لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 19 من 19

الموضوع: (** الجنة** )

العرض المتطور

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أوراق من الماضي
    تاريخ التسجيل
    03 2007
    المشاركات
    762

    مشاركة: (** الجنة** )

    طعام أهل الجنة وشرابهم



    سبق أن تحدثنا عن أشجار الجنة وثمارها، وقطوفها الدانية المذللة تذليلاً، واختيار أهل الجنة من ثمارها ما يريدون ويشتهون، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب ، ( وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون ) [ الوقعة : 20 – 21]، ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) [ الزخرف : 71]، وقد أباح الله لهم أن يتناولوا من خيراتها وألوان طعامها وشرابها ما يشتهون ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) [الحاقة: 24].
    وذكرنا أيضاً فيما سبق أن في الجنة بحر الماء ، وبحر الخمر ، وبحر اللبن ، وبحر العسل ، وأن أنهار الجنة تنشق من هذه البحار. وفي الجنة عيون كثيرة ، وأهل الجنة يشربون من تلك البحار والأنهار والعيون .
    قال تعالى: ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً * عيناً بشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) [ الإنسان : 5 – 6].
    وقال : ( ويسقون فيها كأساً كان من مزاجها زنجبيلاً * عيناً فيها تسمى سلسبيلا ) [الإنسان : 17-18] ، وقال : ( ومزاجه من تسنيم * عيناً يشرب بها المقربون ) [المطففين: 27-28].


    المطلب الأول
    خمر أهل الجنة

    من الشراب الذي يتفضل الله على أهل الجنة الخمر، وخمر الجنة خالي من العيوب والآفات التي تتصف بها خمر الدنيا ، فخمر الدنيا تذهب العقول ، وتصدع الرؤوس ، وتوجع البطون ، وتمرض الأبدان ، وتجلب الأسقام ، وقد تكون معيبة في صنعها أو لونها أو غير ذلك ، أما خمر الجنة فإنها خالية من ذلك كله ، جميلة صافية رائقة ، ( يطاف عليهم بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غولٌ ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات : 45-47].
    لقد وصف الله جمال لونها ( بيضاء ) ثم بين أنها تلذ شاربها من غير اغتيال لعقله، كما قال: ( وأنهار من خمر لذة للشاربين ) [محمد:18] ، ثم إن شاربها لا يمل من شربها ( ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات : 47] ، وقال في موضع آخر يصف خمر الجنة: (يطوف عليهم ولدن مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) [ الواقعة : 17-19].
    قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات : " لا تصدع رؤوسهم ، ولا تنزف عقولهم ، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة ، وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال : في الخمر أربع خصال: السكر ، والصداع ، والقيء ، والبول ، فذكر الله خمر الجنة ، ونزهها عن هذه الخصال ". (1)
    وقال الحق في موضع ثالث : ( يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك ) [ المطففين: 25-26]، والرحيق الخمر، ووصف هذا الخمر بوصفين : الأول أنه مختوم ، أي موضوع عليه خاتم . الأمر الثاني : أنهم إذا شربوه وجدوا في ختام شربهم له رائحة المسك.


    المطلب الثاني
    أول طعام أهل الجنة


    أول طعام يُتحِف الله به أهل الجنة زيادة كبد الحوت ، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يتكفؤها الجبار بيده ، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة " فأتى رجل من اليهود ، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة ؟ قال: " بلى " قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: " ألا أخبرك بإدامهم ؟ بالام والنون. قالوا: وما هذا ؟ قال : ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً ". (2)
    قال النووي في شرح الحديث ما ملخصه: " النزل: ما يعد للضيف عند نزوله، ويتكفأها بيده ، أي: يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي ، لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها، ومعنى الحديث: أن الله تعالى يجعل الأرض كالرغيف العظيم، ويكون طعاماً ونزلاً لأهل الجنة ، والنون: الثور، والـ (بلام): لفظة عبرانية، معناها: ثور، وزائدة كبد الحوت: هي القطعة المنفردة المتعلقة في الكبد، وهي أطيبها ". (3)
    وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أول قدومه المدينة أسئلة منها: " ما أول شيء يأكله أهل الجنة ؟ فقال: زيادة كبد الحوت ". (4)
    وفي صحيح مسلم عن ثوبان أن يهودياً سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ " قال : زيادة كبد الحوت ". قال: " فما غذاؤهم على إثرها ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها ". قال: " فما شرابهم عليه؟ " قال: " من عين تسمى سلسبيلا " قال: صدقت . (5)


