الجامعة وطموح الشباب
كلما ازداد الإنسان علما ومعرفة ،كلما ازداد معرفة وعلما بربه خالقه ورازقه ومدبر أموره ، وكلما ارتقى الإنسان علميا ازداد تواضعا وسلوكا حميدا حسنا00 ومحبة للخير وللناس وللمجتمع ، ورأى الدنيا ورأى الناس بمنظار أوسع وأشمل وأدق 00عكس ذلك الجاهل الذي لم يتعلم أو كان تعليمه محدودا وبسيطا 00 والعلم يرفع الإنسان درجات ومكانة ، والذين يعلمون أفضل من الذين لا يعلمون ، قال تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ويقول أيضا : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } 0 إذن أهل العلم والعلماء أفضل 00ولا خير في علم لا يعدل سلوكيات الفرد ويرتقي به ويتسامى به إلى الأفضل والأحسن ، ويجعله شخصا مهما ومنتجا ومحبوبا يقدم لمجتمعه ولوطنه وأفراد أمته الخير و يجعله يرتقي بين سائر المجتمعات والأمم المتقدمة ، متمسكا بالسلوكيات الحميدة التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف متبعا النهج المحمدي الراقي السليم في التعامل مع بني الإنسان من والديه أقرب قريب إلى آخر فرد تربطه به الروابط الدينية وتلك الروابط الإنسانية الأخرى 0 ذلك هو ما نطمح أن يكون عليه الطالب الجامعي والطالب المتخرج في الجامعة 0 والتعليم الجامعي قد وصل في بلادنا إلى درجة مرتفعة ومتقدمة وقد بلغ عدد الجامعات في وطننا الحبيب إلى أكثر من خمسة عشر جامعة وعددا من الكليات والفروع الأخرى ، غير أن مجموع تلك الجامعات والأعداد الكثيرة من الكليات الأخرى لم تستوعب جميع الطلاب والطالبات المتخرجين والمتخرجات من الثانوية العامة وغيرها 0وكل طالب لديه رغبة في مواصلة تعليمه العالي ، وكل أب وكل أم لديهما رغبة في أن يواصل ابنهما تعليمه الجامعي ذلك أن الجامعة تخرج رجالا يبنون ولا يهدمون يقدمون خدماتهم لمجتمعهم ، قد تسلحوا بسلاح العلم والمعرفة ووصلوا إلى أرقى مراحل التعليم ألا وهو التعليم الجامعي 00فالطالب عندما يتخرج من الثانوية ويلتحق بالجامعة ويدرس ويتخصص تتسع مداركه وأفكاره ويصبح أكثر وعيا من ذي قبل ، يزن الأمور بميزان علمي ومنطقي ،لا يصدر أحكاما وقرارات إلا في محلها بعد أن وصل إلى هذه المرحلة من التعليم ، كما أنه يصبح قدوة لغيره من إخوته وأبناء المجتمع خاصة من كان على مقاعد الدراسة في المتوسطة والثانوية والطلاب الذين يلتحقون بالجامعة بعد أن نجحوا في الثانوية هم بلا شك صفوة الطلاب من ناحية الذكاء والقدرات العقلية 0 فقد أثبتت دراسة على الأذكياء أن الطالب الذي يصل للمرحلة الثانوية بجهده وقدرته دون مساعدة هو طالب يمتاز بالذكاء فيكون نسبة ذكاء طالب المرحلة الثانوية فوق المتوسط لأقل طالب ومنهم من يصل إلى العبقرية حسب مقاييس الذكاء 00وهؤلاء هم الذين لديهم القدرة على مواصلة التعليم الجامعي والتعليم العالي غير أن طلاب الثانوية تواجههم عقبات وعوائق كثيرة تصدهم عن الالتحاق بالجامعة ومواصلة تعليمهم وذلك بسبب اختبارات القبول وتحديد المستوى أو النسب المئوية التي حصلوا عليها في الثانوية العامة أو اختبارات القياس 00 فبعض الطلاب قد حصل على نسب متدنية وتقدير جيد أو أقل ، ولا يعني هذا أن هؤلاء لديهم ضعف في الذكاء وإنما طالب المرحلة الثانوية يكون في مرحلة حرجة من مراحل العمر وهي مرحلة المراهقة بين تكوين الذات والتبعية الوالدية ، يتمرد ويطيع ولا يهتم بمستواه إلا من كان لديه أب متابع وأم متابعة حريصين عليه وعلى مستواه ، ومتابعة من معلميه 0كما أن للصحة والظروف المحيطة به دور في نبوغه وتفوقه ، فطالب المرحلة