أوقف فالح سيارته في الساعة الخامسة بعد الظهر
أمام باب منزله
الذي يحتوي على اثنتين وعشرين غرفة للنوم
وحديقة ومسبح كبير
دخل فالح إلى منزله مسرعا
وبيده اليمنى ليمونه صغيرة
مصنوعة من المطاط
ذهب إلى غرفة الجلوس
وصل إلى باب غرفة الجلوس
بدأ يسمع بكاء وصراخا
نظر جيدا إلى المجلس
رأى ابنه الوحيد محمد
البالغ من العمر خمس سنوات
يقف في الركن البعيد الأيمن للمجلس
وهو يبكي
ويصرخ ويداه على عينيه
سأله والده
أين أمك ؟..
أين مربيتك كرستين ؟..
أين معلمك ديفيد ؟..
أين السائق راجيف ؟..
أين الخادمة كولا ؟..
أين مدير المنزل لآدا ؟..
أين الطباخ بلفور؟..
أين حارس المنزل نويل ؟..
أين البستاني ما وتسي ؟..
محمد لا يجيب
محمد مازال يبكي
ويصرخ
لا تبكي
لا تبكي يابني
قلت لك لا تبكي
هل تفهم ؟..
بكاؤك هذا يزعجني
سأعاقبك
قلت
لا تبكي
ألا تفهم ؟..
فالح يقول متسائلا وهو يداعب ليمونته
ينقلها من يد إلى أخرى
( طفلي محمد لا يريد أن يتوقف عن البكاء !..
قرر فالح مغادرة المنزل
لقي فالح السائق راجيف
عند الباب الخارجي للمنزل
بابا كيف الهال ؟..
بابا ماما فالهه
ديفيد
كولا
لآدا
بلفور
كرستين
ماوتسي
نويل
كله أنا يودي
كله يروه كسر ماما رزان
اسان في هفلة كبير
اسان ولد مال أم رازان
يسير أمر واهد سنه
ذهب فالح
دخل راجيف إلى المنزل
سمع بكاء
سمع صراخا
أسرع في خطواته
وصل إلى غرفة الجلوس
مهمد !..
( ليس يبكي ) ؟..
أنا لازم كلم ماما
الو
الو
ما
ما
فالهه
فيه ولد مال انته يبكي
أنا يسال ليس يبكي
ما يكلم أنا
اسفيه ماما !..
أنا ما فيه مئلوم
لازم يزي ماما يسوف ولد مال انته
ترد فالحه
لا أستطيع أبدا الحضور يا راجيف
اليوم حفلة عاصي
أم رازان لن تكون سعيده لو فعلت ذلك
أسكته أنت بأي شئ
قطعة حلوى مثلا
أو أعطه بطاقة القنوات الفضائية
افعل ما تريد وما تستطيع
فقط
لا تهاتفني مرة أخرى
ولا تنسى أن تأتي في الحال بما طلبته منك
اوكي
مرسي
اخذ راجيف قطعة حلوى من المطبخ
ذهب بها إلى محمد
اختلطت دموع محمد بلعابه
وعرقه وإفرازاته الأنفيه
قدم راجيف الحلوى لمحمد
رفض محمد استلامها
وواصل البكاء
وضع راجيف الحلوى قريبا
على الطاوله من محمد
غادر راجيف المنزل
مضى من الوقت
ساعه
ساعتان
ثلاث ساعات
خرج محمد وهو يبكي
من غرفة الجلوس
باتجاه الباب الخارجي للمنزل
ينظر إلى اليمين
إلى الشمال
إلى الخلف
إلى الأمام
إلى الأعلى
الحديقة الكبيرة بمسبحها الكبير
تفصل بينه وبين الباب الخارجي
ملأ الظلام المكان
ملأ الهدوء المكان
يسير محمد على غير هدى
لا يرى شيئا غير
أضواء أسوار المنزل
لا يسمع إلا صوته وهو يبكي
لا يرى حتى يديه من الظلام
ازداد بكاؤه
سار مسرعا إلى اليمين
سار مسرعا إلى الأمام
وأسرع
وأسرع
وأسرع
سار محمد إلى أن سقط
سقط محمد
سقط في الهدوء
سقط في الظلام
سقط في المــاء
سقط في المسبح الكبير
حاول الخروج
حاول
وحاول
وحاول
وكلما حاول فشل
وكلما فشل حاول
يحاول لعل أحدا في هذا الظلام أن يسمع طفولته
يحاول لعل أحدا في هذا الظلام أن ينقـــــذ براءته
يحاول لعل أحدا في هذا الظلام أن ينتشـــــل جثته
يحاول لعل أحدا في هذا الظلام أن يمســــح دمعته
يحاول
وكلما حاول
صرخ
فيستغيث
ثم يستغيث
ويستغيث
يرفع يديه إلى الاعلي
ينادي أمه
أباه
طفولته
أقرانه
أقلامه
دفاتره
ألعابه
يحاول
أحلامه
آمـــاله
طموحاته
المــاضي
الحـــاضر
المستقبل
وظل
يحاول
ويحاول مرات ومرات
إلى أن قال
لا
لا
لا
واختفى محمد كامــــلا تحت الماء
ليزيد الهــــدوء في المكان هدوء
وليزيد الظــــلام في الظلام ظلاما
عاد الأب ومن معه إلى المنزل
الساعة الثانيــة بعد منتصف الليل
ذهب كل منهم إلى غرفته الخاصة مباشرة
استيقظ فالح في الساعة الخامسة صباحا
مذعورا
نهضت فالحـه
مابك يا فالح
مــــــــــا بك
صـرخ قائلا
ومتســـائلا
ليمونتي
ليمونتي
أين هي ؟..
أين ليمونتي ؟..
بحث عن ليمونته
بحث عنها طويلا
في كل ركن من أركان غرفة نومه
وبعد البحث المضني
وبعد العناء
وبعد الخوض
وبعد الحسرة
وبعد القــــلق
وبعد الشعور
بالضــــــياع
وبعد الدموع
وبعد الأحزان
وجد فالــــح
ليمـــــــونته
وجد غاليتــه
وجد حبيبته
معشوقته
شريكة حياته
وجد أسيرة قلبه
وجدها وقد سقطت منه
وهو نائم بجانب سريره
أخذها رمى بها إلى الأعلى
راقبها
ابتسم لها
قبل أن تسقط على الأرض
ارتمى على سريره برفقتها
وقال
هههههههههههههههه
لقد وجدت ليمونتي يا فالحه
ثم
واصلا نومهما
وكل منهما ينظر إلى الأخر
ضاحكا مستبشرا
وسعيدا
والليمونه
بينهما
هذا النص للدكتور
الأديب
عبد العزيز بن سعيد الغامدي
مصائب قوم عند قوم فوائد
تحياتي
أبوعمــر