    المطلب الثالث
    طعام أهل الجنة وشرابهم لا دنس معه


    قد يتبادر إلى الذهن أن الطعام والشراب في الجنة ينتج عنه ما ينتج عن طعام أهل الدنيا وشرابهم من البول والغائط والمخاط والبزاق ونحو ذلك، والأمر ليس كذلك ، فالجنة دار خالصة من الأذى ، وأهلها مطهرون من أوشاب أهل الدنيا، ففي الحديث الذي يرويه صاحبا الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال نافياً هذا الظن: " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون فيها ". (6)
    وليس هذا خاص بأول زمرة تدخل الجنة، وإنما هو عام في كل من يدخل الجنة ، ففي رواية عند مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل ، لا يتغوطون، ولا يتبولون، ولا يبزقون ". (7)
    فالذي يتفاوت فيه أهل الجنة مما نص عليه في الحديث قوة نور كل منهم، أما خلوصهم من الأذى فإنهم يشتركون فيه جميعاً، فهم لا يتغوطون ولا يتبولون، ولا يتفلون، ولا يبزقون، ولا يمتخطون.
    وقد يقال: فأين تذهب فضلات الطعام والشراب، وقد وجه هذا السؤال إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قبل أصحابه ، فأفاد أن بقايا الطعام والشراب تتحول إلى رشح كرشح المسك يفيض من أجسادهم، كما يتحول بعض منه أيضاً إلى جشاء، ولكنه جشاء تنبعث منه روائح طيبة عبقة عطرة ، ففي صحيح مسلم عن جارب عبد الله ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقول : " إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يتبولون ، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون" ، قالوا: فما بال الطعام ؟ قال: جشاء كجشاء المسك ". (8)

    المطلب الرابع
    لماذا يأكل أهل الجنة ويشربون ويمتشطون ؟

    إذا كان أهل الجنة فيها خالدون، وكانت خالية من الآلام والأوجاع والأمراض، لا جوع فيها ولا عطش، ولا قاذورات ولا أوساخ، فلماذا يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولماذا يتطيبون ويمتشطون ؟
    أجاب القرطبي في التذكرة عن هذا السؤال قائلاً : " نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة، ألا ترى قوله تعالى لآدم : ( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وإنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى ) [ طه : 118-119]. وحكمة ذلك أن الله تعالى عرفهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ". (9)


    المطلب الخامس
    آنية طعام أهل الجنة وشرابهم

    آنية طعام أهل الجنة ، التي يأكلون ويشربون بها من الذهب والفضة، قال تعالى: ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ) [الزخرف: 71] ، أي وأكواب من ذهب ، وقال : ( ويطاف عليهم بئانية من فضة وأكواب كانت قواريرا * قواريرا من فضة قدروها تقديرا ) [الإنسان: 15-16]، أي اجتمع فيها صفاء القوارير وبياض الفضة.
    وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة .. وجنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ". (10)
    ومن الآنية التي يشربون بها الأكواب والأباريق والكؤوس ( يطوف عليهم ولدن مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين ) [الواقعة : 17]، والكوب : ما لا أذن له ولا عروة ولا خرطوم ، والأباريق : ذوات الآذان والعرا ، والكأس القدح الذي فيه الشراب.


    لباس أهل الجنة وحليهم ومباخرهم

    أهل الجنة يلبسون فيها الفاخر من اللباس ، ويتزينون فيها بأنواع الحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ ، فمن لباسهم الحرير، ومن حلاهم أساور الذهب والفضة واللؤلؤ : قال تعالى: ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) [ الإنسان : 12]، ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ) [ الحج : 23]، ( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ) [فاطر: 33]، ( وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا ) [الإنسان:21].
    وملابسهم ذات ألوان، ومن ألوان الثياب التي يلبسون الخضر من السندس والإستبرق ( يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) [ الكهف : 31]، ( عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة ) [ الإنسان: 21].
    ولباسهم أرقى من أي ثياب صنعها الإنسان ، فقد روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: " أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بثوب من حرير، فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا ". (1)
    وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن لأهل الجنة أمشاطاً من الذهب والفضة، وأنهم يتبخرون بعود الطيب، مع أن روائح المسك تفوح من أبدانهم الزاكية، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفة الذين يدخلون الجنة: " آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووقود مجامرهم الألوّة – قال أبو اليمان: عود الطيب – ورشحهم المسك ". (2)
    ومن حليهم التيجان ، ففي سنن الترمذي ابن ماجة عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذكر الخصال التي يُعطاها الشهيد: " ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ". (3)
    وثياب أهل الجنة وحليهم لا تبلى ولا تفنى ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه " . (4)
    --------------------------------


