الطب
ولقد طور الأطباء المسلمون أساليب معالجة الجروح فابتكروا أسلوب الغيار الجاف المغلق . وفتائل الجراحة المغموسة في عسل النحل لمنع التقيح الداخلي وهو اسلوب نقله عنهم الأسبان وطبقه الأوربيون في حروبهم . وكان الجراحون المسلمون قد قفزوا بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من مرحلة نزع السهام كما كان عند الإغريق إلي مرحة الجراحة الدقيقة ومما سهل هذا إكتشافهم للتخدير قبل الجراحة، فتوصلوا إلى ما سموه المرقد (البنج عبارة عن اسفنجة تنقع في محلول من الأعشاب المركبة القنب(الحشيش) والزؤبان والخشخاش (الأفيون ) وست الحسن . وتترك لتجف وقبل العملية توضع الاسفنجة في فم المريض فإذا امتصت الأغشية المخاطية تلك العصارة استسلم للرقاد العميق لا يشعر معه بألم الجراحة .

ولم يقتصر أطباء المسلمين على طريقة الاسفنجةالمخدرة فقط ،بل كانوا يستعملونه لبوساً من الشرج أو شراباً من الفم .و عرف المسلمون التخدير بالاستنشاق. وبين ابن سينا أثره بقوله : من استنشق رائحته عرض له سبات عميق من ساعته . وللإفاقة من البنج كان الأطباء العرب يستخدمون أسفنجة أطلقوا عليها الإسفنجة المنبهة المشبعة بالخل لإزالة تأثير المخدر وإفاقة المريض بعد الجراحة .وحدثنا ابن سينا في كتابه( القانون (عن التخديربالتبريد قائلا: ومن جملة ما يخدر ،إلما ء المبرد بالثلج تبريداً بالغاً. ووصف كيفية استعمال التبريد كمخدر موضعيى كما في جراحة الأسنان.. ولقد كان الجراحون قبل ذلك يتهيبون من الجراجة الداخلية، ويكتفون بعمليات البتر. ثم الكي بالنار لإيقاف النزيف الداخلي. لكنهم باكتشاف واختراعالرازي لخيوط الجراحة من أمعاء الحيوان جعل بإمكانهم خياطة أي عضوداخلي بأمان دون الحاجة إلى فتحه من جديد لاخراج أسلاك الجراحة. وكان الجراحون يستعملون في خياطة جراحاتهم الإبر والخيوط من الحريرأو من أمعاء الحيوانات لربط الجروح الداخلية والخارجية أو من خيوط من الذهب لتقويم الأسنان .


ومع تطور الجراحة عند المسلمين بعد اكتشافهم للتخدير ،ابتكروا الكثير من آلات الجراحة التى لم تكن معروفة قبلهم ،فمنها آلات من الفضة أو الصلب أوالنحاس. وكانت أسماء الآلات تدل علي مدي توسع الجراحة وتنوعها فهناك المشارط بأنواعها للجراحة الخارجية والداخلية ومنها ذو الحد وذو الحدين والمناشير الكبيرة للبتر والصغيرة لقص العظام الداخلية. والمباضع المختلفة الأشكال فمنها المباضع الشوكية والمعقوفة لقص اللوزتين. والمجادع والمجادر والمبادر والكلاليب. ودست المباضع والمقصات الخاصة بعمليات العيون والجفوت بأحجامها وأشكالها المختلفة، كالجفوت الكبيرة المستعملة في أمراض النساء لاستخراج الجنين أو تسهيل ولادته. أو الجفوت المستعملة في جراحة العظام لاستخراج بقايا العظم أو السلاح داخل الجسم ، أو المستعملة في جراحة الأذن والأنف والعيون. والصنانير التى تدخل بين الأوعية والعروق والأعصاب وفي جراحة الأوعية الداخلية وخياطتها.


