أثناء إبحاري في فضاءات النت عثرت على إحدى درر السرد لكاتب قصصي كبير
وهو الأستاذ/ مسعد الحارثي وكانت بعنوان امرأة وزوجان
وهذه القصة تعرضت لجدل كبير في نقدها من قبل القراء
أحببت ايرادها هنا آملاً منكم إبداء ارائكم حولها متمنياً التفاعل
وأليكم نصها أعزائي
--------------------------------------------------------------------------------
امرأة وزوجان
مسعد الحارثي
![]()
عشرون سنة مرت على زواجه منها. تزوجها على طريقة جيله. لوالدته دور كبير في اختيارها. ثمرة الزواج علي واخته راويه. مركزه الاجتماعي مرموق. يعيش في رغد. جمع ثروة كبيرة من خلال عمله في وظيفة كان فيها الآمر الناهي. جميع مناقصات ادارته كانت ترسى على من يدفع اكثر له. بعد وفاة والدته ترك منزل العائلة, لانه لا يليق بمكانته. كانت والدته تصر على عدم مغادرته اكرامآ لذكرى المرحوم والده. المنزل – القصر- الذي اشتراه في طرف المدينة كبيرآ ومشيدآ على طريقة المنازل الرومانية، تزينه أعمدة رخامية جلبها من خارج البلاد كي يكون منزله مميزآ، خاصة وان الحي يقطنه العديد من أعيان المدينة. أضاف ملحقآ في طرف القصر للخدم والضيوف غير المهمين. الكثير من سكان المدينة يطلبون وده ويتسابقون لخدمته والتقرب اليه بتقديم الهدايا في المناسبات وما أكثرها. قالت احدى نساء الحي بأن زوجته احتفلت بعيد ميلاد ابنتها مرتين في السنة، وقالت أخرى بل ثلاث، موثقة كلماتها بأيمان غليظة. آفاق ذات صباح وجد زوجته متجهمة بجواره وتتصفح أحدى الصحف اليومية: ـ خير ياأم على؟ ـ من فين يجي الخير ياراجل. على غير عادته قفز من سريره مستشعرآ خطورة الموقف. ـ فيه إيه ياستي؟ ــ مصيبة وحلت، عز وراح. ـ اتكلمي يا حرمه. سميتي بدني. ـ أنت ما شفت؟ أقالوك من منصبك وأنت نايم. ـ يايا.. تاتا. حاول جاهدآ النطق فلم يفلح. تغيرت ملامحه. يداه ترتعشان أثناء محاولته خطف الصحيفة من يد زوجته. أخيرآ استطاع الإمساك بالصحيفة ومطالعة الخبر. انهار وسقطت من يده. بدأ في البكاء بصوت متحشرج واضعآ رأسه بين يديه. ـ صلي على النبي يا سيدي. إحنا بخير المهم صحتك. لم يجب عليها. اشفقت عليه، وانّبت نفسها على تسرعها بنقل الخبر. لم تظن أن يكون الخبر صاعقآ لهذه الدرجة. اتجهت مسرعة للهاتف وطلبت من طبيب العائلة الحضور بسرعة. مرتبكة وضعت السماعة. اتجهت الى غرفة زوجها للاطمئنان عليه. يداه ازدادت تصلبآ. لاحظت بروز عروق خضراء لم تعهدها من قبل تمتد ملتوية بطول ساعديه. ذكّرتها بالطريق الرملي المؤدي الى حيث منزل خال زوجها عند مرافقة أبو علي لامداده بحبوب الضغط التي يحتاجها . توفي الخال قريبآ. وفاته نقلها لهم أحد جيرانه أثناء مراجعته مستشفى المدينة لعلاج ابنه الصغير المصاب بنزلة برد. اربكها الموقف. تناولت كأس ماء كان بجوار السرير وبدأت في غسل وجه ابو علي وهي تتمتم بما تحفظ من ادعية وآيات قرانية أوصتها المرحومة والدتها باستخدامها في أوقات الشدة. رنين متواصل على جرس المنزل. أسرعت بفتح الباب. الطبيب يقف أمامها: ـ هوّه في ايه ؟ ياأم علي، دنا اتخضيت. ـ أبو علي يا دكتور. أكملت كلماتها وهي تسير أمامه متجهة الى غرفة نوم زوجها. باشر الدكتور مهامه مستخدمآ الأدوات المطلوبة في مثل هذه الحالات. ـ في ايه يا دكتور، طمنّي؟ ـ متخافيش. كلّه تمام. الضغط كويس, وقلبه تمام. بس دي صدمة عصبيه بسيطة. باين سمع خبر وحش. محتاج حقنة دي الوأتي. كلها كم يوم وتشوفيه زي الحصان ياستي. ـالله يسمع منك يا دكتور. ـ اطمّني خالص. كلها كم يوم زي ماألت . ودعها الدكتور بعدما أعطاها وصفة الدواء وطريقة استخدامه متمنيا له الشفاء العاجل. بدقة شديدة حرصت على مواعيد علاجه وهي تلاحظ تحسنه المستمر مما ادخل البهجة الى نفسها. الشيء الوحيد الذي تسبب في إزعاجها أن أحدآ من أصدقاء العائلة لم يزره أو يتصل به. الوحيد الذي داوم على زيارته والسؤال عنه هو اكرم صاحب البقالة المجاورة. بعد الاطمئنان على صحة زوجها اتصلت بابنها الذي يدرس مع أخته خارج الوطن. أخبرته بالقصة وطالبته بعدم الانزعاج والاهتمام بدراسته لان صحة والده في تحسن مستمر. أنهت المكالمة وصوت ابنها لم يزل يرن في أذنها عندما اخبرها بعدم رغبتهما في العودة بعد التخرج، وان لديهما عروض عمل مغرية تشجعهم على البقاء خاصة ان فرص عملهما في وطنهم ليست مضمونه. صدقت توقعات الدكتور. استعاد ابو على صحته تدريجيا وان ظل صامتآ معظم الوقت, دائم التفكير, ملازمآ المنزل على غير عادته. سألته يومآ وهم يحتسون الشاي أمام التلفزيون: ـ فين أصحابك يابوعلى؟ ماني شايفه أحد منّهم. ـ مولد وانفض. حتى الأولاد اللي شقيت العمر علشانهم بطّلوا يرجعوا. ـ بس كده حياة تزهق. ملل ولا ايه؟ الله يسقي أيام كان البيت عامر بالناس. ـ مقدر ومكتوب ياستي. لازم نكيّف نفسنا على وضعنا الجديد. ـ بس انا وانت، ومقطوعين من شجره كمان. شي يجنن. البيت كبير ويخوف. ـ انا عندي فكره بس خايف تزعلي. ـ قول ياسيدي. هو فيه شي يزعّل اكثر من اللي إحنا فيه. ـ ايش رأيك أجيب وحده تونسنا اتزوج يعني اهوه على الأقل تلاقي وحده تكلميها. _ وي . صحيح يا مامن الرجال يامامن للموية في الغربال. ياراجل خاف الله. تزوجتني وعمري 14 سنة واخترتك من كل اللي تقدموا لي كان الف من يتمناني وصبرت عليك وعلى بلاويك وبعد هادي العشرة جاي تقول اجيب وحده تونسنا ؟ ـ بس ياحبيبتي لاتزعلي. ايش رأيك تتزوّجي انتي وتجيبي واحد يونسنا؟ اهو ألقى واحد العب معاه كيرم. لم تعلق على عرضه وان بدا من ملامحها تقبل فكرته. ـ أشوفك ساكتة، ويقولوا السكوت علامة الرضا. ـاللي تشوفه ياحبيبي. انا اقدر ارفض لك طلب. بس هوه فين العريس اللي يقبل يصير ضرتك؟ تغاضى عن تعريضها به, واستعرض فورآ الأسماء التي يعرفها ويثق في صمتها وقبول فكرته. ـ ايش رأيك في جون، منها سائق ومنها زوج. ـ لا،لا. جون اصلع وكمان دينه مختلف. شوف غيره. لكن ينفع شاهد على العقد. ـ غلام، ايش رأيك فيه؟ ـ لا،لا. غلام كبير شويّه وكلامه مكسر. كل همه في الحديقة وتنظيمها. بعد استعراض العديد من الأسماء ورفضها بحجج مختلفة اقترحت عليه اكرم. شاب طيب ( أعزب كمان). ـ بس اكرم اصغر منك؟ ـ ليه ياسيدي، فرق سنه ولاّ اتنين مايضر. رفض. أقنعته أخيرآ، مذكرة اياه بأنه الوحيد الذي كان يزوره أيام مرضه. - يستاهل كل خير لانه وفي. ـ بس ظنّك يوافق؟ ـ ليه ما يوافق؟ فين يلاقي وحده حلوه زيي يعيش معاها احسن من العيشة اللي هوه عايشها في البقالة ؟ ـ شوفي. انا رايح اعزمه يجي يتغدى عندنا بكره وأفاتحه بالموضوع. ـ بسرعه قوم كلمه. زي ماانت عارف انا حرمه، لو عزمته ماراح يجي. وجه ابوعلى دعوه هاتفيه سريعة لأكرم. لم ينس خلالها ان يشكره على مواقفه السابقة معهم. اجتهدت ام على في اعداد وليمة تليق بالمناسبه، وتبين مهارتها في اعداد الطعام. واختارت للمناسبة فستان اسود تزينه بعض الرسومات الحريريه على الأكمام الشفافة والقليل من القماش الذي يغطي الصدر وفي اسفله بعض الفصوص على فتحة بطول الساق قالت لابوعلي انها اشترته من اشهر دور الازياء واحتفظت به لمناسبة تليق به. حضر اكرم في الوقت المحدد واستقبله ابو علي بحفاوة تعتقد ام على بأنه بالغ فيها. أثنى اكرم على مهارتها في اعداد هذه الوليمة واصفا الأكل بأنه الذ أكل تذوقه خلال أقامته في هذا البلد. ـ لانك عازب, واكلك كله من المطاعم. لو تتزوج، كل يوم تآكل وجبه ألذ. ـ بدّي أتزوج يابوعلي، بس العين بصيرة واليد قصيرة. ـ زواجك عندي، وما راح يكلفك شي. تستاهل. لم يبذل جهدآ كبيرا في إقناع اكرم بفكرته وان تحفظ على بعض شروطه في ان يسكن كلا منهما في دور مستقل وان يكون العدل شعارا سائدا في حياتهم . لم تخفي" ام علي" سعادتها بعد الانتهاء من كتابة العقد مع وعدها لهم بعمل دستور ينظم حياتهم ويكفل حقوق الجميع. استأذن (كرومي) –كما اطلقت عليه أم علي بعد كتابة العقد- وطلب من المدام مرافقته لشراء لوازم الحفلة. اعتذرت لضيق الوقت وحاجة المنزل للترتيب ( ليلة العرس يبغالها ترتيب نسوان ماتفهمه ياكرومي). حال خروج العريس، مدت يدها واخرجت ورقة خضراء وكتبت في رأس الصفحة بخط واضح وجميل (دستور ام علي). شرعت في كتابة دستورها وتوخت فيه العدل كما وعدت. وكانت أهم بنوده آلآتي:- 1ـ يكون الدور الأرضي سكن للقديم نظرآ لقربه من الحديقة ليتمكن من ممارسة المشي وحفاظآ على صحته لما يسببه له صعود السلم من إرهاق. 2ـ يسكن الجديد في الدور العلوي مع إمكانية التجول في السطح كيفما ومتى شاء. 3ـ العدل مبدأ أساسي لحياة أسرية مستقرة, وخاصة في الحقوق الزوجية. تطبق هذه الفقرة بعد شهر العسل. 4ـ تقديرآ لظروف القديم وحبه لملازمة المنزل سوف أقوم شخصيا بمرافقة الجديد سواءآ للنزهة او التسوق. 6ـ توزع واجبات المنزل بالتساوي وسوف يعمل لها جدول خاص يبين مهام كل طرف (يوجد ملاحق تفصيلية). 7ـ احترام كل طرف لسكن الآخر وعدم انتهاكه. (يوجد ملاحق تفصيلية بالعقوبات في حال حدوث أي انتهاك). احتج ابوعلي على الفقرة الثالثة وطلب تعديلها. رفض طلبه في الحال، فمواد الدستور غير قابله للتعديل. وأقسمت ام علي بأنها أنصفت الكل وانها راعت القديم تقديرآ لظروفه الصحية. واضاغت بخبث ((وكمان مايكفيك عشرين سنه عسل وحاسد هذا المسكين على شهر)). طبعت قبلة سريعة على خده وأمرته بالنزول لمنزله وتأسفت له مقدمآ ان سبب له صوت الموسيقى اي إزعاج أثناء احتفالها مع عروسها الجديد الذي تتوقع حضوره، وسلمت له نسخة من مفاتيح المنزل قبل خروجه حسب ماينص الدستور. بخطى ثقيلة نفذ ابو علي المطلوب. اغلق باب سكنه. اتجه الى الثلاجة بحثآ عن بعض المهدئآت لشعوره بحاجته اليها. جلس أمام التلفزيون. مشاهد عديدة اختلطت مع صوت موسيقى.شهقات وتأوهات يعرفها جيدآ تتناوب التغلب على بعضها. ضوضاء وأصوات يعتقد والله اعلم بأنها ناتجة عن تحريك بعض قطع الأثاث في الدور العلوي. اعترته انتفاضة لم يعهدها وشعر بحاجته للمشي فخرج الى الحديقة. ساهم التزامهم بالدستور في انقضاء شهر عسل صرحت ام علي بأنه كان شهر رائع. اصدر اكرم قرارآ بإنهاء خدمات جون وقيامه شخصيآ بمهامه. كذلك اصدر امرآ بإنهاء خدمات غلام وقيام ابوعلي بمهامه، وصرح بأن الفقرة الرابعة من الدستور تجيز له ذلك. استمر الحال وسارت الأمور. وفي احدى الليالي اجتمع الثلاثة لقضاء السهرة سويآ في لعب الكيرم. تقابل ابو علي وأكرم، واكتفت ام علي بالمشاهدة. حضّرت ام علي براد شاهي بالنعناع المديني المفضل عند أكرم، كما أحضرت بعض التسالي من فصفص وخلافه. جلست ام علي لصيقة بأكرم. قامت باعداد كأس لأكرم ودفعت صينية الشاي باتجاه ابو علي. جهز ابو علي لنفسه كأسا بعد أن أخذ نفسآ عميقآ من سيجارته وهو ينظر من أسفل نظارته لأم علي. احتدم الوطيس بين ابو علي وأكرم في لعب الكيرم. كانت ام علي طرف غير محايد تمامآ، فتشجيعها منصب على أكرم (وبس). وفي حالة اختلاف الطرفان كان حكمها جاهزآ لصالح أكرم. احتج ابو علي عدة مرات، لكنها لم تعره ايّ اهتمام. اعترت ابو علي حالة شديدة من الغضب مما حدى به الى الانسحاب من اللعب.ذات صباح افاق سكان الحي على اصوات طلقات نارية مصدرها منزل ابوعلي، فقاموا بإبلاغ الشرطة التي طوقت المكان حال حضورها وشرعت في استجواب الجيران ومن تصادف مروره ساعة وقوع الجريمة. أفاد تقرير الشرطة بأنها قامت بواجبها على الوجه المطلوب حال تلقيها بلاغ بذلك، وقد عثرت في موقع الجريمة على الآتي:- 1ـ ثلاث جثث مصاب كل منها بطلق ناري بالرأس. 2ـ مسدس عيار 9 ملم 3ـ طاولة كيرم تتوسط الغرفة التي كانت مسرحا للجريمة. 4ـ احمر شفاه بدون غطاء. 5ـ ملابس داخلية نسائية على كرسي هزازفي الركن الايسر من الغرفة. 6ـ علبة فياجرا فارغة مع ورقة خضراء ممزقه الى قطع صغيرة جرى جمعها بعناية. وأفاد التقرير بأنه نتيجة لما تم القيام به من جهد ولعدم وجود بصمات غريبة في الموقع مع سلامة جميع الأبواب الداخلية والخارجية فإن الشرطة لا تستطيع تفسير ما حدث وقررت تسجيل الجريمة ضد مجهول. سرت شائعة كبيرة يتداولها الجيران ينصح التقرير بعدم النظر اليها او تداولها .
جدة / 31 ديسمبر 2003