    فرش أهل الجنة

    أعدت قصور الجنة ، وأماكن الجلوس في حدائقها وبساتينها بألوان فاخرة رائعة من الفرش للجلوس والاتكاء ونحو ذلك ، فالسرر كثيرة راقية والفرش عظيمة القدر بطائنها من الإستبرق، فما بالك بظاهرها، وهناك ترى النمارق مصفوفة على نحو يسر الخاطر، ويبهج النفس، والزرابي مبثوثة على شكل منسق متكامل ، قال تعالى: ( فيها سرر مرفوعة * وأكواب موضوعة * ونمارق مصفوفة * وزرابى مبثوثة ) [ الغاشية : 13-16] ، ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ) [الرحمن : 54]، ( متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين ) [ الطور: 20]، ( ثلة من الأولين * وقليل من الأخرين * على سرر موضونة * متكئين عليها متقابلين ) [الواقعة: 13-16].
    واتكاؤهم عليها على هذا النحو نوع من النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة حين يجتمعون كما أخبر الله تعالى: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ) [ الحجر : 47] وقال: ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) [الرحمن: 76]، (متكئين فيها على الأرائك ) [ الكهف: 31]. والمراد بالنمارق : المخاد ، والوسائد: المساند ، والزرابي : البسط ، والعبقري : البسط الجياد. والرفرف: رياض الجنة. وقيل: نوع من الثياب، والأرائك: السرر.


    خدم أهل الجنة

    يخدم أهل الجنة ولدان ينشئهم الله لخدمتهم، يكونون في غاية الجمال والكمال، كما قال تعالى: ( يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين ) [الواقعة: 17-18]، وقال في موضع آخر : ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا ) [ الإنسان: 19].
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان أهل الجنة ( مخلدون ) أي : على حالة واحدة مخلدون عليها، لا يتغيرون عنها، لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، ومن فسرهم بأنهم مخرصون، في آذانهم الأقرطة، فإنما عبر عن المعنى، لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير. وقوله تعالى: ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا ) [الإنسان: 19]، أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلواً منثوراً، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن". (1)
    وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هؤلاء الولدان هم الذين يموتون صغاراً من أبناء المؤمنين أو المشركين، وقد رد العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا القول ، وبين أن الولدان المخلدون هم خلق من خلق الجنة قال: " والولدان الذين يطوفون على أهل الجنة : خلق من خلق الجنة ليسوا من أبناء الدنيا ، بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة كمل خلقهم كأهل الجنة، على صورة أبيهم آدم ". (2)

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أوراق من الماضي
    تاريخ التسجيل
    03 2007
    المشاركات
    762

    مشاركة: (** الجنة** )

    سوق أهل الجنة

    روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في الجنة لسوقاً ، يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم، والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ". (1)
    قال النووي في شرحه لهذا الحديث: " المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق ، ومعنى يأتونها كل جمعة، أي في مقدار كل جمعة، أي أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع، لفقد الشمس والليل والنهار ، ...... وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب ، كانت تهب من جهة الشام ، وبها يأتي سحاب المطر ، وكانوا يرجون السحابة الشامية ، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة ، أي المحركة ، لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها ". (2)


    اجتماع أهل الجنة وأحاديثهم

    أهل الجنة يزور بعضهم بعضاً، ويجتمعون في مجالس طيبة يتحدثون، ويذكرون ما كان منهم في الدنيا، وما من الله به عليهم من دخول الجنان، قال تعالى في وصف اجتماع أهل الجنة: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ) [ الحجر: 47]، وأخبرنا الله بلون من ألوان الأحاديث التي يتحدثون بها في مجتمعاتهم ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقنا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البرّ الرحيم ) [ الطور : 25-27].
    ومن ذلك تذكرهم أهل الشر الذين كانوا يشككون أهل الإيمان، ويدعونهم إلى الكفران، ( فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول إءنك لمن المصدقين * إءذا متنا وكنا تراباً وعظماً أءنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرءاه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين * ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين * إن هذا لهو الفوز العظيم * لمثل هذا فليعمل العاملون ) [الصافات : 50-61].


    أماني أهل الجنة

    يتمنى بعض أهل الجنة فيها أماني تتحقق على نحو عجيب، لا تشبه حال ما يحدث في الدنيا ، وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بعض هذه الأماني وكيفية تحققها.
    فهذا واحد من أهل الجنة يستأذن ربه في الزرع، فيأذن له، فما يكاد يلقي البذر، حتى يضرب بجذوره في الأرض، ثم ينمو، ويكتمل، وينضج في نفس الوقت، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحدث – وعنده رجل من أهل البادية - : " إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ (1). قال: بلى ، ولكن أحب الزرع ، فبذر، فبادر الطرف نباته (2). واستواؤه، واستحصاده، فكان أمثال الجبال ، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم ، فإنه لا يشبعك شيء " فقال الأعرابي : " والله لا تجده إلا قرشياً أو أنصارياً، فإنهم أصحاب الزرع ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ". (3)
    وهذا آخر يتمنى الولد ، فيحقق الله له أمنيته في ساعة واحدة ، حيث تحمل وتضع في ساعة واحدة .
    وروى الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه فإسناد صحيح عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة، كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي ". (4)


    نساء أهل الجنة
    المطلب الأول

    زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة
    إذا دخل المؤمن الجنة، فإن كانت زوجته صالحة، فإنها تكون زوجته في الجنة أيضاً: ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم ) [ الرعد : 23]، وهم في الجنات منعمون مع الأزواج ، يتكئون في ظلال الجنة مسرورين فرحين ( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ) [يس : 56]، ( أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ) [الزخرف: 70].


