~~**{[(< ثـانــي أيــام الــعــيــد>)]} **~~
آمام مرآتها الصغيرة في غرفتها جلست صالحة تنظر إلى جدائل شعرها الطويل .
تستعرض شريط هذا اليوم الجميل .. بعد أن غادرت أمها وصديقاتها وبعض جاراتها ( طراحة ) بيتها بعد معايدتهم لها ،،
تسترجع كلمات الثناء والإعجاب الموجهة لها ..
تشعر بالسرور لسعادة النساء اللاتي يأتين عندها ..
فهي تهتم بهن وتكرمهن أيما إكرام ولها ملكة وقدرة على اجتذاب الصديقات والنساء حولها .
**********
أمسكت إحدى الجدائل بيدها اليمنى ، ودعت بقية الجدائل للظهور أمام المرآة على صدرها بيدها اليسرى .
التفت حول نفسها باحثة عن مشطها الأحمر ذو الأسنان الكبيرة المتأهب دوماً لاختراق خصلات شعرها وتفريقه ..
فجأة وقبل أن تكمل التفافها أعادت وجهها بسرعة إلى المرآة ... وهي تقبض بكفيها على جدائلها التي بدأت بالتفرق بين أصابعها..
توقفت للحظة تتأمل في وجهها وكأنها تشاهده لأول مرة !!
لحظات من التأمل في هذا الوجه الذي تقول عنه نساء القرية أنه فلقة قمر !!
( قال فلقة قمر .. قال ) !! هكذا بادرته ..
هل تذكر يوم زواجنا ماذا قال عنك ؟؟
قال : إنك أجمل وجه رآه ، بل قال : إنك الأجمل على الإطلاق !!
لم تمر سنوات طويلة على هذا الكلام يا فلقة القمر !!، فبكرنا فهد عمره 7 سنوات فقط .
إذاً لماذا تغير ؟!
لماذا يقضي أكثر وقته معهم في تلك الغرفة المنزوية كل ليلة ؟!
إذا كان وجهي فلقة قمر وملّ منه ، لماذا لم يملّ من الوجوه التي يسهر معها ليلياً منذ عدة سنوات حتى قبل زواجنا . ؟!؟!
**********
فجأة تراجعت صالحة بسرعة لا لتواصل بحثها عن مشطها الأحمر .
لكنها تذكرت شيئاً ما ..
ابتسامة لم تستطع أن تفصل الشفتين عن بعضهما ..
غاصت في أعماقها وهي تنظر بطرف عينيها باتجاه اليسار .. تودع المرآة خلفها ..
حررت أصابعها الجدائل بكل هدوء ..
تراجعت إلى الوراء ثم ارتمت على ظهرها في أحضان سريرهم البارد ..
تذكرت في هذه اللحظة عمر بن الخطاب ..
جالت بعينيها في سقف الغرفة ..
واحد .. اثنين .. ثلاثة ..... تسعة ..
لأول مرة تعد الأخشاب التي تحمل سقف الغرفة!! منذ ثمان سنوات ..
لم تعر نتيجة العد أية اهتمام ، فخالد لم يعر تلك السنين أي اهتمام ..
آآآه ..
هكذا زفرت .. ودفعت بقوة .. هواءً من بين أضلعها .. ضيقت عليه الطريق أثناء الخروج من بين شفتيها ..يكاد أن يصل إلى مروحة السقف .. المعلقة بمسمارين في الخشبة الخامسة .
لو كان لدينا بيت مسلح مثل بيت ناصر ، وغرفة خاصة للأولاد وغرفة للبنات ومجلس وصالة ..
قاطعت نفسها ..
أصلاً راتب خالد أكثر ، بس خالد الله يهديه ضيع فلوسه .. ولا همه ..!!
وضيعنا معاه ..
غرفتين ومطبخ وحمام وطراحة !! حتى ما هي مسقوفة ..
متى نصير زي الناس ؟؟
**********
تذكرت صالحة أن اليوم هو ثاني أيام العيد وأن خالد قد وعدها بأن يقضي هذا المساء معها ومع فهد وإخوانه..
قفزت فجأة .. كطفل .. سمع أترابه عند الباب ..
إتجهت نحو دولاب الملابس ..
هذا زين ..
