عنوسة الفتيات وانتحارهم
بيوتنا مليانة بالبنات ، من مستويات مختلفة ، جامعيات وغير جامعيات ، ومثقفات ونصف مثقفات ، حلوات وأنصاف حلوات ، مليانة من كل المستويات ؛ لكن : مالذي يطلعني على أن جارنا الطيب " أبو ناصر " لديه خمس بنات متدرجات في العمر لكي أخطب منه واحدة لولدي " مشعل " ؟؟ !
العوائل التي نعرفها جيدا تكبر بناتها بسرعة ثم يختفين ولا أحد يراهن ، فيطويهن النسيان ويدخلن في عالم الصمت الرهيب ، ويكابدن ساعات وليالي الاحتراق الداخلي دون علم آبائهن وأمهاتهن ، وهن أمامهم كأنهن في وضع طبيعي يخفين ما في داخلهن ولا يعلمن مصيرهن ولا ما تخفي لهن الأقدار السوداء .
ستار حديدي وحدران عالية وعالم من العزلة يفصل البنات عن الحياة وعالم الرجال في بلادنا ، من الصعب اختراقه أو الاقتراب منه ، وليس من اليسير الحصول على معلومة عن بيت آل فلان ، أو بنت آل فلان ؛ لأن ذلك يستدعي جهدا خارقا وشبكة من العلاقات وأساليب غريبة وتدخلات من أطراف متعددة للحصول على نزر يسير من المعلومات عن البنت ومستواها العقلي والعلمي والجمالي وما إلى ذلك مما يهم العريس ...
أو أن الطريق الوحيد بتكليف خاطبة تطببك في حفرة ماتطلع منها ؟! أو ان أمك هي اللي تدور لك وتحط مواصفتها اللي تبيها هي لا أنت في البنت ، أو أن اختك تقوم بهذا الدور الخاص ، وكلهن لن يغنوك عن رؤيتك الشخصية ومعرفتك واطلاعك المتفحص الدقيق العميق ...
هالحين لو انك رايح بتشتري سيارة " سيارة " ! وليس اقترانا إلى الأبد بإنسانة من لحم ودم لها كرامة وحقوق لمكثت أياما وأسابيع تزور وكالات السيارات وتتشاور مع من تثق في خبرته ، وتسأل عن الماكينة والعزم والسرعة والصيانة والوكالة وصوت الهوا في الغمارة وصرف البنزين وتجرب بعد ... ثم تفكر لك يوم والا يومين ، وقد تقرر الشراء أو تنصرف غير مقتنع !!!
وهذه امرأة ستشاركك حياتك في السراء والضراء وستنجب لك أبناءك وستستمتع بها وستستمتع بك ، ويحسن ألا ترى فيها عيبا أو نقصا مزريا كما أنها يحسن ألا ترى فيك ذلك كذلك ؛ ومع هذا لاتعرف أين يمكن أن تجد هذا العرض ؟ ومن سيدلك ؟ ومن سيقبل بك ؟ وعن أي طريق ؟!
وفي المقابل تضج بيوتنا بالبنات المهيآت للزواج وتمضي سنة بعد سنة والباب لايطرقه أحد ، لانقصا في جمال أو ضعفا في حال ، أو في علم ، أو سوء في أخلاق ؛ ولكن لأن " المعلومة " غير متيسرة عند الناس ، ولأن الحجب كثيفة جدا ، ولأن العوازل عالية جدا ، ولأن البنات " مصكوك " عليهن إلى أن يأتي أولا يأتي العريس المنتتظر أو تظل البنت رهينة للتآكل والفناء البطيئ بين أحضان الأهل المملة القاتلة .
وحتى حين يأتي خاطب مقدم على علاته وعلى ما وصل إليه من معلومات مبتورة قد لايقبل به الأب ؛ طمعا في الأفضل مالا أو جاها أو موقعا وظيفيا ، والضحية بطبيعة الحال الابنة المخبأة بين الجدران العالية في انتظار الأقدار والحظوظ وخبط العشواء والنظرة الصدفة التي قد تغير مجرى الحياة .