    المطلب الثاني
    المرأة لآخر أزواجها

    روى أبو على الحراني في " تاريخ الرقة " عن ميمون بن مهران قال : خطب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أم الدرداء، فأبت أن تتزوجه، وقالت: سمعت أن أبا الدرداء يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " المرأة في آخر أزواجها، أو قال: لآخر أزواجها " ورجال هذا الإسناد موثقون غير العباس بن صالح فليس له ترجمة، ورواه أبو الشيخ في التاريخ بإسناد صحيح مقتصراً منه على المرفوع، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد ضعيف، ولكنه بمجموع الطريقين قوي، والمرفوع منه صحيح، وله شاهدان موقوفان: الأول يرويه ابن عساكر عن عكرمة " إن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام، وكان شديداً عليها، فأتت أباها، فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تزوج بعده جمع بينهما في الجنة ".
    ورجاله ثقات إلا أن فيه إرسالاً لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر إلا أن يكون تلقاه عن أسماء .
    والآخر أخرجه البيهقي في السنن أن حذيفة قال لزوجته: " إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة ، فلا تزوجي بعدي ، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا " (1). فلذلك حرم الله على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينكحن من بعده ، لأنهن أزواجه في الآخرة .


    المطلب الثالث
    الحور العين


    يزوج الله المؤمنين في الجنة بزوجات جميلات غير زوجاتهم اللواتي في الدنيا، كما قال تعالى: ( كذالك وزوجناهم بحور عين ) [الدخان: 54]. والحور: جمع حوراء، وهي التي يكون بياض عينها شديد البياض، وسواده شديد السواد. والعين : جمع عيناء، والعيناء هي واسعة العين.
    وقد وصف القرآن الحور العين بأنهن كواعب أتراب، قال تعالى: ( إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً * وكواعب أترابا ) [النبأ: 31-33]. والكاعب: المرأة الجميلة التي برز ثدياها، والأتراب المتقاربات في السن . والحور العين من خلق الله في الجنة ، أنشأهن الله إنشاءً فجعلهنّ أبكاراً، عرباً أتراباً ( إنا أنشأنهن إنشاء * فجعلنهن أبكاراً * عرباً أترابا ) [ الواقعة : 35-37] وكونهن أبكاراً يقضي أنه لم ينكحهن قبلهم أحد، كما قال تعالى: ( لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان ) [ الرحمن : 56]، وهذا ينفي قول من قال : إن المراد بالزوجات اللواتي ينشئهن الله في الجنة زوجاتهم في الدنيا إذ يعيدهن شباباً بعد الكهولة والهرم، وهذا المعنى صحيح ، فالله يدخل المؤمنات الجنة في سن الشباب، ولكنهن لسن الحور العين اللواتي ينشئهن الله إنشاء.
    والمراد بالعُرُب : الغنجات المتحببات لأزواجهنّ .
    وقد حدثنا القرآن عن جمال نساء الجنة فقال: ( وحورٌ عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة : 22 – 23] والمراد بالمكنون: المخفي المصان ، الذي لم يغير صفاء لونه ضوء الشمس، ولا عبث الأيدي، وشبههن في موضع آخر بالياقوت والمرجان ( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * كأنهن الياقوت والمرجان ) الرحمن : 56-58] ، والياقوت والمرجان حجران كريمان فيهما جمال ، ولهما منظر حسن بديع، وقد وصف الحرور العين بأنهن قاصرات الطرف، وهن اللواتي قصرن بصرهن على أزواجهن، فلم تطمح أنظارهن لغير أزواجهن، وقد شهد الله لحور الجنة بالحسن والجمال، وحسبك أن الله شهد بهذا ليكون قد بلغ غاية الحسن والجمال ( فيهن خيرات حسان * فبأى ءالآء ربكما تكذبان * حور مقصورات في الخيام ) [ الرحمن : 70-72].
    ونساء الجنة لسن كنساء الدنيا، فإنهن مطهرات من الحيض والنفاس، والبصاق والمخاط والبول والغائط ، وهذا مقتضى قوله تعالى: ( ولهم فيها أزوج مطهرة وهم فيها خالدون ) [ البقرة: 25].
    وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن جمال نساء أهل الجنة، ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون، ولا يمتخطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ". (2)
    وانظر إلى هذا الجمال الذي يحدث عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل تجد له نظيراً مما تعرف؟ " ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " رواه البخاري . (3)
    وتحديد عدد زوجات كل شخص في الجنة باثنين يبدو أنه أقل عدد، فقد ورد أن الشهيد يزوج باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ففي سنن الترمذي وسنن ابن ماجة. بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "للشهيد عند الله ثلاث خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه ". (4)