وفي كسور العظام كان الأطباء يستعملون أنواعا من الجبائر من البوص أو جريد النخل أو من الخشب. وكان المجبرون يعالجون خلع المفاصل وكسر العظام بالطرق اليدوية في خبرة ومهارة دون حاجة إلى الشق بالجراحة وفي كثير من الأحيان يستعملون الشد على المفصل لمنع تكرار الخلع، كما أنهم ابتكروا طريقة الرد الفجائي للخلع . وكان الكي بالمكاوي المختلفة ،قد توارثه العرب عن البدو . . وقد استعمله المعالجون المسلمون لقتل مواطن الألمpain killer للأمراض المزمنة والمستعصية كعرق النساء واللمباجو والصداع النصفي . وحددوا خرائط لجسم الإنسان حددوا فيها مواضع الكي بالنسبة لكل مرض .وقد يكون الكي في أكثر من موضع للمرض الواحد. وابتكر الأطباء المسلمون أنواعا من المكاوي المحماة ،من بينها الإبر الدقيقة ذات السن الواحد أو شعبتين أو ثلاثة. وصنعوها من الحديد أو النحاس أو الذهب أو الفضة وحددوا درجة الحرارة المناسبة لعلاج كل مرض


وحدد العالم ابن سينا في كتابه (القانون (القواعد الرئيسية لجراحة السرطانات. في مراحل ثلاث هي : الاكتشاف المبكر،ثم الجراحة المبكرة، فالاستئصال التام. وذكر الزهراوي علاج السرطان في كتابه( التصريف (قائلا: متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذي يكون في الثدي أو في الفخد ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته ،إذا كان مبتدءاً صغيراً فافعل. أما متى تقدم فلا ينبغى أن تقربه فاني ما استطعت أن أبرىء منه أحدا. ولا رأيت قبلى غيري وصل إلى ذلك " .ووصف العملية قائلا : ثم تلقى في السرطان الصنانير التى تصلح له ثم تقوره من كل جهة مع الجلد على استقصاء حتى لا يبقى شيء من أصوله واترك الدم يجري ولا تقطعه سريعا بل اعصر المواضع ما أمكنك.


وكان الزهراوي يجري عملية إستئصال الغدة الدرقية Thyroid . وهي عملية لم يجرؤ أي جراح في أوربا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشربعد ه بتسعة قرون وقد بين هذه العملية بقوله : هذا الورم يسمى فيلة الحلقوم ويكون ورما عظيما على لون البدن وهو في النساء كثير. وهو على نوعين إما يكون طبيعيا وإما يكون عرضيا. فأما الطبيعي فلا حيلة فيه. وأما العرضي فيكون على ضربين أحدهما شبيه بالسلع الشحمية والنوع الآخر شبيه بالورم الذي يكون من تعقد الشريان وفي شقة خطر فلا تعرض لها بالحديد البتة " كما بين الزهراوي أوضاع المريض في جراحة الأمعاء بوضعه على سرير مائل الزاوية فاذا كانت الجراحة في الجزء السفلي من الأمعاء وجب أن يكون الميل ناحية الرأس. والعكس صحيح والهدف من ذلك الإقلال من النزيف أثناء العملية والتوسعة ليد الجراح (.و نبه علي أهمية تدفئة الامعاء عند خروجها من البطن إذا تعسر ردها بسرعة، وذلك بإلماء الدافىء حتى لا تصاب بالشلل.كما إبتكر (الزراقة) لغسيل المثانة وإدخال الأدوية لعلاجها من الداخل .كما عملية تفتيت حصاة المثانة قبل إخراجها فقال : فإن كانت الحصاة عظيمة جدا فإنه من الجهل أن تشق عليها شقا عظيما لأنه يعرض للمريض أحد أمرين: إما أن يموت أو يحدث له تقطيرفي البول والأفضل أن يتحايل في كسرها بالكلاليب ثم تخرجها قطعا).


