في حياتي القصيرة تعلمت –عرضاً وقصداً- أشياء كثيرة...
وكان من أجمل ما تعلمت هو أنك لا بد أن تعطي حتى تأخذ...
وأنه ليس خليقاً بك أن تأخذ أكثر مما تعطي...
قد تأخذ بالقدر الذي أعطيت، وقد تأخذ أقل من ذلك...
أما أن تأخذ أكثر مما أعطيت فهذا غير مقبول...
كما أنه أن تعطي فهذا يعني أنك ستبذل قدراً من الجهد...
وقد يتطلب إلى جانب ذلك قدراً من المال والوقت سوية...
ففي سبيل البحث عن أرباح، نقدم الكثير من جهدنا وأموالنا وأوقاتنا...
بل قد نضطر أحياناً إلى تقديم تضحيات...
آمنت بهذا، إلا أن شيئاً واحداً خول لي كسر القاعدة التي تعلمتها...
تعلمت أو اكتشفت، لا فرق، أنني قد أحصل من ابتسامة على الشيء الوفير...
وبالمقابل فإن الابتسامة هي أبسط ما يمكن أن أعطيه
مقارنة بالربح الذي سأجني جراء ابتسامة واحدة...
رأيت أنني حتى أقدر على خلق ابتسامة:
لا أحتاج إلى مثقال ذرة من جهد، سأبتسم وإن كنت منهكاً من التعب...
ولا احتاج إلى مثقال ذرة من المال، سأبتسم وإن خلا جيبي من كل شيء حتى من الفراغ نفسه...
ولا أحتاج إلى جزء من ثانية، سأبتسم وأعود في غضون لمحة خاطفة...
في البداية وجدت أني أصطنع الابتسامة اصطناعا...
ومع مرور الوقت التصقت الابتسامة على وجهي وصارت جزءاً مني لا يقبل الانفصال...
وجدتني أجعل من هذه الابتسامة منهجاً وطريقة وأسلوباً قدر مستطاعي...
أزرع ابتسامة كلما قابلني وجه، لأبذر في داخله محبة قلب...
وفي المقابل، حصلت على استجابات مختلفة وردود متباينة...
لا ضير في ذلك، إذ أن الوجوه التي تقابلني في كل مرة ليست هي الوجوه ذاتها...
والقلوب التي أطمح إلى بذر محبتها ليست هي القلوب نفسها...
لكنني لم أتوقع حين آمنت بهذه الابتسامة أن أنال من ورائها شيئاً غير الربح:
فوجئت باستجابات حيادية خالية من الماهية...
وصدمت باستجابات أخرى سطحية يعوزها العمق...
وصعقت باستجابات تكشف عن قلوب مريضة...
مثلاً، لم أتوقع يوماً أن أسئل لماذا أبتسم في وجه؟
كان أقل ما كنت أتوقعه أن أجني ابتسامة مثل التي أعطيت...
سئلت مرة عندما ابتسمت في وجه أحدهم:
" لماذا تبتسم في وجهي؟ هل هناك شيء ما؟ "
( نعم يا أخي، هناك شيء وأشياء... على الأقل أريد أن أحظى بصدقة!)
ومرة أتاني السؤال نصف قاطعٍ كسكين مثلومة:
" لماذا الابتسامة؟ هل أنا وسيم ؟"
( أويجب أن تكون وسيماً حتى أبتسم لك؟... كنت ستكون وسيم الروح لو أنك سكتّ على الأقل!)
لا تضايقني الأسئلة بقدر ما يضايقني ما تنطوي عليه...
نصف ما تنطوي عليه هو أن مثل هذه الأسئلة تدخل في شؤوني، فالابتسامة ملكي...
والنصف الآخر هو أني أكتشف أني أمام قلب أحمق ألوم الدقائق في الوقوف أمامه...
أيريد مني تكشيرة؟ لست ممن يجود بها في أسوأ الأحوال...
أتذكر مقولة لأنتوني روبنز يستغرب فيها أننا لا نُسأل عن سبب حزننا إن بدونا كذلك...
بل نسأل عن سبب سعادتنا إما كنا لحظةً سعداء...
الآن أدرك كم هي حقيقة هذه المقولة، وكم هي أبعد من ذلك!
شكراً لكل من ابتسم في وجهي...
سأعطيه جزءاً من قلبي إن أراد...
منقول