    غناء الحور العين


    وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الحور العين في الجنان يغنين بأصوات جميلة عذبة ، ففي معجم " الطبراني الأوسط" بإسناد صحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط . إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنّه ". (5)
    وروى سموية في " فوائده " عن أنس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الحور العين لتغنين في الجنة، يقلن: نحن الحور الحسان، خبئنا لأزواج كرام ". (6)
    غيرة الحور العين على أزواجهنّ في الدنيا :
    أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الحور العين يغرن على أزواجهن في الدنيا إذا آذى الواحد زوجته في الدنيا ، ففي مسند أحمد، وسنن الترمذي بإسناد صحيح عن معاذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو دخيل عندك ، يوشك أن يفارقك إلينا ". (7)


    المطلب الرابع
    يُعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل

    عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا من الجماع ". قيل : يا رسول الله ، أو يطيق ذلك؟ قال: " يعطى قوة مائة رجل " رواه الترمذي . (8)
    ضحك أهل الجنة من أهل النار
    بعد أن يدخل الله أهل الجنة الجنة ينادون خصومهم من الكفار أهل النار مبكتين ومؤنبين ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنه الله على الظالمين ) [ الأعراف : 44].
    لقد كان الكفار في الدنيا يخاصمون المؤمنين، ويسخرون منهم، ويهزؤون بهم، وفي ذلك اليوم ينتصر المؤمنون، فإذا بهم وهم في النعيم المقيم، ينظرون إلى المجرمين، فيسخرون منهم، ويهزؤون بهم، ( إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عيناً يشرب بها المقربون * إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين* وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) [المطففين : 22-36].
    نعم ، والله لقد جوزي الكفار بمثل ما كانوا يفعلون، والجزاء من جنس العمل، ويتذكر المؤمن في جنات النعيم ذلك القرين أو الصديق الذي كان يزين له الكفر في الدنيا، وكان يدعوه إلى تلك المبادئ الضالة التي تجعله في صف الكافرين أعداء الله ، فيحدّث إخوانه عن ذلك القرين، ويدعوهم للنظر إليه في مقره الذي يعذب فيه، فعندما يرى ما يعاينه من العذاب – يعلم مدى نعمة الله عليه ، وكيف خلصه من حاله، ثم يتوجه إليه باللوم والتأنيب ( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أءنك لمن المصدقين * أءذا متنا وكنا تراباً وعظماً أءنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرءاه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين* ولولا نعمه ربي لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين * إن هذا لهو الفوز العظيم ) [الصافات: 50-60].


    التسبيح والتكبير من نعيم أهل الجنة

    الجنة دار جزاء وإنعام، لا دار تكليف واختبار، وقد يشكل على هذا ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفة أول زمرة تدخل الجنة، قال في آخره : " يسبحون الله بكرة وعشياً " (1). ولا إشكال في ذلك إن شاء الله تعالى ، لأن هذا ليس من باب التكليف، قال ابن حجر في شرحه للحديث : " قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام ! ، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: " يُلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس "، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد منه، فجعل تنفسهم تسبيحاً ، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره ". (2)
    وقد قرر شيخ الإسلام أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، قال: " هذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به ". (3)

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أوراق من الماضي
    تاريخ التسجيل
    03 2007
    المشاركات
    762

    مشاركة: (** الجنة** )

