اشكر كل من أتحفني بالرد
( أبو عمر ، حسن الصميلي، محناب، التحدي)
أرجو الا اخيب ظنكم
كونوا معي
************************************************** ************
(1)
علمانية جديدة
يقال أن الفيلسوف الألماني شوبنهر كان يكره أمه ، وهي كذلك ، بل وتحقد عليه ، وكانت هي صاحبة ملتقى أدبي يتردد عليه أعلام الفلسفة والفكر والأدب ، وفي يوم ما بعث ابنها أحد كتبه إلى أمير الشعراء "جيته" ليسجل رأيه حول ذلكم الكتاب ، لكن الشاعر لم يشأ أن يفعل.
حزن الفيلسوف حزنا شديدا وذهب مغضبا إلى صالون أمه ظانا أنها لن تقدر عليه ، وبعد أن وجد شاعره متصدرا هناك هجم عليه يسأله مباشرة وأمام الجميع عن سبب إغفاله الكتاب ، فغضبت أمه أيّما غضب وأخرجته من الصالون وهي تجره جرا حتى أسقطته من أعلى السلم ، فقال لها صارخا والدمع قد تحدر من عينيه : مهما فعلت ، مهما آلمتني فسوف تعيشين وتموتين على أنك أم الفيلسوف شوبنهر ، ثم تركها تنعم عليه بأصناف شتى من الألفاظ الموجعة المؤلمة ، بينما هو راح يتوسد قطعة خشبية ينتظر تحت هطول الجليد خروج الشاعر " جيته " حتى إذا نزل وسأله مرة أخرى عن كتابه أجابه قائلا : أي بني إذا أردت أن تجعل لحياتك معنى فاجعل للحياة معنى !
الحياة !! والدنيا !!
تصور أن الله خلق الأرض وما عليها، وأبدعها بإتقان الحكيم،
وأودع فيها كل أسرار الجمال والروعة،
بل وخلق (البشر) لتكون مهمتهم الأولى هي عمارة الأرض
واستخلافها وجعلها جنة تدل على عظمة الخالق
ثم لا يزال البعض يردد (الدنيا ملعونة ملعون من فيها)
متجاهلين ضعف الحديث او ارساله او غرابته معنى وسندا
أي إبداع ستبدعه البشرية وهي تلعن الدنيا باستثناء العالم والمتعلم
ولا غرو إن سمعت إن بعض المتفيقهين (أي من ينتسبون الى الفقه) يفسرون العلم بالشرعي فقط
ما ذنب أرباب الهندسة والزراعة والفلسفة والمعمار والخط والطب والكمبيوتر كي تصبغهم لعنة هذا الجاهل
إن محاولة تشويه صورة الحياة من قبل البعض سيقوض دور الإنسان الذي يعثه الله ليزينها ويعمرها
هذا جانب!!
وجانب أكثر ايلاما وهو تفكيك هذا الدين العظيم الشامل عن غير دراية فترى جزءا منه يحتل كل مراكز الاهتمام
ويحظى بنصيب الأسد وحده واما غيره من جوانب الحياة فهو نافلة ان لم يكن مكروها
ان القارئ سيجد كتب الكثير من انصاف المتعلمين تركز على بعض العبادات التي هي بين العبد وربه
ولا تقدم على ساحة بناء الحضارة شيئا يذكر فتجد التغليظ والوعيد لمن ( يطيل شيئا ) او ( يقصر آخر)
ومع أهمية هذه القضايا لدى البعض الا
ان المصيبة انك لا تجد في المقابل كتابات ومؤلفات بنفس الحجم والحماس لرفع الرصيد الحضاري للأمة
ومحاولة توجيه النشأ إلى العلوم التجريدية التي نحقق بها الريادة
بل ربما لو سئل البعض لأجاب ان الغوص في كتب الفقه وتحقيقها وتنقيحها خير للأمة
من الغوص في معارف الكون الجديدة وتقديم ابتكار يحسب في رصيد امتنا المنكوبة
كنت في السنة الأولى من تخصصي التقني فجاءني من يرى انه يوجه الجيل للصواب وحثني على حضور حلقة في الفقه بعد الفجر وأخرى بعد المغرب في الحديث
فأجبته وتخصصي فقال كل الطلاب ينجحون ويوظفون فلا تعط الدراسة اكبر من حجمها
هذه قصة واقعية لتفكير متخلف ما زالت الأمة تذوق المرارة بسببه
ان الامة (في وجهة نظري ) احوج اليوم الى عالم نووي متخصص او مبرمج في الكمبيوتر محترف او معماري ذواق يكسي الحياة حلتها الجميلة منها الى فقيه
ان الفقهاء لم ينقرضوا على مر التاريخ بل تزايدوا وتوالدوا ولكن الأمة مازالت في ربقة الانحطاط وسلم الهاوية
ايها الفقهاء الذين تربعوا على سدة التوجيه لا تكونوا جزءا من مشاكلنا المتراكمة
لاتساعدوا في تقديم فهم مبتور ومعنى مبتسر لهذا الدين الذي جاء ليسعد البشرية جميعا مسلمها وكافرها
لا تركزوا اهتمامكم على قضايا اشبعتموها نقاشا واختلافا منذ زمن وتتجاهلوا بؤر التأثير ونقاط الحراك
لم نسمع فتاوى (كثيرة) تخص الانضباط في العمل وضرورة اقامة العدل في المحاكم ولا فتاوى تجرم او تحرم تعطيل مصالح المسلمين بقد ر ما سمعنا عن حكم وضع اليد على الصدر او اسبالها
بحجم ما سمعنا عن نعجة اذا ضاعت فهل نعرفها او نأخذها
انني لا استهزء بهذه القضايا حاشا لله
ولكنها حين تأخذ حيزا كبيرا من اهتماماتنا على حساب قضايا اكثر الحاحا
فهذا هو العوج البين
ان ما يقوم به البعض من محاولة رسم الدين في شعائر تعبدية معينة تربط العبد بربه وتنقله عن عالمه الذي اوجده الله لاعماره
هو علمانية أخطر من فصل الدين عن الدولة
لأن هذا فصل لأجزاء الدين عن بعضها وعن التفاعل مع الحياة جمعاء لا السياسة وحدها
************************************************** ******
هذا الكلام ليس موجها لفئة معينة او أشخاص بذواتهم
مع حبي