وفي سنة 836 م أمر الخليفة المعتصم ببناء مشرحة كبيرة على شاطىء نهر دجلة في بغداد وان تزود هذه المشرحة بأنواع من القرود الشبيهة في تركيبها بجسم الإنسان وذلك لكى يتدرب طلبةالطب على تشريحها. ولم يخل كتاب من مؤلفات المسلمين في الطب من باب مستقل عن التشريح توصف فيه الأعضاء المختلفة بالتفصيل وكل عضلة وعرق وعصب باسمه وكان الرازي يقول في كتابه: "يمتحن المتقدم للإجازة الطبية في التشريح أولا.، فإذا لم يعرفه فلا حاجة بك أن تمتحنه على المرضى". وكان المسلمون يعتمدون أول أمرهم على ما كتبه الإغريق في تشريح جسم الإنسان وذلك تجنبا للحرج الدينى.. ولكنهم اكتشفوا عن طريق التشريح المقارن (أي تشريح الحيوانات) الكثير من الأخطاء في معلومات الإغريق فابتدأوا الاعتماد على أنفسهم ". زمن خلال دراستهم للتشريع تعرف ابن النفيس علي الدورة الدموية . واكتشفوا أن الكبد يتكون من فصين وليس من خمسة فصوص كما كان يعتقد الإغريق . واكتشف عبد اللطيف البغدادي المتوفي سنة 1231 م أن الفك السفلي للإنسان يتكون من عظمة واحدة وليس من عظمتين كما ذكر جالينوس بعد أن فحص (2000) جمجمة بشرية . واكتشف أن عظمة العجز sacrum تتكون من قطعة واحدة وليس من ست قطع كما ذكر جالينوس الإغريقي. وكان ابن الهيثم المتوفي سنة 1037م قداكتشف تشريح طبقات العين ووظائف كل طبقة؛ كالعدسة والحدقة والشبكية وتر كيب الاعصاب المتصلة من العين إلي المخ. كما اكتشف ابن رشد وظائف شبكية العين .


وكان المسلمون يطلقون على طب العيون اسم الكحالة وقد اشتهر عدد من أطبائهم بلقب الكحال.. لبروزهم في هذا الفن.. ولا تقتصر الكحالة على العلاج بالكحل والقطور فحسب "فدرج الكحل " كان يشمل إلى جانب هذه الادوية على الآلات الجراحية المتخصصة، وقد تطورت جراحة العيون في البلاد التي تكثر فيها هذه الأمراض مثل مصر والأندلس.

وفي علم طب الأعشاب اكتشفوا ألوف النباتات التي لم تكن معروفة وبينوا فوائدها. وكانت معظم الأعشاب تجرب على الحيوانات كالقرود أولا. وكان الطبيب المعالج هو الصيدلي أو العشاب في آن واحد. ثم انفصلت التخصصات وأصبح الطبيب يكتب الوصفات وتسمى (الأنعات). وكان يسلمها المريض إلى العشاب أو العطار الذي يركبها له. . وكان العلماء المسلمون يتحايلون على الأدوية المرة التى تعافها نفس المريض بطرق مختلفة. فابن سينا أول من أوصى بتغليف الدواء بأملاح الذهب أو الفضة لهذا السبب. فكان ابن البيطار (شيخ العطارين) يجوب العالم ومعه رسام يرسم له في كتبه النبات بالألوان في شتى أحواله واطواره ونموه. وقد اكتشف وحده 300 نبات طبي جديد شرحها في كتبه واستجلبها معه .وقد ألف كبار العشابين العديد من الكتب والموسوعات العلمية في هذا العلم ومن أهم هؤلاء البيروني صاحب كتاب (الصيدلة (وابن البيطار مؤلف كتاب "مفردات الأدوية.


