الزواج في الإسلام :
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } سورة الروم 0
فالزواج في الإسلام هو : نعمة أنعمها الله على عباده ، وهو السد المنيع من الفساد والانحراف ، وهو المودة والرحمة ، وهو السعادة والألفة ، وهو الستر والعفاف للرجل والمرأة وهو ضد الرذيلة والفوضوية والجنسية الحيوانية ، وهو ضد انهيار الأسرة والأخلاق ، وهو لإقامة مجتمع نظيف طاهر ، وهو إنجاب ذرية صالحة يعمرون لا يهدمون 0 ومن أطلع على التاريخ يعلم أن الزواج قبل الإسلام كان مجرد صفقة تجارية بين شريكين في المعيشة أو المتعة أو كوسيلة من وسائل الضرورة لإرضاء مطالب الجسد والاستراحة من غوايته وضغطه 0 ولكن الزواج في الإسلام هو زواج إنساني في وضعه الصحيح من وجهة المجتمع ومن وجهة الأفراد ، فهو واجب اجتماعي من وجهة المجتمع للمحافظة على النوع الإنساني وسكن نفساني من وجهة الفرد وسبيل مودة ورحمة بين الرجال والنساء ، ولهذا يحسن أن نقف عند كل نقطة من هذه النقاط على حدة لنبين ميزات الزواج الإسلامي 0
1ـ الزواج فطرة إنسانية : من الأمور البديهية في مبادئ الشريعة الإسلامية أن الشريعة حاربت الرهبانية لكونها تتصادم مع فطرة الإنسان وتتعارض مع ميوله وأشواقه وغرائزه ، فقد روى البيهقي في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( أن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة ) 0 وروى الطبراني والبيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من كان موسراً لأن ينكح ثم لم ينكح فليس مني ) فأنت ترى في هذه الأحاديث وغيرها أن شريعة الإسلام تحرم على المسلم أن يمتنع عن الزواج تقرباً إلى الله تعالى ويزهد فيه بنية الرهبانية والتفرغ للعبادة والتقرب إلى الله ولا سيما إذا كان المسلم قادراً عليه متيسراً له أسبابه ووسائله 0 ونحن إذا تأملنا مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراقبته أفراد المجتمع ومعالجة النفس الإنسانية ازددنا يقيناً بأن هذه المراقبة وتلك المعالجة مبنيتان على إدراك حقيقة الإنسان وراميتان إلى تلبية أشواقه وميوله حتى لا يتجاوز أي فرد في المجتمع حدود فطرته ولا يعمل ما ليس بإمكانه واستطاعته بل يسير في الطريق السوي سيراً طبيعياً متلائماً معتدلاً لا يتعثر وقد سار الناس ولا يتقهقر وقد تقدم البشر ولا يضعف وقد قوي أبناء الحياة قال الله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } الروم0
وإليكم هذا الموقف من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يعد من أعظم المواقف الإصلاحية والتربوية في معالجة الطبائع السلبية وفهم حقيقة الإنسان 0 فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أُخبروا كأنهم تقالَّوها ، فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً ولا أنام ، وقال الآخر : وأنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) 0 فمن هذه النصوص يتبن لكل ذي عقل وبصيرة أن الزواج في الإسلام فطرة إنسانية ليحمل المسلم في نفسه أمانة المسؤولية الكبرى تجاه من له في عنقه حق التربية والرعاية حينما يلبي نداء هذه الفطرة ويستجيب لأشواق هذه الغريزة ويساير سنن الحياة 0
2ـ الزواج مصلحة اجتماعية : من المعلوم أن للزواج فوائد عامة ومصالح اجتماعية وعن طريقه يتكاثر الإنسان ويتسلسل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولا يخفى ما في هذا التكاثر والتسلسل من محافظة على النوع الإنساني ومن حافز لدى المختصين لوضع المناهج التربوية والقواعد الصحيحة لأجل سلامة هذا النوع من الناحية الخَلقية والخُلُقية على السواء ، وقد نوه القرآن الكريم عن هذه الحكمة الاجتماعية والمصلحة الإنسانية حين قال : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } سورة النحل 0 وقوله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً } سورة النساء 0
3ـ المحافظة على الأنساب : فبالزواج الذي شرعه الله لعباده يفتخر الأبناء بانتسابهم إلى آبائهم ولا يخفى ما في هذا الانتساب من اعتبارهم الذاتي واستقرارهم النفسي وكرامتهم الإنسانية ، ولو لم يكن ذلك الزواج الذي شرعه الله لعج المجتمع بأولاد لا كرامة لهم ولا أنساب لهم وفي ذلك طعنة نجلاء للأخلاق الفاضلة وانتشار مريع للفساد والإباحية الذي يؤدي إلى تحلل المجتمعات وضياع الشعوب وفناء الأمم 0
4ـ سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي : فبالزواج يسلم المجتمع من الانحلال الخلقي ، و يأمن الأفراد من التفسخ الاجتماعي ، ولا يخفى على كل ذي إدراك وفهم أن غريزة الميل إلى الجنس الآخر حين تشبع بالزواج المشروع والاتصال الحلال تتحلى الأمة أفراداً وجماعات بأفضل الآداب وأحسن الأخلاق وتكون جديرة بأداء الرسالة وحمل المسؤولية على الوجه الذي يريده الله تعالى منها 0 وما أصدق ما قاله صلى الله عليه وسلم في إظهار حكمة الزواج الخلقية وفائدته الاجتماعية حين كان يحضّ فئة من الشباب على الزواج : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه الجماعة0
5ـ سلامة المجتمع من الأمراض : وبالزواج يسلم المجتمع من الأمراض السارية الفتاكة التي تنتشر بين أبناء المجتمع نتيجة للزنا وشيوع الفاحشة والاتصال الحرام ومن هذه الأمراض الزهري والسيلان والإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة التي تقضي على النسل وتوهن الجسم وتنشر الوباء وتفتك بصحة الأولاد 0
6ـ السكن الروحاني والنفساني : وبالزواج تنمو روح المودة والرحمة والألفة ما بين الزوجين فالزوج حين يفرغ آخر النهار من عمله ويركن عند المساء إلى بيته ويجتمع بأهله وأولاده ينسى الهموم التي اعترته في نهاره ويتلاشى التعب الذي كابده في سعيه وجهاده وكذلك المرأة حين تجتمع مع زوجها وتستقبل عند المساء رفيق حياتها ، وهكذا يجد كل واحد منهما في ظل الآخر مسكنه النفسي وسعادته الروحية ، وصدق الله العظيم عندما صور هذه الظاهرة بأبلغ بيان وأجمل تعبير ، قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }سورة الروم 0 فهذه الآية تنبه الرجل والمرأة إلى أن من أعظم دلائل قدرة الله تعالى وآيات كرمه أن خلق للرجل زوجة من جنسه ليسكن إليها ، والسكون النفسي المذكور في هذه الآية هو تعبير بليغ عن شعور الرغبة والشوق والحب الذي يشعر به كل منهما نحو الآخر والذي يزول به أعظم اضطراب فطري في القلب والعقل ، لا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها بدونه ، كذلك من دلائل كرمه التي حدثتنا به الآية أنه جعل بين الزوجين مودة حب ورحمة عطف ثابتتين لا تبليان كما تبلى مودة غير الزوجين ممن ألفت بينهما الشهوات 0
7ـ الزواج ستر وحماية : ورد في القرآن ، قوله تعالى : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } فهذه الآية شبهت كلاً من الزوجين باللباس لأن كلاً منهما يستر الآخر فحاجة كل منهما إلى صاحبه كحاجته إلى الملبس ، فإن يكن الملبس لستر معايب الجسم ولحفظه من عاديات الأذى وللتجمل والزينة ، فكل من الزوجين لصاحبه كذلك يستر ويحفظ عليه شرفه ويصون عرضه ويوفر راحته وصحته 0
8ـ الزواج عهد وميثاق : الزواج في الإسلام عهد وميثاق بين الزوجين كما قال تعالى :{ وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً } سورة النساء 0 فهذه الآية تدل على أن النساء أخذن من الرجال ميثاقاً غليظاً وهو ميثاق الزواج الذي هو عهد بين الرجل والمرأة يلتزم كل منهما بموجبه بواجبات تجاه الآخر ، ولهذا التعبير ( ميثاقاً غليظاً ) قيمة في الإيحاء بمعاني الحفظ والمودة والرحمة فهو ليس عقد تمليك كعقد البيع أو الإجارة ، أو نوعاً من الاسترقاق ، وإنما هو التزام من الطرفين تجاه الآخر 0
9ـ الزواج تعاون في البناء : حيث يتعاون الزوجان على بناء الأسرة وتحمل المسؤولية وكل منهما يكمل عمل الآخر ، فالمرأة تعمل ضمن اختصاصها وما يتفق مع طبيعتها وأنوثتها وذلك في الإشراف على إدارة البيت والقيام بتربية الأولاد 0 والرجل كذالك يعمل ضمن اختصاصه وما يتفق مع طبيعته ورجولته وذلك في السعي وراء العيال والقيام بأشق الأعمال وحماية الأسرة من عوادي الزمن ومصائب الأيام وفي هذا تكمل روح التعاون بين الزوجين ويصلان إلى أفضل النتائج وأطيب الثمرات في إعداد أولاد صالحين ، وتربية جيل مؤمن يحمل في قلبه عزم الإيمان وفي نفسه روح الإسلام بل ينعم البيت بأجمعه ويرتع ويهنأ في ظلال المحبة والسلام والاستقرار 0
10ـ الزواج تأجيج لعاطفة الأبوة والأمومة : حيث تتأجج بالزواج العواطف في نفس الأبوين وتفيض من قلبيهما ينابيع الأحاسيس والمشاعر النبيلة ، ولا يخفى ما في هذه الأحاسيس والعواطف من أثر كريم ونتائج طيبة في رعاية الأبناء والسهر على مصالحهم والنهوض بهم نحو حياة مستقرة هانئة ومستقبل فاضل باسم 0
هذه هي أهم المصالح الاجتماعية التي تنجم عن الزواج الإسلامي وهي ترتبط بتربية الولد وإصلاح الأسرة وتنشئة الجيل ارتباطاً وثيقاً ، فلا عجب أن نرى الشريعة الإسلامية قد أمرت بالزواج وحضت عليه ورغبت فيه ودعت أفراد الأمة إلى تيسير سبله ، كما قال تعالى :{ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } سورة النور 0 فهذه الآية خطاب للأولياء ـ وتعم غيرهم أيضاً ـ بأن يزوجوا العزاب من النساء والرجال وأن لا يكون فقرهم داعياً للحيلولة دون تزويجهم لأن الله قد تكفل بإغنائهم من فضله ، أما الفقير المدقع العاجز عن الإنفاق فإن الآية التالية تأمره بالعفة إلى أن يرزقه الله المال الذي يمكنه من الزواج وهو قوله تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله } سورة النور 0