لأ .. لأ .. هذا أحسن ..
أعرفه يحب اللون الأحمر ..
عشان كذا راح ألبس هذا ..
عادت مرة أخرى وبسرعة نحو المرآة ..
جلست على ذلك الكرسي المتهالك ..
بدأت تفتش بين حاجياتها .. في ثنايا الأدراج ..
أخرجت (شباصة ) على شكل قلب .. لونها أحمر فيه حبيبات لؤلؤية .. اشترتها من محل أبو ريالين ..
تأملتها .. ثم وضعتها أمام المرآة ..
تناولت 3 زجاجات عطر .. وبدأت تشمها الواحدة تلو الأخرى ..
اختارت إحداهن ..
هذا خالد يموت في ريحته ..
تذكرت العيد الماضي يوم أهداها أخوها هذا العطر ..
الله يجزاك خير يا محمد ولا يحرمني منك ..
مدت يدها لأحد الكريمات ..
ثم سحبت علبة صغيرة فيها ما يشبه الماكياج ..
وضعت كل تلك الأشياء أمام المرآة ..
ثم قامت وبدلت بلوزتها وتنورتها .. بذلك الثوب الأحمر الجميل الذي يعجبه..
ثم جلست على الكرسي مرة أخرى ..
أخرجت مشطها الأحمر .. تستحثه على سرعة تفريق شعرها وكأنها تسابق الزمن ..
تناولت زجاجة خضراء مرسوم عليها صورة فتاة هندية يتدلى شعرها الأسود على كتفها وصدرها ..
سكبت منه قليلاً في كفها الأيسر .. وضعت الزجاجة .. ثم تقاسم الكفان الزيت .. وحملتهما إلى أعلى تمررهما على خصلات شعرها.. ثم تفرقهما ليلتقيا عند خصرها حيث ينتهى المطاف بهما عند أطراف شعرها الطويل ..
كررت ذلك مرة واحدة ، فهو لا يحتاج أكثر من ذلك ..
تمهد الطريق لمشطها .. وكأنها تحمله أمانة إتقان عمله السهل..
تناولت ربطة سوداء.. جمعت فيها ذلك الشعر .. وسحبتها إلى مؤخرة رأسها .. وأعادته منسدلاً إلى الوراء ..
نظرت في المرآة .. وقع اختيارها على نقطة ما لتضع فيها تلك الشباصة الحمراء .. إنه منتصف الجهة اليسرى من الرأس .. أنشبت مخالبها بين خصلات شعرها الليلي .. حركتها قليلاً حتى استقرت في المكان الذي تريده ..
**********
لفت رأسها يميناً .. ثم يساراً .. ثم يميناً ثم يساراً .. وعيناها مثبتتان في المرآة . .
يداها تعملان .. وعيناها تنظران وتتابعان .. وتدققان في كل صغيرة وكبيرة ..
إنها تهتم بالتفاصيل .. وهذا مثار إعجاب الكثير بها ..
تحاول ألا تقع عين خالد إلا على ما يرضيه ..
فكرها يسترجع ليالي رمضان الذي افتقدته خلالها ..
فقد انشغل كثيراً مع أصدقائه ..
كان يسهر معهم من بعد العشاء إلى قبيل السحور ..
ثم يأتي ليتسحر ويقذف بجثته على السرير ..
رفعت رأسها وقالت :
يااااااارب ....
أغمضت عينيها بسرعة وهزت رأسها يميناً ويساراً .. وكأنها تسقط تلك الصور من مخيلتها .. حتى لا توقع نفسها في فخ المراجعة والتمحيص ..
إنها تعزي نفسها بوعد خالد لها ..
سكبت العطر على كل زاوية في جسدها ..
فجأة
وبسرعة
الباب يفتح عليها ..
يركض إليها ..
وصرير الباب الصدئ يعلو صوته ..
إبنها فهد :
ماما .. ماما ..
ماما .. ماما
بابا في غرفة التخزينة .. معاه اصحابه ..
يقولك .. جهزي فحم .. وترمس ثلج .. وشاهي وقهوة ..!!!!
مكلبش
mokalbash@yahoo.com
( 5) الثلاثاء 2/10/1427هـ ( 14:48ظهراً) .
==============================