وكان الطب العربي قد عني بطب المسنين Geriatrics وعرف الطب النفسي العضوي Psycho - somatic Diseases كطب المجانين والمسجونين وكان ابن سينا أول من أشار إلى أثر الأحوال النفسية على الجهاز الهضمي وقرحة المعدة وعلى الدورة الدموية وسرعة النبض. وكان الأطباء العرب يتبعون الطب الوقائي والأمراض المعدية. حبث كانوا يعرفوم العدوى ودورها في نقل الأمراض قبل اكتشاف الميكروسكوب والميكروبات بمئات السنين.. فبينوا أضرارمخالطة المريض بمرض معد أو استعمال آنيته أو ملابسه، ودور البصاق والإفرازات في نقل العدوي . وكان ابن ابن رشد قد إكتشف المناعة التي تتولد لدى المريض بعد إصابته بمرض معد مثل الجدري. وبين أنه لايصاب به مرة أخرى. وكانوا يصنعون نوعا من التطعيم ضد الجدري( إذ يأخذون بعض البثور من مريض ناقه ويطعم به الشخص السليم بأن توضع على راحة اليد وتفرك جيدا أو يحدثون خدشا في مكانها وهي نفس فكرة التطعيم التي نسبت فيما بعد إلي أوروبا.

وكان يوجد قانون تشريعي ينظم مزاولة مهنة الطب) ففي عهد الخليفة المقتدرالعباسي صدر أول قانون في التاريخ للرخص الطبية وبموجبه لا يجوز ممارسة الطب إلا بعد امتحان وشهادة . ووضعت آداب وأخلاقيات للمهنة .وكان كل من يقوم بممارسة مهنة الطب، يؤخذ عليه قسم الطبيب المسلم والذي كان يعتمد على المحافظة على سر المريض وعلاجه دون تمييز وأن يحفظ كرامة المهنة وأسرارها. وكان في سنة 833 م- 8 1 2 هـ (4 1) في عهد الخليفة المأمون قد صدر أول قانون للرخص الصيدلية وبموجبه يجري امتحان للصيدلاني ثم يعطي بموجبه مرسوم يجيز له العمل.وأخضع القانون الصيدليات للحسبة (التفتيش ). وكان الخليفة قد كلف الرازي شيخ الأطباء بتأليف كتاب بعنوان "أخلاق الطبيب " ليدرس للطلبة.. وقد شرح فيه العلاقة الانسانية بين الأطباء والمرضى وبينهم وبين بعضهم كما ضمنه نصائح للمرضى في تعاملهم مع الطبيب...ووضع أيضا كتاب "طب الفقراء" يصف لهم فيه الأدوية الرخيصة للعلاج المنزلي.


البيطرة
وكانت البيطرة قد أصبحت علما له قواعده وأصوله لأن الإسلام عني بالرفق بالحيوان وعلاجه وتغذيته ونهانا عن عدم تحميله ما لاطاقة له به أو تعذيبه ، ومنع قتله إلا لضرورة .وحرم وشمه أو جدع أنفه أو وخزه بآلة حادة . ولكي نعطي القارىء فكرة عن المدى الذي وصل إليه المسلمون من التطور العلمي في ميدان الطب البيطري حيث عني بأمراض الخيل، والمظهر الخارجي والصفات العامة المميزة للفرس والحمار والبغل ووظائف الأعضاء الخارجية والعيوب الوراثية في الخيل . وكانت الخلافة العباسية قداتسعت في مشارق الأرض ومغاربها، وزادت حاجة المسلمين إلى علم جديد من علوم الحساب يساعدهم في معاملات البيع والشراءبين الشعوب مع اختلاف العملات والموازين ونظام العقود. وهذا ما جعل الخليفة إلمأمون يكلف الخوارزمي عالم الرياضيات ببغداد ،بالتفرغ لوضع وسيلة جديدة لحل المعادلات الصعبة التي تواجه المشتغلين بالحساب.فوضع كتابه (الجبر والمقابلة) وبين أغراضه قائلا عند تقديمه: يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه .). وتناول الكتاب الحسابات وطرقها ابتداء من حساب محيط في الكرة الأرضية وقطرها وخطوط الطول والعرض في البلدان إلى مساحات البلدان والمدن والمسافات بينها. ثم مساحات الشوارع والأنهار إلى مساحات الضياع والبيوت .. وحساب الوصايا والمواريث وتقسيم التركات المعقدة. والحسابات الفلكية ، وحساب المعمار . وكلها كانت تواجه مشاكل وصعوبة في حسابها بطرق الأولين. وكان علماء الرياضيات المسلمين قد بحثوا في مختلف جوانب علوم الحساب والهندسة والأعداد جمعا وتفريقا وتضعيفا وضربا وقسمة وتوصلوا لكيفية إخراج الجذور في الأعداد الصحيحة وغير الصحيحة .و بينوا الكسور وصورها وطرق جمعها وتفريقها وضربها وقسمتها واستخراج جذور الكسور التربيعية والتكعيبية والضرب والقسمة باستخدام الهندسة وحلوا مسائل العدد ولبنوا خصائصه وتطبيقاته في المعاملات والصرف وتحويل الدراهم والدنانير والأجرة والربح والخسارة والزكاة والجزية والخراج وحساب الأرزاق والبريد والأعداد المضمرة وغيرها من علوم الحساب.