نحن أمام معضلة ، والسبب : " التقاليد " التقاليد العقيمة التي تحجز النساء عن الرجال بصورة مبالغ فيها ، لم تكن ولم تحدث في كل سياقات التاريخ الاسلامي ، ونحن الوحيدين الذين ابتدعنا لنا هذا الأسلوب المتزمت القاتل الكئيب الجاف في الحياة ، متغافلين أو متجاهلين ما ينتج عنه من مفاسد وآلام ومشكلات ومصائب وجرائم وانحلال خلقي ، وكل ذلك بحجة المحافظة ، وهي حجة عقيمة ؛ لأننا نطعن هذه المحافظة في الخاصرة بتهيئة كل السبل لاختراقها بأساليب شتى لاتخفى علينا جميعا ، كالنعامة وتخفيها الغبي .!
إن هذه الجريمة التي وقعت في احد مدن السعوديه بسبب تعنت الأب وتقدم عمر الفتاة يكشف لنا فداحة هذه القضية ، وضرورة فتح هذا الملف الموجع ، ومكاشفة أنفسنا والبحث عن حلول لعزلة النساء عن الرجال على النحو الذي نعيشه . نحن لايعلم بعضنا عن بعضنا شيئا ، وكأننا ونحن بجوار بعض نعيش في جزر نائية ! .
** هذي هي القصه **
حاولت فتاة في احد مدن بالسعودية الانتحار بتناولها أقراص مضاد حيوي، نقلت إثره من جانب ذويها إلى احد المستشفيات الخاصة لتلقي العلاج.
وأرجعت الفتاة السبب في إقدامها على الانتحار إلى رفض والدها تزويجها من شبان تقدموا لخطبتها في فترات زمنية مختلفة، الأمر الذي جعلها تخشى العنوسة، وفقا لما نشرته الطبعة السعودية لصحيفة " الحياة" اللندنية في تقرير لمراسلها منير النمر، السبت 10-2-2007.
وذكرت مصادر طبية في المستشفى أن "الفتاة كانت تتلقى علاجاً لدى أحد الأطباء النفسيين خارج المستشفى"، مشيرة الى أن "إقدامها على الانتحار يعود إلى حالة اليأس التي تمر بها، جراء رفض والدها "العرسان" الذين تقدموا لها".
وأوضحت أن الفتاة "قامت بتناول كمية من أقراص مضاد حيوي، ما أدى إلى حدوث أعراض خطرة جداً على حياتها، بيد أن سرعة التشخيص مكنت الأطباء من إنقاذ حياتها".
وذكرت أن "جسدها كان مصاباً بتسمم حاد، حين وصلت إلى المستشفى"، وقالت إن " قسم الطوارئ قام بتشخيص الحالة، ولم يكن ذووها يعلمون أنها تناولت كمية من الحبوب". وعن ذلك يقول الطبيب الذي شخص الحالة: "عرفنا أنها تناولت حبوباً بعد أن لاحظنا أثناء الفحص الدقيق أنها تعاني من غثيان مصحوب بقيء وآلام في البطن وتقلصات في العضلات وضيق في التنفس".
ووجه الطبيب المشرف على علاجها لوماً شديداً إلى أبيها، بعد معرفته بما تعانيه الفتاة من الناحية النفسية، بيد أن أباها، الذي بدا عليه الحزن الشديد في المستشفى، قدم أسفه على المواقف التي اتخذها تجاه قضية زواجها من شبان تم رفضهم لأسباب مختلفة.
فيما رأت الفتاة أن "الرفض لم يكن يحمل أي مسوغ شرعي"، بحسب قولها للطبيب. وتوقفت الفتاة عن العلاج النفسي منذ فترة، ويرجح الأطباء ان "يكون ذلك عاملاً مساعداً في محاولتها الإقدام على الانتحار".
وتعتبر مشكلة العنوسة من الظواهر الاجتماعية التي بدأت تتفشى في الآونة الأخيرة، حيث تشير بعض التقديرات الى وجود مليون ونصف مليون امرأة عانس في المجتمع السعودي.
المصدر : منقول من احد المنتديات وذلك لكي يعم الفايدةعلى الجميع