريم أخلاقه وتعامله مع من حوله .
3- قراءة سير السلف من الصحابة ومن بعدهم وخاصة في مقام تعاملهم مع من خالفهم ولو من غير المسلمين .
4- التركيز على مواضيع تربوية متعلقة بهذا ألأمر كالتواضع وحسن الخلق ولين الجانب والإحسان إلى الناس والبر والحلم ونحوها
5- توطين النفس وتهيئتها لتمثل هذا الخلق وكسر حاجز العجب وقمع باب الكبر وإن كان خفياً .
منقول