[تحرير] الرياضيات
وقد ظهرت الترجمة العربية في عهد أبي جعفر المنصور لكتاب "السند هند" ومن خلاله دخل علم الحساب الهندي بأرقامه المعروفة في العربية بالأرقام الهندية فقد تطور على أثرها علم العدد عند العرب، وأضاف إليها المسلمون نظام الصفر، والذي لولاه لما استطعنا أيضاً أن نحل كثيراً من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات، فقد سهل استعماله جميع أعمال الحساب، وخلص نظام الترقيم من التعقيد، ولقد أدى استعمال الصفر في العمليات الحسابية إلى اكتشاف الكسر العشري الذي إكتشفه العالم الرياضى جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي(ت 840 هـ1436 م)، كما ورد في كتابه (مفتاح الحساب للعالم). وكان هذا مقدمة ا للدراسات والعمليات الحسابية المتناهية في الصغر. لقد كانت الأرقام العربية بصفرها وكسورها العشرية بحق هدية الإسلام إلى أوروبا. هذا الكتاب تضمن الزيج وهو عبارة عن جداول حسابيةً فلكياة تبين مواقع النجوم وحساب حركاتها. ويعتبر إبراهيم الفزاري أول من صنع الاصطرلاب . وهو الآلة الفلكية التي تستخدم لرصد الكواكب. وكان علماء المسلمين يصدرون كتاباًدورياً بإسم المناخ،وهي موسوعات تنبؤية حولية أو فصلية تبين أحوال الجو في كل عام، ومواسمالزراعة للنباتات والطقس والمطر حسب التوقعات الفلكية. مما كان يساعد الزراع والمسافرين علي التعرف علي الأرصاد الجوية . وقد نقلت أوربا فكرته . وحاليا مازالت الموسوعة السنوية من المناخ Al) manac) تصدر سنويا في معظم بلدان العالم

الميكانيكا
وعرف العرب علم الميكانيكا وكانوا يطلقون عليه علم الحيل وقد نقلوه عن الإغريق والرومان والفرس والصينيين وجعلوه علما تطبيقيا بعدما كان علما للتسلية والسحر.لهذا أطلق العلماء العرب عليه علم الحيل النافعة وكان قدماء المصريين قد إستخدموا الميكانيكا في تشييد الأهرامات والمعابد الضخمة من حيث نقل الحجارة ورفعها . والإغريق أخذوها عنهم وجعلوها علما قائما بذاته أطلقوا عليه علم الميكانيكا .ونقل العرب تقنيته عن الإغريق فترجموا كتبه . وطوروه وابتكروا فيه تقنيات جديدة . وكان الهدف من هذا، الإستفادة منه وتوفير القوة البشرية والتوسع في القوة الميكانيكية والإستفادة من المجهود البسيط للحصول علي حهد أكبر من جهد الإنسانوالحيوان . فاعتبره العلماء طاقة بسيطة تعطي جهدا أكبر . فأرادوا من خلاله تحقيق منفعة الإنسان واستعمال الحيلة مكان القوة والعقل مكان العضلات والآلة بدل البدن .والإستغناء عن سخرة العبيد ومجهودهم الجسماني .

