يبدو من نافلة القول إن المرأة قد باتت تحتل مساحة شاسعة من مداخلاتنا اللفظية والمكتوبة في معظم منتدياتنا ومنابر اختلافنا المنتشرة في كل مكان على كوكب الأرض.
ولأننا كنا كذلك لعقود مضت، ولا نزال، فقد فهم كثير من كيانات الغرب والشرق (من غير المسلمين) تلك التركيبة الذهنية عندنا، فباتت تلك الكيانات تنازلنا عبر قضية المرأة برفع شعارات حقوقها وحرياتها تارة، وتارة أخرى بنقد زيها الإسلامي وقذف حجابها بالعنصرية والتمييز والرمزية الممقوتة. ثم ما نلبث أن نقابل الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، متكئين - في نهاية المطاف - على نصوص نمتلكها نحن، وندين لها بالولاء المطلق، لنقول للغرب أو للشرق: تلك هي حججنا وبراهيننا، فإن قبلتموها، أو دونكم نصوصنا التي لن نحيد عنها.
والمعنى الحقيقي الذي نحمله (الذي من المؤسف أننا لم نحسن إيصاله للآخرين حتى الآن) هو أن نساءنا عفيفات شريفات عابدات قانتات، أو أن المعنى هو أننا لا نرضى لهن دون ذلك، حتى لو رضي الآخرون تلك الدونية لنسائهم. ولا شك في أن هذا المعنى هو أجمل وأنبل المعاني التي يمكن أن نبني عليها رؤيتنا لبناتنا وأمهاتنا . .
استرعى انتباهي هذا الأمر، وأنا أشاهد على كثير من قنوات التلفزيون خلال هذه الأيام، ما سمي بتصريحات مفتي المسلمين في استراليا حول تبرُّج المرأة، وما ترتب على هذه (التصريحات) من ردود أفعال. ولن أنساق خلف ما لديّ من تراكمات تقول إننا مستهدفون من لدن الغرب، وأنهم يتحينون الفرص لمهاجمتنا، وأنهم يتدخلون في شؤوننا. كما لن أهتم كثيرا بأدبيات حرية التعبير عن الرأي التي يتشدقون بها، في حين لا يسمحون لنا بالتعبير عن آرائنا. ولكنني سأفتح ملفا ساخنا لن تكفيه مساحة هذا المقال، بل آمل أن يكون نقطة انطلاق لمداخلات كثير من المعنيين بشؤون الفكر والثقافة عند المسلمين عندما نتحدث عن معانينا الجميلة. .
إن المرحلة التي تمر بها أحوالنا الإسلامية في الداخل والخارج، تدعونا لنراجع (بجدية كبيرة) كل مدخراتنا (البنائية) عندما نتحدث عن معانينا الجميلة.
وكيف نقيم مراكزنا ومؤسساتنا، وكيف هو سلوكنا داخلها. إن المراكز الإسلامية، ومدارس أبناء المسلمين
لا يمكنها بأي قدر أن تعبّر عن المعاني الإسلامية الحقيقية، بل أكاد أبلغ حالة التأكد من أنها تسهم كثيرا في تشويه مدخراتنا من المعاني النبيلة والقيم السامية التي تاهت فيما بيننا وداخل مجتمعاتنا، فنقلنا حالة (التيه) تلك، خارج حدودنا بكل تداعياتها الفئوية والطائفية، والمذهبية، وبكل مآسيها من مظاهر التردي في الشكل والمبنى.
إن المرحلة الراهنة تتطلب فتح ملف وجودنا في بلاد الغرب ومراجعته في ظل أرقى أنماط المعيشة الإنسانية هناك، رغم كل التحديات والصعوبات التي أفصحت عنها كثيرا منظمة بحجم منظمة المؤتمر الإسلامي. وحتى يأذن الله بحال جديد،