إبحار
تعودت أن أبحر بقلمي في أعماقي .. وأبحث عن كنز دفين .. حيث ذكرياتي وأطيافي وشيء من وداعتي وسكوني .. لكنني وضعت قلمي جانبا .. لأحلق من جديد .. فإذا بها بين يديه .. توقظ مشاعري تبعثر في قصاصاتي .. كم فرحت بتحليقها بخيالي .. لقمر نناجيه من بعيد .. همت في عالمها .. فتنهدت كأنني تفهمتها .. فنضوجها يخالج بوحها .. وتجليها بتجاربها .. لكنها ندية تشتاق لطفولتها .. لمراهقة افتقدتها .. وأطياف تناجيها .. حاكت الواقع كأنه الخيال .. وعاشت الخيال كأنه استقطبها .. فكم تسللت من مضجعها .. واستأنست بهدوء الحالمين من أسرتهم .. وانطلقت بعيدا بجسد متراخي .. وخيال يناجي .. وحلما يواري ضعفها وخوفها .. ومخيمها خلفها .. وسياحة العقل في الهيام .. الليل حالك السواد .. السماء ملبدة بالغيوم .. والشاطئ بعيد .. انطلقت ورهبت المكان والزمان .. كأنها ترنيمة ليلة خاصة جدا .. موعد مع المجهول .. تسمع تلاطم الأمواج أمامها .. وصفير الرياح من خلفها .. كدت تعود إدراجها .. لكنها واصلت المسير .. قدمين حافيتين .. وملابس خفيفة .. ونسمت برد تشعرها برهبة ووجل .. واقتربت من البحر .. عرفت أنه غدار .. لامست مياهه الباردة .. ولكنها لم تراه إلا من خلال الأنوار المنعكسة على الأمواج الهادرة .. وتهدر لتبعدها .. تتراجع لتتابع الأفق البعيد .. أرادت أن ترى الحد الفاصل بين السماء والبحر .. لكن هيهات .. والليل يطوي الأسرار .. جلست على رمال البحر الباردة .. لتدفن قدمين صغيرتين .. وتتحسس عمق الأرض .. وضعت رأسها على ركبتين مرتجفتين .. وغطت وجهها بشعرها الطويل .. تلتمس الدفء .. كأنها توري الظلام بالظلام .. رفعت الرأس لتتأمل المستحيل .. أحست شيء يدب حولها .. كادت تبعث صرخة استجداء .. توقظ النيام .. لكنهم في البعيد حالمون .. وهي بالخيال هائمة .. تلمست ما حولها بيد ترتعش .. أنها خوارج البحر تخرج في ظلمة الليل .. تلاش شيء من الخوف .. تمددت على رمال البحر .. البرد قارص .. وجسدها النحيل يرتعش .. أمن البرد ترتعش أم من رهبت المكان .. لكنها ليلتها الخاصة .. يدان مشتبكتان تحت الرأس.. وعينان تغرق في الظلام الدامس .. أطرقت وتأملت لعلها ترى وميض نجمة واحدة .. عبثا تحاول .. أغمضت العينين الحالمتين .. فتجسد لها كوكب دري من بعيد .. أستأذن بالمسير .. مركبته فضائية .. ليحملها إليه .. لكنها أرادت الأرض التي تمشي عليها .. تتنفس بعبقها .. أردت أن تكون أسطورية ولكن على الأرض .. فهمست للمركبة .. كوني فرس بيضاء تحلق .. لا تخرجي من أفاق أرضي .. لا تبتعدي عن هوى نفسي .. أنيري دربي .. لأرى موطئ قدمي .. أنهار ومصباتها .. وجداول وجريانها .. وحدائق وأزهارها .. وتلال وغاباتها .. وصحاري في أتساعها .. أرى طيور الحب لأقلدها .. وبلبلا لأحاكيه .. وعاشقة أجاري رقصها ..
طافت الفرس في أرجاء المعمورة .. تعانق السحاب .. وتحاذي الجبال .. وتتمهل كأنها تبعث التحية .. لكنها لم تصل المراد .. هناك خلف الأفق أضواء تشع وتستقبل الزوار .. قصر مشيد .. وجنة بأنهارها تحيط بالقصر .. وبوابته مشرعة .. لكنها محاطة .. بفتيات كأنهن اللؤلؤ المنثور .. يتسابقن للدخول .. فالأمير يختار .. والعروس تتوج ..
قالت : أيتها الفرس البيضاء .. تخطي الرقاب .. وأدخلي من نافذة القصر المنيع .. فقصص ألف ليلى وليلة لم تكتمل .. لأرى هل الأمير أمير قلبي .. أم أنني أناجي أحلامي .. فأن كان خيالا فهذا مرادي .. وأن كانت حقيقة أحقق الأماني ..
وتهادت الفرس .. حتى حاذت النافذة .. فاخترقت الصمت بسكونها .. فقام الأمير من عرشه .. لينزل فتاتي الحالمة .. يودع ثغرها سر القبول .. فتهللت الوجوه .. واستبشرت المملكة ..
لكنها أسطورة تروى في غفلة العيون ..
نادر النادر