فلجأوا للطاقة الميكانبكة للإستغناء عن الطاقة الحيوية التي تعتمد على العبيد والحيوانات ، ولاسيما وأن الإسلام منع نظام السخرة في قضاء الأمورالمعيشية التي تحتاج لمجهود جسماني كبير . كما حرم إرهاق الخدم والعبيد والمشقة على الحيوان بعدم تحميلهم فوق ما لا يطيقونه ، لذلك اتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقومعوضا عنهم بهذه الأعمال الشاقة .

و علم الحركة حاليا ، يقوم على ثلاثة قوانين رئيسية ، كان قد وضعها العالم الإنجليزي إسحق نيوتن في أوائل القرن 18،عندما نشرها في كتابه الشهير (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية. ( وكان نيوتن في هذه القوانين قد قام بتجميع المعلومات العربية القديمة مما كتبه العلماء العرب عن الحركة للأشياء قبل عصره بسبعة قرون . إلا أنه صاغها في قالب معادلات رياضية. وأخذ تعريفاتهم لهذه القوانين الثلاثة ونسبها إليه . ففي القانون الأول عن الحركة قال :أن الجسم يبقى في حالة سكون أو في حالة حركة منتظمة في خط مستقيم مالم تجبره قوى خارجية على تغييرهذه الحالة . ويقول هذا إخوان الصفا، في رسائلهم الشهيرة :الأجسام الكليات كل واحد له موضع مخصوص ويكون واقفاً فيها لا يخرج إلا بقسر قاسر". ويقول ابن سينا المتوفي سنة 1037م. في كتابه (الإشارات وا لتنبيهـات) :إنك لتعلم أن الجسم إذا خلى وطباعه ولم يعرض له من الخارج تأثير غريب لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين .

فإن من طباعه مبدأ استيجاب ذلك .إذا كان شيء ما يحرك جسما ولا ممانعة في ذلك الجسم كان قبوله الأكبر للتحريك مثل قبوله الأصغر، ولا يكون أحدهما أعصى والآخر أطوع حيث لا معاوقة أصلاً". ثم يأتي بعد ابن سينا علماء مسلمون على مر العصور يشرحون قانونه ويجرون عليه التجارب العملية،

وفي ذلك يقول فخر الدين الرازي المتوفي سنة 1209م بكتابه (المباخث المشرقية ): "إنكم تقولون طبيعة كل عنصر تقتضي الحركة بشرط الخروج عن الحيز الطبيعي. والسكون بشرط الحصول على الحيز الطبيعي .( وفي كتابه (المباحث الشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات) يقول ابن سينا :"وقد بينا أن تجدد مراتب السرعة والبطء بحسب تجدد مراتب المعوقات الخارجية والداخلية" .أما قانون نيوتن الثاني في الحركة ينص:أن تسارع جسم ما أثناء حركته، يتناسب مع القوة التي تؤثر عليه، وفي تطبيق هذا القانون على تساقط الأجسام تحت تأثير جاذبية الأرض تكون النتيجة أنه إذا سقط جسمان من نفس الارتفاع فإنهما يصلان إلي سطح الأرض في نفس اللحظة بصرف النظر عن وزنهما ولو كان أحدهما كتلة حديد والآخر ريشة، ولكن الذي يحدث من اختلاف السرعة مرده إلى اختلاف مقاومة الهواء لهما في حين أن قوة تسارعهما واحدة.

ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه (المباحث المشرقية) : فإن الجسمين لو اختلفا في قبول الحركة لم يكن ذلك الاختلاف بسبب المتحرك، بل بسبب اختلاف حال القوة المحركة، فإن القوة في الجسم الأكبر ،أكثرمما في الأصغر الذي هو جزؤه لأن ما في الأصغر فهو موجود في الأكبرمع زيادة"، ثم يفسر اختلاف مقاومة الوسط الخارجي كالهواء للأجسام الساقطة فيقول: وأما القوة القسرية فإنها يختلف تحريكها للجسم العظيم والصغير. لا لاختلاف المحرك بل لاختلاف حال المتحرك ، فإن المعاوق في الكبير أكثر منه في الصغير.

