أبو ريشة .

[حسن الصميلي]

دلــــــيـــــــــــلـــة

لم أصدقك حين قلت سآتيك =وألقاك في ( فينا ) الجميلة
قلتها..بعدما ترنحت بالكأس=ووسدتها الشفاه النحيلة
إنها خطرة على السكر مرت=لم أعرها من التفاتي قليلة
وتناسيتها..فما أنا ممن =في زحام الرؤى أضل سبيله
وافترقنا ولم يمر بجفني =منك طيف عبر الليالي الطويلة

وتعرت على الشتاء ( فينا )=واكتست بالغمائم الجدولة
وتلوى ( الدانوب ) بين يديها=متعبا ساحبا خطاه الثقيلة
كان يوم بالدفء يغري وكانت=كل نفس عن أختها مشغولة
جئت كوخي عجلان ..فابتدرتني= في ذهولي ..فجاءة مستحيلة
إنها أنت ..أنت جزت إلي السحب=والليل والرياح البليلة
لم أصدقك .. لم أصدق عيوني=لم أصدق قبلاتك المعسولة
فتهالكت ..ممسكا بذراعيك= على مقعدي وما بي حيلة
ما تصباك؟ما توهمت..ما أغراك ؟=ما زينت إليك المخيلة؟
أنت لا تجهلين سفر حياتي=كيف لا تطرقين منه خجولة

لم تجيبي ..مرغت وجهك في صدري = وأطبقتها الجفون الكحيلة
ودعتنا إلى لقاها ( فينا ) الحب= والثلج حامل إكليله
وانطلقنا .. وكل مجلى فتون =كنت تغشين ..ما عرفت مثيله
وأوينا إلى مخابئ كهف=رد أيدي زمانه مغلولة
في زواياه للعناكب مسرى=لم تشأ صحبة الأسى أن تزيله
ومصابيحه وراء دخان الشرب =أوهى من أن تفض فلوله
وعلى كل مقعد وجدار=منه..أسماء فتية مجهولة
أغرقت في الحياة رحب مداها=ورعتها كريمة وبخيلة
قلتُ : ما تشعرين؟ ما زالت الحانة = هذي بصحبها مأهولة
ربما كأسها نفض شذاها =ربما شوقها نبل غليله
فتشبثت بي ..وطرفك يخفي=في اضطراب خشوعه وذهوله
وصحونا..على سؤال مغن=هد من كاهليه عبء الكهولة
"ما تريدان أن أغني " ..فقلنا:="نسمات الشرق الحبيب عليلة"
فتغنى ..والشيب في مفرقيه= كان أشجى ..لقد سمعنا عويله

ونهضنا ..ولم نخيب له ظنا=وسرنا..والليل يطوي ذيوله
وبلغنا الكوخ الصغير ..تخيرتِ=سريري..لم تستطيبي بديله
وتهاوى ما بيننا من حجاب = فانتشى جدول ..ورفت خميلة
وأطل الصباح نشوان ..يروي =عن هوانا هديره وهديله

لست أنسى يوم الرحيل..وشيئا=من حياتي ..شيعت فيه رحيله
وتوالت علي منك رسالات =شجون ..وأمنيات نبيلة
وبلوت الصبر المبرح حتى =لم أطق حمله ولا تعليله
فأتيت الحمى ..وكان وشاح الليل = ملقى على النجوم الكليلة
و حثثت الخطى ..ووحشة أيامي = الخوالي على خطاي قتيلة
وتوقفت عند بيتكِ...ما أوجعها =وقفة هناك ..ذليلة
عشت فيها هنيهة .. خاشع الطرف=ذبيح الرجا ، جريح الرجولة
عشيت مقلتاي حين تراءى= لي طيفان يبغيان دخوله
وسمعت الصدى لقبلة عربيد=وسكرى ..وفاجر وخليلة
وتراجعت تاركا في سماع الليل=أصداء قهقهات طويلة

مزقي هذه الرسالة إني = قلت فيها ما لم أرد أن أقوله
ليس في هيكلي مجال لشمشوم=جديد ...فعربدي.. يا دليلة