    أفضل ما يُعطاه أهل الجنة

    رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم

    عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " ، متفق عليه. (1)
    وأعظم النعيم النظر إلى وجه الله الكريم في جنات النعيم ، يقول ابن الأثير: " رؤية الله هي الغاية القصوى في نعيم الآخرة، والدرجة العليا من عطايا الله الفاخرة، بلغنا الله منها ما نرجو ". (2)
    وقد صرح الحق تبارك وتعالى برؤية العباد لربهم في جنات النعيم ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 22-23] ، والكفار والمشركون يحرمون من هذا النعيم العظيم، والتكرمة الباهرة : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين:15]، وقد روى مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن صهيب الرومي – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا دخل أهل الجنة ، يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى "، زاد في رواية: " ثم تلا هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] ". (3)
    وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها – وفي رواية طولها – ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ". (4)
    والنظر إلى وجه الله تعالى هو من المزيد الذي وعد الله به المحسنين ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) [ ق: 35]، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26]، وقد فسرت الحسنى بالجنة ، والزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، يشير إلى هذا الحديث الذي رواه مسلم وذكرناه قيل قليل .
    ورؤية الله رؤية حقيقية، لا كما تزعم بعض الفرق التي نفت رؤية الله تعالى بمقاييس عقلية باطلة ، وتحريفات لفظية جائرة ، وقد سئل الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة عن قوله تعالى: ( إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 23]، فقيل : إن قوماً يقولون : إلى ثوابه. فقال مالك: كذبوا ، فأين هم عن قوله تعالى: ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين: 15]؟ قال مالك: الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم، وقال: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة، لم يعبر الله عن الكفار بالحجاب، فقال: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15] ، رواه في " شرح السنة" . (5)
    ومن الذين نصوا على رؤية المؤمنين ربهم في الجنات الطحاوي في العقيدة المشهورة باسم " العقيدة الطحاوية " ، قال : " والرؤية حق لأهل الجنة ، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا: ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 22-23] ، وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه ، وكل ما جاء في ذلك الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال، ومعناه على ما أراد ، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سَلِم في دينه إلا من سلّم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وردّ علم ما اشتبه عليه إلى عالمه ". (6)
    وقال شارح الطحاوية مبيناً مذاهب الفرق الضالة في هذه المسألة ومذهب أهل الحق :
    " المخالف في الرؤية الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية . وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة ، وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون ، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين ، وأهل الحديث ، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة ".
    ثم بين أهمية هذه المسألة فقال :
    " وهذه المسألة من أشرف مسائل أصول الدين وأجلها ، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس المتنافسون ، وحرمها الذين هم عن ربهم محجوبون ، وعن بابه مردودن ".
    ثم بين أن بين أن قوله تعالى: ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة: 22-23]. من أظهر الأدلة على هذه المسألة ، وأما الذين أبوا إلا تحريفها بما يسمونه تأويلاً : فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والحساب ، أسهل من تأويلها على أرباب التأويل . ولا يشاء مبطل أن يتأول النصوص وبحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول هذه النصوص.
    وبين خطورة التأويل : " وهذا الذي أفسد الدنيا والدين. وهكذا فعلت اليهود والنصارى في نصوص التوراة والإنجيل، وحذرنا الله أن نفعل مثلهم. وأبى المبطلون إلا سلوك سبيلهم، وكم جنى التأويل الفاسد على الدين وأهله من جناية. فهل قتل عثمان رضي الله عنه إلا بالتأويل الفاسد ؟ وكذا ما جرى في يوم الجمل، وصفين، ومقتل الحسين ، والحرة ؟ وهل خرجت الخوارج ، واعتزلت المعتزلة ، ورفضت الروافض ، وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، إلا بالتأويل الفاسد "!؟ .
    ثم بين أن دلالة الآية على الرؤية من جانبين : الأول فقه النص . والثاني : فقه علماء السلف لهذا النص . ففي الأول قال: " وإضافة النظر إلى الوجه، والذي هو محله، في هذه الآية، وتعديته بأداة " إلى " الصريحة في نظر العين ، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلافه – حقيقة موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله.
    فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه: فإن عدي بنفسه فمعناه : التوقف والانتظار: ( انظرونا نقتبس من نوركم ) [ الحديد : 13]. وإن عدي بـ " في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: ( أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ) [ الأعراف: 185]. وإن عدي بـ " إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر ) [ الأنعام: 99] . فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر ؟
    وساق في الثاني عدة نصوص عن السلف تبين فقههم للآية، فعن " الحسن قال: نظرت إلى ربها فنضرت بنوره ، وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، ( إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 23] . قال : تنظر إلى وجه ربها عز وجل. وقال عكرمة: ( وجوه يومئذ ناضرة ) [القيامة : 22]. قال : من النعيم، ( إلى ربها ناظرة ) [القيامة : 23] ، قال : تنظر إلى ربها نظراً، ثم حكى عن ابن عباس مثله. وهذا قول المفسرين من أهل السنة والحديث. وقال تعالى: ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) [ق: 35] . قال الطبري: قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك: هو النظر إلى وجه الله عز وجل .
    ثم ذكر معنى الزيادة في قوله تعالى: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26]، وأنها النظر إلى وجه الله الكريم وساق في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب، قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] ، قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد : يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون: ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة ".
    ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أخر ، معناها أن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل . وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم . روى ابن جرير ذلك عن جماعة، منهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، رضي الله عنهم.
    ومن الأدلة على هذه المسألة قوله تعالى: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15].
    وذكر المصنف أن الشافعي – رحمه الله – وغيره من الأئمة احتجوا بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة، ذكر ذلك الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي ، وقال الحاكم: حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي، وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين : 15]. فقال الشافعي : لما أن حجب هؤلاء في السخط ، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا .
    ثم تعرض لاستدلال المعتزلة بقوله تعالى: ( لن تراني ) [ الأعراف : 143]. وبقوله تعالى: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام: 103]، وذكر أن الآيتين دليل عليهم ، فالآية الأولى : تدل على ثبوت رؤيته من وجوه :
    أحدها : أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه، بل هو عندهم من أعظم المحال.
    الثاني : أن الله لم ينكر عليه سؤاله ، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله، وقال: ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [هود:46] .
    الثالث : أنه تعالى قال: ( لن تراني ) ، ولم يقل : إني لا أرى ، أو لا تجوز رؤيتي ، أو لست بمرئي. والفرق بين الجوابين ظاهر. ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً صح أن يقال: إنك لن تأكله. وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى.
    الرابع : يوضح الوجه الثالث قوله تعالى: ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) [ الأعراف : 143]. فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار، فكيف بالبشر الذي خُلق من ضعف ؟ .
    الخامس : أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً، وذلك ممكن ، وقد علق به الرؤية ، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول : إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام. والكل عندهم سواء .
    السادس : قوله تعالى: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) [الأعراف: 143]، فإذا جاز أن يتجلى للجبل، الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب ، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف .
    السابع : أن الله كلم موسى ، وناداه ، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبة كلامه بغير واسطة، فرؤيته أولى بالجواز. ولهذا لا يتم إنكار رؤيته بإنكار كلامه، وقد جمعوا بينهما .
    ثم أجاب على دعواهم أن " لن " تفيد التأبيد وتدل على نفس الرؤية في الآخرة، وبيّن الشيخ أنها لو قيدت بالتأبيد فلا تدل على دوام التفي في الآخرة، فكيف إذا أطلقت ؟ ولهذا نظائر في القرآن ، قال تعالى: ( ولن يتمنوه أبدا ) [ البقرة: 95]، مع قوله: ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) [ الزخرف : 77]. ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد جاء ذلك ، قال تعالى: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى ) [ يوسف : 80].
    فثبت أن ( لن ) لا تقتضي النفي المؤبد .
    قال الشيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله :
    ومن رأى النفي بلن مؤبداً ××× فقوله اردد وسواه فاعضدا
    وأما الآية الثانية : فالاستدلال بها على الرؤية من وجه حسن لطيف، وهو: أن الله تعالى إنما ذكرها في سياق التمدح، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالصفات الثبوتية، أما العدم المحض فليس بكمال فلا يمدح به، وإنما يمدح الرب تعالى بالنفي إذا تضمن أمراً وجودياً، كمدحه بنفي السِّنة والنوم، المتضمن كمال القيومية، وفي الموت المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والإعياء، المتضمن كمال القدرة، ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير، المتضمن كمال صمديته وغناه، ونفي الظلم، المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه، المتضمن كمال علمه وإحاطته، ونفي المثل، المتضمن لكمال ذاته وصفاته.
    ولهذا لم يتمدح بعدم محض لم يتضمن أمراً ثبوتياً ، فإن المعدم يشارك الموصوف في ذلك العدم، ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه، فإن المعنى: إنه يُرى ولا يدرك ولا يحاط به، فقوله: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام : 103] يدل على كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن " الإدراك " هو الإحاطة بالشيء ، وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى: ( فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا ) [ الشعراء: 61-62]. فلم ينف موسى الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يرى ولا يدرك ، كما يعلم ولا يحاط به علماً، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية، كما ذكرت أقوالهم في تفسير الآية. بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه.
    ثم ذكر الشيخ أن " الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه ، الدالة على الرؤية متواترة ، رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن . فمنها: حديث أبي هريرة: " أن ناساً قالوا: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل تُضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا :لا يا رسول الله، قال:هل تُضارّون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا ، قال فإنكم ترونه كذلك "، الحديث، أخرجاه في "الصحيحين" بطوله.
    وحديث أبي سعيد الخدري أيضاً في "الصحيحين" نظيره. وحديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: " كنا جلوساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته ". الحديث أخرجاه في "الصحيحين".
    وحديث صهيب المتقدم، رواه مسلم وغيره. وحديث أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " وجنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن "، أخرجاه في "الصحيحين". ومن حديث عدي بن حاتم: " ولَيَلقَينّ الله أحدكم يوم يلقاه ، وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ، فيقول: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك ؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك ؟ فيقول : بلى يا رب " (7) . أخرجه البخاري في "صحيحه".


