دواب الجنة وطورها

في الجنة من الطيور والدواب مالا يعلمه إلا الله تعالى ، قال تعالى فيما يناله أهل الجنة من النعيم ( ولحم طير مما يشتهون * وحور عين ) [الواقعة : 21-22]، وفي سنن الترمذي عن أنس قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الكوثر ؟ قال : "ذاك نهر أعطانيه الله – يعني في الجنة – أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر (1) ". قال عمر: إن هذه لناعمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أكلتها أنعم منها ". (2)
وأخرج أبو نعيم في الحلية، والحاكم في مستدركه عن ابن مسعود قال: "جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: يا رسول الله هذه الناقة في سبيل الله. فقال: " لك بها سبعمائة ناقة مخطومة (3) في الجنة ". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ووافقهما الشيخ ناصر الدين الألباني (4) . ورواه مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ". (5)

أصحاب الجنة

الأعمال التي التحقوا بها الجنة

أصحاب الجنة هم المؤمنون الموحدون، فكل من أشرك بالله أو كفر به، أو كذب بأصل من أصول الإيمان فإنه يحرم من الجنان، ويكون في النيران.
والقرآن يذكر كثيراً أن أصحاب الجنة هم المؤمنون الذين يعملون الصالحات، وفي بعض الأحيان يفصل الأعمال الصالحة التي يستحق بها صاجها الجنة.
ومن المواضع التي نص القرآن على استحقاق أهل الجنة الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة قوله تعالى: ( وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشبها ولهم فيها أزوج مطهرة وهم فيها خالدون ) [البقرة : 25]. وقوله : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزوج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلا ) [النساء: 57]، وقوله : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) [الأعراف : 42] ، وقوله: ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ) [ التوبة : 72] ، وقوله : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم * دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [يونس : 9-10].
وقوله تعالى: ( أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) [الكهف : 31].
وقوله تعالى : ( ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ) [طه : 75-86].
وفي بعض الأحيان يذكر أنهم استحقوا الجنة لتحقيقهم أمراً من أمور الإيمان أو عملاً صالحاً، وقد يفصل في الأعمال الصالحة، ويطيل في ذلك.
ففي بعض الأحيان يذكر أنهم استحقوا الجنة بالإيمان والإسلام ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون * الذين ءامنوا بئاياتنا وكانوا مسلمين * أدخلوا الجنة أنتم وأزوجكم تحبرون ) [الزخرف:68-70].
وأحياناً يذكر أنهم استحقوها لأنهم أخلصوا دينهم لله : ( إلا عباد الله المخلصين * أولئك لهم رزق معلوم * فواكه وهم مكرمون * في جنات النعيم ) [ الصافات : 40-43].
وأحياناً يذكر استحقاقهم لها لقوة ارتباطهم بالله ورغبتهم إليه وعبادتهم له ( إنما يؤمن بئاياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [السجدة : 15-18] .
ومن الأعمال الصبر والتوكل : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ) [ العنكبوت : 58-59].
ومنها الاستقامة على الإيمان : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ) [ الأحقاف : 13-14]، ومنها الإخبات إلى الله تعالى : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خلدون ) [ هود : 23]، ومن ذلك الخوف من الله: ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46]. ومن ذلك بغض الكفرة المشركين، وعدم موادتهم ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخونهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ) [ المجادلة : 22].
وفي بعض الأحيان تفصل الآيات في ذكر الأعمال الصالحة التي يستحق بها أصحابها الجنة تفصيلاً كثيراً، فذكر في سورة الرعد أنهم استحقوها باعتقادهم أن ما أنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحق، وبوفائهم بالعهود، وعدم نقضهم الميثاق، ووصلهم ما أمر الله بوصله، وخشيتهم لله، وخوفهم من سوء الحساب، وصبرهم لله ، وإقام الصلاة، والإنفاق سراً وعلانية، ودرئهم بالحسنة السيئة ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يذكر أولوا الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق* والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب * والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار * جنت عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم و أزواجهم وذريتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [ الرعد: 19-24]
وفي مطلع سورة المؤمنين حكم أن الفلاح إنما هو للمؤمنين ، ثم بين الأعمال التي تؤهلهم للفلاح ، وأعلمنا أن فلاحهم إنما يكون بإدخالهم الفردوس خالدين فيها أبداً. ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأمنتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلاتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خلدون ) [المؤمنون: 1 – 11].
وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاثة أعمال عظيمة يستحق بها أصحابها الجنة ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته : "... وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال ". (1)

