بينما كنت حاضرا لأحد الندوات الطبية بمستشفى
الملك فهد المركزي بجازان ، وأثناء خروجي من
المحاضرة ، إلتقيت بأحد الأطباء الأجانب ،
وكان حاضرا نفس تلك الندوة ...

وبعد تعرفي عليه ، تجاذبنا الحديث في أوضاع
الصحة بجازان عموما ...

سألته : لماذا تفضل العمل في جازان عن غيرها
من المدن السعودية الأخرى ؟

أجابني : أشعر بالراحة النفسية هنا ، لأن الرقابة
ليست شديدة كما في المدن الأخرى ، فهنا يمكن أن
أعمل في أيّ قسم ، وتحت أيّ ظروف ، فلا توجد
معوقات أو صعوبات ، ولا يوجد شخص يسألني
هل أنا أخصائي أو إستشاري !!

سألته : ولماذا ؟ ألست كذلك ؟

أجابني : لا ! أنا جئت للسعودية ، لأني لم أجد
عملا في بلادي ، ولم يقبلوني للعمل في بلادي
إلاّ بعد الحصول على الخبرة !
فأتيت إلى السعودية بناءً على توصية من صديق
لي كان يعمل في مستشفى بمنطقة جازان !

سألته : وما الذي ستجنيه إذا عملت هنا ؟ لن
تكتسب الخبرة إلاّ إذا وافقت عليك الرقابة الصحية !

أجابني : أيّ رقابة تتحدث عنها !!
حتى امتحانات الهيئة السعودية للتخصصات عندكم
نقوم باجتيازها وبدون صعوبات !

يوجد لنا عملاء
يقومون بتسهيل كل شيئ ، ونحصل على ما نريد !

سألته : ألا تشعر بالذنب ، وأنت كذلك ؟

أجابني : ولماذا أشعر بالذنب ، والناس هنا لا تهمهم
إلا مصالحهم الشخصية ، وآخر شيئ يفكرون فيه
هم المرضى ومصالح المرضى !
أنا جئت من بلادي لهدف الحصول على الخبرة والتعلم
بقدر استطاعتي ، وسوف أحصل على ذلك مهما كان
الثمن !!

سألته : إذا قام طبيب ما بنفس هذه الأشياء في بلادك
هل ستكون راضيا عنه ؟

أجابني : طبعا ... لا !!!

سألته : ولماذا ترضى بذلك هنا ؟

أجابني : أرجوك ... دعني وشأني ، ثم رحل !!

سألت عنه أحد الأشخاص العاملين معه ..

فأجابني قائلا : هذا الطبيب كان يعمل هنا منذ تسع
سنوات وقد حصل على تصريح بالخروج النهائي
لبلاده بعد انتهاء خدمته !! ولكنه أصرّ على حضور
هذه الندوة ، لأنه يريد شهادة بعدد ساعاتها حتى
تــُحسب له شهادة خبرة في بلاده !!!

بعد خروجي من المستشفى ذلك اليوم ، حزنت
كثيرا على حال الصحة عندنا ، وعلى حال المواطن !
وشعرت بمدى الحاجة إلى تصحيح الوضع الصحي
في منطقتنا ومدى حاجة أهلنا إلى أبنائهم الأطباء كي
يُوفروا لهم خدمة أفضل بعيدا عن الأجنبي وأنانيته
وحبه لذاته ونفسه .