الثانوية ليس غبيا وإنما بحاجة إلى توجيه وتعريف ومتابعة 0إن الطالب الذي يصد عن باب الجامعة ولا يجد له مقعدا يصاب بخيبة أمل وإحباط شديد وصراع نفسي رهيب وقد يفقد ثقته في نفسه وفي الآخرين ويبدأ يشعر بالكراهية نحو المجتمع ونحو الناس ولا يمكن أن يصبح شخصا سليما منتجا ما دام محطما داخليا ورغبته وأحلامه وأمله قد ماتت وربما ينحرف ويصبح إنسانا مجرما مخربا هادما لمكتسبات المجتمع ناقما عليه ، وقد يمرض بأمراض نفسية أو نفسجسمية بسبب التفكير الشديد والحزن والألم والقلق الذي يعايشه حينما يرى زملاؤه في الحارة والمدرسة قد قبلوا في الجامعة وأصبح يطلق عليهم ( طالب جامعي ) وهذا المسمى له دفع معنوي كبير عند الطلاب في هذه المرحلة العمرية الحرجة ، وهو المسكين لم يقبل في الجامعة0إن على الجامعات والكليات أن تعطي الطلاب والطالبات الفرصة في مواصلة تعليمهم واحتضانهم في هذه السن الحرجة من مراحل العمر ، فطالب متعلم تعليم جامعي ويحمل شهادة جامعية لا شك أنه شخص واثق بنفسه ومعتز بها يريد أن يقدم كل ما يستطيع لمجتمعه ووطنه ، بينما ذلك الطالب الذي حرم من التعليم ينطبق عليه المثل الذي يقول : فاقد الشيء لا يعطيه والمثل الآخر الذي يقول: إنك لا تجني من الشوك العنب أعرف طلابا طردوا ومنعوا من دخول الجامعات والكليات شر طرد ، بعض منهم تقديره جيدا جدا وبعضهم جيد مرتفع وقيل لي إن البعض ممتاز لكن الكلية التي يريدها والتخصص الذي يريده لم يجده 0 هؤلاء الشباب قد تغيرت ملامحهم وتجعدت وجوههم وبدا عليهم وكأنهم في الأربعين من عمرهم وهم ما زالوا تحت الثانية والعشرين سنة ، ذلك من القهر والتفكير في المستقبل المظلم والقلق والإحباط والحزن الذي يعيشونه 0 لقد جعلت الجامعات والكليات الوصول إليها والالتحاق بها ضربا من المستحيل ومن الخيالات 0 ومعجزة من المعجزات ، وأصبح الطلاب الذين في المرحلة الثانوية وعلى وشك التخرج يتمنون أن العمر كله ثانوية ولا يتخرجون منها لشعورهم بما سيواجهونه من الجامعات ، بل إنهم يرون الوصول إلى القمر والمريخ وزحل أمر يمكن أن يتحقق لهم أما الوصول إلى الجامعات والدراسة بها من عاشر المستحيلات 0 وقوموا أيها الباحثون والدارسون وأعدوا الاستبانات وطبقوها واسألوهم وتحققوا من كلامي 0 إنهم محطمون وهم بعدهم لم ينجحوا من الثانوية 00 وذلك مما ينقل إلى مسامعهم من زملائهم وأقاربهم مما يواجهون ، فالتخصص الذي يدرسونه التحقوا به غصبا عنهم وليس برغبتهم 0 والمكافأة منهم من حرم منها ومن هم من ينتظرها لمدة ستة أشهر وربما يقبضها كاملة وربما بالتقسيط المريح أو بعضا منها والبعض لا يعلم متى سيتم قبضه وربما يتخرج وبعضه لم يستلمه بعد 0 بل إن الصحف تنشر خبر استلام الطلاب لمكافأتهم ولا أظن ذلك إلا لعظمة ذلك الأمر 0 ويخرج بين الفينة والفينة علينا من حضرات الكتّاب والمصلحين من يطالب بمنع مكافآت الطلاب وعدم صرفها لهم 0 ولا يوجد إسكان للطلاب وغير ذلك مما سبب لهم الإحباط والشعور به قبل أن ينجح من الثانوية ، ناهيك عن القبول والتسجيل والاختبار والمقابلة الشخصية والنسبة والتقدير 0 نحن بذلك نقتل شبابنا ونقتل الطموح والرغبة والأمل عندهم والمستقبل الزاهر ، وكيف سيكون مستقبل مجتمعنا إذا كنا قد قتلنا عدته وركيزته وقوته وهم شبابه 0 إن على من بيدهم الحلول أن يوجدوا البدائل لأولئك الشباب الذين لم يجدوا الفرصة في مواصلة دراساتهم ويمهدوا السبل لعدة وسلاح الأمة وينتشلوهم من هذا النفق المظلم ولو فكروا سيجدون الكثير من الحلول والبدائل 0 والله من وراء القصد 0