طريق الجنة شاق

الجنة درجة عالية، والصعود إلى العلياء يحتاج إلى جهد كبير، وطريق الجنة فيه مخالفة لأهواء النفوس ومحبوباتها، وهذا يحتاج إلى عزيمة ماضية، وإرادة قوية، ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره " ولمسلم حفت بدل حجبت . (1)
وفي سنن النسائي والترمذي وأبي داود عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحفها بالمكاره، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ". (2)
وقد علق النووي في " شرحه على مسلم " على الحديث الأول قائلاً: "هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم - من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادة، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة، والإحسان إلى المسيء ، والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك ". (3)

أهل الجنة يرثون نصيب أهل النار في الجنة

جعل الله لكل واحد من بني آدم منزلين: منزلاً في الجنة، ومنزلاً في النار، ثم إن من كتب له الشقاوة من أهل الكفر والشرك يرثون منازل أهل الجنة التي كانت لهم في النار، والذين كتب لهم السعادة من أهل الجنة يرثون منازل أهل النار التي كانت لهم في الجنة، قال تعالى في حق المؤمنين المفلحين بعد أن ذكر أعمالهم التي تدخلهم الجنة: ( أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خلدون ) [ المؤمنون : 10-11].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " قال ابن أبي حاتم – وساق الإسناد إلى أبي هريرة رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة ، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار ".
وروى عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار، لأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ، بل أبلغ من هذا أيضاً، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى" وفي لفظ له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقال: هذا فكاكك من النار" . وهذا الحديث كقوله تعلى: ( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) [مريم: 63]، وقوله : ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) [الزخرف: 72]. فهم يرثون نصيب الكفار في الجنان . (1)

الضعفاء أكثر أهل الجنة

أكثر من يدخل الجنة الضعفاء الذين لا يأبه الناس لهم، ولكنهم عند الله عظماء، لإخباتهم لربهم، وتذللهم له، وقيامهم بحق العبودية لله، روى البخاري ومسلم عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم بأهل الجنة؟ قالوا : بلي ، قال : كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره ". (1)
قال النووي في شرحه للحديث: " ومعناه يستضعفه الناس، ويحتقرونه، ويتجبرون عليه، لضعف حاله في الدنيا، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء ... وليس المراد الاستيعاب ". (2)
وفي الصحيحين ومسند أحمد عن أسامة بن زيد، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ". (3)
وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اطلعت في الجنة ، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء ". (4)

هل الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟

تخاصم الرجال والنساء في هذا والصحابة أحياء ، ففي صحيح مسلم عن ابن سيرين قال: اختصم الرجال والنساء: أيهم أكثر في الجنة ؟ وفي رواية : إما تفاخروا ، وإما تذاكروا : الرجال في الجنة أكثر أم النساء ؟ فسألوا أبا هريرة ، فاحتج أبو هريرة على أن النساء في الجنة أكثر بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب ". (1)
والحديث واضح الدلالة على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، وقد احتج بعضهم على أن الرجال أكثر بحديث: "رأيتكن أكثر أهل النار ". والجواب أنه لا يلزم من كونهن أكثر أهل النار أن يكن أقل ساكني الجنة كما يقول ابن حجر العسقلاني (2) ، فيكون الجمع بين الحديثين أن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة، وبذلك يكن أكثر من الرجال وجوداً في الخلق . ويمكن أن يقال: إن حديث أبي هريرة يدل على أن نوع النساء في الجنة أكثر سواء كن من نساء الدنيا أو من الحور العين، والسؤال هو : أيهما أكثر في الجنة : رجال أهل الدنيا أم نساؤها ؟ وقد وفق القرطبي بين النصين بأن النساء يكن أكثر أهل النار قبل الشفاعة وخروج عصاة الموحدين من النار، فإذا خرجوا منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين كن أكثر أهل الجنة . (3)
ويدل على قلة النساء في الجنة ما رواه أحمد وأبو يعلى عن عمرو بن العاص قال: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشعب إذ قال: انظروا هل ترون شيئا؟ فقلنا: نرى غرباناً فيها غراب أعصم، أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان ". (4)