القانون الثالث لنيوتن ينص على أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه). وأبو البركات هبة الله البغدادي المتوفي سنة 1165 م.في كتابه (المعبر في الحكمة) قال بما يفيد بهذا المعني : إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر. وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة جذب الآخر،بل تلك القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر إلى كل ذلك الجذب "، ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه ( المباحث المشرقية): " الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط لا شك أن كل واحد منهما فعل فيها فعلاً معوقا ًبفعل الآخر". هذه القوانين الثلاثة للاستقرار والحركة ورد الفعل هي القوانين الأساسية التي ترتكز عليها حاليا كل علوم الآلات والأشياء المتحركة.

الزراعة
وفي الدول الإسلامية اتبعوا تقنيات الميكنة الزراعية المتوارثة كالمحراث والساقية والشادوف والنورج. وكان الأندلسيون يسخرون الرياح في إدارة الطواحين ورفع المياه بالسواقي.وأخذت أوروبا عنهم هذه التقمية وغيرها من الأندلس. وهذه التقنيتية أخذها الغرب عن العرب إبان حكم الأندلس وفي بغداد ايام العباسيين كانت تدار طواحين بالميله أو الهواء لرفع المياه وإدارة مصنع الورق هناك . وكانت طوتحين الهواء ورفع المياه ومصانع الورق تدار بتروس معشقة وعجلات ضخمة متداخلة . لنظرية الأنابيب المستطرقة في توصيل المياه في شبكة من المواسير إلى البيوت، أو في بناء النوافير داخل وقد أبدع المسلمون في استغلال علم الحيل في صناعة السلاح. فطوروا المنجنيق والدبابات الخشبية وكانوا أول من صنع المدافع والبندقية ومضخة المكبس Piston Cylinder، اللتي اخترعها بديع الزمان الرزاز الجزري (ت سنة 184 ام) . ومضخة، الجزرى عبارة عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها أن ترفع المياه من الآبار. العميقة إلى اسطح الأرض، وكذلك كانت تستعمل في رفع المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضاً إلى الأماكن العليا مثل جبل المقطم في مصر وقد جاء في المراجع أنها تستطيع ضخ إلي ء إلى أن يبلغ ثلاثة وثلاثين قدماً، أي حوالي عشرة أمتار وهو ما يعادل ارتفاع مبنى يتألف من ثلاثة أو أربعة طوابق، وتنصب المضخة فوق سطح إلي ء مباشرة بحيث يكون عمود الشفط مغموراً فيه، وهي تتكون من ماسورتين متقابلتين في كل منهما ذراع يحمل مكبساً اسطوانياً، فإذا كانت إحدى إلي سورتين في حالة كبس (اليسرى) فإن الثانية تكون في حالة شفط، ولتأمين هذه الحركة المتقابلة المضادة في نفس الوقت يوجد قرص دائري مسنن قد ثبت فيه كل من الذراعين بعيداً عن المركز، ويدار هذا القرص بوساطة تروس متصلة بعامود الحركة المركزي وهناك ثلاثة صمامات على كل مضخة تسمح باتجاه المياه من أسفل إلى أعلى ولا تسمح بعودتها في الطريق العكسي. هذا التصميم العبقري لم يكن معروفاً لدى الرومان والاغريق، ولا يزال مبدأ مضخة المكبس مستعملاً حتى الوقت الحاضر في جميع مضخات المكبس التي تعمل باليد لرفع المياه . وهي منتشرة في كثير من القرى في العالم أجمع. وهذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها جميع المضخات المتطورة في عصرنا الحاضر والمحركات الآلية كلها ابتداء من المحرك البخاري الذي في القطار أو البواخر إلى محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالبنزين كما في السيارة ،والطائرة ،والفكرة الرائدة التي أدخلها الجزري هي استعماله مكبسين واسطوانتين يعملان بشكل متقابل وبصورة متوازية، ثم نقل الحركة الناتجة وتحويلها من حركة خطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد استعماله التروس المسننة وهو ما يطبق حالياً في جميع المحركات العصرية