    الفوز بنعيم الجنة لا يستلزم ترك متاع الدنيا


    ظن الرهبان وكثير من عباد هذه الأمة أن نعيم الآخرة لا يمكن أن ينال إلا إذا رفض العبد طيبات الدنيا وملاذها، ولذلك ترى هؤلاء يعذبون أجسادهم، ويشقون على أنفسهم فيديمون الصيام والقيام، وقد يحرم بعضهم الطيبات من الطعام والشراب واللباس، وقد يتركون العمل والزواج وهذه فكرة خاطئة، فإن الله خلق الطيبات للمؤمنين، وذم من حرم زينة الله التي أخرج لعباده : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين ءامنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) [ الأعراف : 32].
    والدنيا تذم إذا كانت شاغلاً عن الآخرة، أما إذا جعلها العبد معبراً ومدخلاً لنيل الآخرة، فالأمر ليس كما يظن بعض الناس.

    آخر دعواهم

    يمر المؤمنون في الموقف العظيم بأهوال عظام، ثم يمرون على الصراط فيشاهدون هولاً ورعباً، ثم يدخلهم الله جنات النعيم بعد أن أذهب عنهم الحزن، فيرون ما أعد الله لهم فيها من خيرات عظام، فترتفع ألسنتهم تسبح ربهم وتقدسه، فقد أذهب عنهم الحزن، وصدقهم وعده، وأورثهم الجنة ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصبٌ ولا يمسنا فيها لغوب ) [فاطر: 34-35]. ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) ] الزمر : 74].
    وآخر دعواهم في جنات النعيم : الحمد لله رب العالمين ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ يونس : 10].


    أصحاب الأعراف


    أخبرنا ربنا تبارك وتعالى عن قوم يكونون في يوم القيامة على الأعراف ، والأعراف هو السور الحاجز بين الجنة والنار .
    وعلى هذا السور يحبس أقوام بين الجنة والنار، ومنه يشرفون على أهل الجنة وعلى أهل النار.
    وأصحاب الأعراف – كما يقول ابن كثير – قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، ذلك أن الله أخبرنا أن من ثقلت موازينه، فهو من أهل الجنة المفلحين، ومن خفت موازينه، فهو من أهل النار الخاسرين ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) [المؤمنون: 102-103] وسكت النص عمن استوت حسناته وسيئاته.
    وفي أصحاب الأعراف يقول رب العزة: ( وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصرهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) [الأعراف : 46-49].
    والتمعن في هذه الآيات يدل على ما يأتي :
    1- أن أهل الأعراف ليسوا بكفار قطعاً، لأن الكفار يدخلون النار لا شك في ذلك ، إذ مصير الكفار النار.
    2- أنهم يطمعون في دخول الجنة، وهم يدعون ربهم أن لا يجعلهم مع القوم الظالمين أهل النار.
    3- أنهم ينادون أصحاب الجنة مسلمين عليهم طامعين في صحبتهم، ومنادين أهل النار مبكتيهم ذاميهم.
    4- أن الموقع الذي هم فيه موقع مشرف، يشرفون منه على أهل الجنة وأهل النار، ومن هنا سمي الموضع الذي هم فيه بالأعراف، فالأعراف جمع عرف، والعرب تسمي كل مرتفع من الأرض عرفاً، ومنه قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه.
    5- أهل الأعراف أحسن حالاً من بعض المؤمنين الذين خفت موازينهم، فأدخلوا النار بذوبهم ، ثم يخرجهم الله من النار بإيمانهم وتوحيدهم، فأهل الأعراف لا يدخلون النار، وإن تأخر دخولهم الجنة.
    المحاجة بين الجنة والنار
    أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن الجنة والنار تحاجتا عند ربهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ - زاد في رواية : وغرتهم – فقال الله عز وجل للجنة : أنت رحمتي أرحمن بك من أشاء من عبادي، وقال للنار : إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله – وفي رواية : حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله – فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقاً " أخرجه البخاري ومسلم.
    وللبخاري قال: " اختصمت الجنة والنار ( إلى ربهما )، فقالت الجنة: يا رب مالها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ وقالت النار (1)، فقال (الله) للجنة : أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما الجنة، فإن الله لا يظلم من خلقه أحداً، وإنه ينشئ للنار (2) . من يشاء، فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد ؟ ويلقون فيها، فتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه فيها، فتمتلئ ، ويزوى بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط قط ".
    وله في أخرى : - وكان كثيراً ما يقفه أبو سفيان الحميري، أحد رواته، قال : " يقال لجهنم، هل امتلأت ؟ وتقول: هل من مزيد ؟ فيضع الرب قدمه عليها، فتقول : قط قط ".
    ولمسلم بنحو الأولى ، وانتهى عند قوله : " ولكل واحدة منهما ملؤها ".
    وقال في رواية : " فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم (3) وغرتهم ؟ " وفي آخره: " فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض " وأخرجه الترمذي نحو الأولى (4) (5) .

    والحمد لله رب العالمين

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أوراق من الماضي
    تاريخ التسجيل
    03 2007
    المشاركات
    762

    مشاركة: (** الجنة** )

    عارفه ان الموضوع طويل بس والله مهم
    حاولوا تحفظوا في اجهزتكم و استفيدوا منو
    و شكرا

  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أوراق من الماضي
    تاريخ التسجيل
    03 2007
    المشاركات
    762

    مشاركة: (** الجنة** )

    Tas2past
    شكرا على مرورك الكريم

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •