محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
لماذا لا يحقَّق في الأمر؟
ولكي نضع النقاط على الحروف دون أية مجاملة أريد أن أسأل (وزير المالية) الذي هو المسؤول (التنفيذي) الأول عن الإشراف على السياسة المالية في البلاد، والمسؤول عن صناديق الدولة الاستثمارية التي هي بشكل أو بآخر تقوم بدور محوري في التأثير على توجهات (سوق الأسهم) إن سلباً أو إيجاباً: ما السبب وراء انهيار السوق؟. ولماذا (يتهرب) معاليكم عن الوقوف أمام الناس ويجيب على أسئلة المواطنين، ويقوم بشرح أوضاعنا المالية والاقتصادية، سيما وأننا نمر (بحالة كارثية) في هذا السوق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
ما حصل في السوق كان نتيجة بشكل أو بآخر لقرارات تم اتخاذها من قبل البنوك، وبموافقة (ساما) كما هو معروف؛ حيث جرى (تمويل) عملية رفع مؤشر السوق من خلال (الإقراض البنكي) للأفراد بغرض الاستثمار في السوق، الأمر الذي زاد (الطلب)، في حين أن (العرض) ظل كما هو عليه، فجن جنون المؤشر حتى وصل إلى ما وصل إليه. والسؤال: من وافق للبنوك (أصلاً) على تحفيز المؤشر بالقروض وهو يعلم أن العرض (المتاح) في السوق من الأسهم لن يواكب ارتفاع الطلب (المتوقع)، وأن النتيجة الحتمية هي ارتفاع الأسعار، فمن المسؤول؟
كما أن الادعاء أن السوق السعودية للأسهم مثل أية سوق مالية أخرى فيه عدم دقة في المقارنة. سوقنا مازالت من حيث أدوات الاستثمار (تختلف) عن الأسواق المالية الأخرى؛ حيث إنها تفتقر إلى أدوات استثمارية قادرة على خلق فرص (متفاوتة) من شأنها تنويع (المخاطر) كما في الأسواق المالية الأخرى، كآلية عقود (خيار) البيع أو الشراء مثلاً، وغيرها من الآليات التي تحقق نوعاً من التوازن، الأمر الذي يجعل مقارنة سوق المال في المملكة بالأسواق المالية العالمية هي (مقارنة مع وجود الفارق) كما يقولون. ونحن ندرك أن الوضع الاقتصادي والمالي للمملكة في منتهى القوة والتماسك، ودخل البترول كمؤشر يؤكد (عافية) وضعنا الاقتصادي، وميزانية المملكة الأخيرة شاهدة على ذلك، وأرباح الشركات وأغلب مكررات أرباحها - كما يقول الخبراء الماليون - جيدة ومغرية للمستثمر، غير أن السؤال يبقى: لماذا - مع كل ذلك - يأبى السوق أن يعكس هذا الوضع المالي القوي والاقتصاد المتين، ويستمر (المؤشر) في التدهور يوماً بعد يوم؟.
أعرف أن المسؤول الحكومي في الاقتصاد الحر لا يتدخل في آلية أسواق المال، ويترك (للعرض والطلب) القول الفصل في تحديد اتجاهات السوق، غير أن ما نمر به الآن هو بكل ما تعنيه الكلمة من معنى (كارثة وطنية)؛ ربما أنها في جزء منها، وفي البداية، كانت لارتفاع السوق إلى مستويات غير طبيعية، وكان لابد من (التصحيح)، غير أن التصحيح لم يتوقف عند حد، ولم يجد له (قاعاً أدنى) يركن إليه، وإنما أصبح هذا السوق وكأنه (يهوي) في بئر عميقة لا قاع لها، ولا يعلم إلا الله وحده إلى أين ستنتهي ومتى ستتوقف. وهنا ألا يحق لأي مواطن أن يسأل: وماذا بعد يا معالي الوزير؟. وما هو دوركم؟. وكيف ستتعاملون مع هذه الكارثة؟. ولماذا أنتم صامتون وكأن خسارة ملايين السعوديين لا تعنيكم من قريب أو بعيد!
إضافة إلى ما تقدم، فإن محافظ مؤسسة النقد الأستاذ حمد السياري كان قد صرح قبل أن تقع الكارثة قائلاً: (ساما - أي مؤسسة النقد - مستعدة لمعالجة أي آثار سلبية لهبوط حاد لأسعار الأسهم في حالة حدوثه). والسؤال: ها هي أسعار الأسهم (تنهار) فأين استعداد (ساما) الذي تحدث عنه معالي المحافظ؟ ولماذا لا يُسأل عن تصريحه؟، ثم أليس هذا التصريح يتضمن (مسؤولية) بشكل أو بآخر في (توريط) المواطنين في الدخول في هذه السوق و(حثهم) على الاستثمار فيها؟.. فأين هؤلاء المسؤولون، وقد وصل الوضع في سوق المال إلى هذه المستويات المنهارة وربما القادم أفدح وأخطر؟!
هناك الكثير من الشائعات التي تتحدث عن مسؤولية ما، و(تروج) لبعض من الافتراضات والاحتماليات.. وقطعاً لدابر هذه الشائعات، وامتصاصاً لآثارها السلبية، لا بد من الشفافية، أما حالة (السكوت الذهبي) التي يمارسها المسؤولون الماليون هذه الأيام، فكفيلة بإيصال المؤشر إلى مستويات غير متوقعة حتى عند أكثر الناس تفاؤلاً.
وختاماً أغتنم هذه المناسبة لأرفع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الأب الحاني، ومشعل الإصلاح، ومنبع العدالة، ومرجعنا جميعاً، طلباً هو بمثابة أمنية لكل مواطن خسر كل مدخراته، وأصبح على البلاطة، مؤداه أن يشكل حفظه الله (لجنة وطنية) مكونة من أعضاء متخصصين من مجلس الشورى وديوان المظالم وكذلك وزارة المالية مع مشاركة موازية في الكم والكيف من مهنيين ماليين واقتصاديين لهم استقلاليتهم للتحقيق في أسباب هذه الكارثة، وتلمس بواعثها، ولماذا وكيف وصلنا إلى هذه المستويات, ويضعون نتيجة ما يصلون إليه أمامكم، كما هو الوضع تماماً على حقيقته.
http://www.al-jazirah.com/191934/ar7d.htm