الكون قام هنا خطيبا منشدا=والدهر من فرط المسرة رددا
واهتزت الدنيا فكل مدينة=شفة تبوح وكل ضاحية صدى
الأرض غير الأرض، سهلا ضاحكا=وربى مهفهفة وبحرا مزبدا
والناس غير الناس، شوقا لاهبا=للقاء بان كم أضاف وجددا
أهلا حبيب الشعب فانزل بيننا=فهواك أتهم في القلوب وأنجدا
يا خادم الحرمين دمت لنا أبا=برا، وعشت اليوم فينا سيدا
وافيت كالجبل الأشم تقاصرت=عنه الجبال فبان عنها مفردا
وطلعت مثل الصبح فانثال السنا=من وجهك الوضاح وانساب الهدى
فلأنت بين الزهر والورد الشذى=ولأنت فوق الفل والكاذي ندى
يا خادم الحرمين جازان اكتست=ثوب الجمال وأنجزتك الموعدا
منحتك بيعتها وخفقة قلبها=واستشرقت منك الزمان الأسعدا
هذي الحشود يضيق عن توصيفها=شعري كما عن جمعها ضاق المدى
جاءتك يحدوها الهوى، ويشدها=وجد لمن ملك الطلّى والأكبدا
لو شئت أنعت ما أرى قلت: الضحى=أضفى على جازان ضوءا سرمدا
أو شئت قلت: الغيث في زخاته=بشرى إذا لمس الرمال الهمدا
أو قلت: هاتيك الجموع-وبعضها=في بعضها-(خبر) وأنت (المتبدا)
تاقت لرؤيتك العيون فأبصرت=وهجا يضيء لها الطريق الأبعدا
فكأن دربا كان قبلك مبهما=وكأن طرفا كان قبلك أرمدا
صقر العروبة أنت. لملم شملها=وأقم لها في كل شبر سؤددا
عقدت بك الآمال فابعث فجرها=متوثبا متوقدا متجددا
(الأمس) في يمناك عزا شامخا=(واليوم) في يسراك مجدا أتلدا
(وغدا) يلوح وأنت فارس حلمه=ومحابر التاريخ تنتظرالغدا
مازلت تغمرنا بفضلك سيدي=مازلت فينا المانح المسترفدا
من أجل عين الشعب بدلت الأسى=فرحا وصيرت الحجارة عسجدا
فجرت ينبوع العطاء بمنحة=ردت أخا الستين طفلا أمردا
وأزحت ليل الفقر فانجاب الدجى=عنا، وواسيت الكسير المجهدا
وغذوت شعبك ما استطاب ولذّ في=فمه فعهدك ما ألذ وأبردا
ومسحت دمعات اليتيم، أبوه في=ساح الوغى يوم الفداء استشهدا
حلم المؤسس لم يضع وجهوده=لم تندثر وخطاه لم تذهب سدى
ماسرت إلا سار خلفك موكب=سر الأحبة إذ أغاظ الحسدا
إخوانك الأبطال من لو زمجروا=صهروا الحديد، ولو.. أذابوا الجلمدا
سلطان سيف الحق في قسماته=قدر وفي نظراته حتف العدا
فاضت مكارمه كوادي تعشر=فاحت صنائعه كأزهار الهدا
تغدو به وتروح في طلب العلا=نعم المراح به ونعم المغتدى
قدت السفينة في خضم مائج=فنجوت والطوفان يجتاح المدى
أصليت قافلة الضلال مصائرا=تبقى نهاية من أضل وأفسدا
فانكب فوق الوحل من عشق الأذى=يلقى المنية عند من عشق الردى
لبيك يا ملك القلوب إذا بغى=باغ فأثخن في البلاد وعربدا
نحن -الجنوبيين- عدتك التي=ما استأخرت يوما ولن تترددا
أرواحنا في راحتيك، دماؤنا=عن مقلتيك فدى وأنت المفتدى
خذ ما تشاء من الولاء وتشتهي=وامدد يدا إنا مددناها يدا