الأخت الفاضلة / 00000000
بعد قراءة الموضوع التالي عن الوساوس القهرية
هل أستفدت منه ؟
هل لديك استفسارات ؟
أعطيني خبر ، و أي استيضاح أو استفسار أو التعرف على طريقة معينة أنا معك 0
• الوساوس المتسلطة والأفعال القسرية Obsessive-Ompulsive Neurosis:
الوساوس من المشكلات العصيبة التي يتعرض لها عدد كبير من الناس ، وهي متفاوتة في خطورتها، فقد تبدأ بأمور بسيطة عارضة حتى تصل بصاحبها إلى قضايا خطيرة، كالوساوس القهرية وما تسببه من شكوك قد تتصل بمسلمات دينية وثوابت عقدية مثل الشك في وجود الله تعالى، وفي عقيدة القضاء والقدر، وفي أداء العبادات كالطهارة والصلاة وغيرها من العبادات 0 قال ابن منظور رحمه الله تعالى: "الوَسْوَسَة والوَسْواس: الصوت الخفي من ريح، والوَسْوسة والِوسْواس: حديث النفس، يقال: وَسْوَست إليه نفسه وَسْوَسَة وِوسْوَاساً، بكسر الواو المصدر، وبالفتح الاسم، مثل الزِّلزال والزَّلزال، والوَسْوَاس بالفتح هو الشيطان، وكل ما حدثك به ووَسْوَس إليك.. ورجل مُوَسوس إذا غلبت عليه الوَسْوَسة" وقد تناول قدماء الأطباء المسلمين موضوع الوساوس بشيء من التفصيل ، ومنهم أبو زيد البلخي الذي ذكر أنَّ : "المريض لا تزال تلمُّ به وساوس القلب التي قد تكون من جنس ما يحبُّ مثل عشقه شيئاً يهواه ، فيعلق قلبه به ويصرف فكره في كل الأوقات إليه ، ويخطر بباله كلَّ حين ، ويجعله نصب وهمه دائماً ، فيمنعه ذلك من التفكير فيما سواه ، ويشغله عن أكثر أعماله وعن قضاء أوطاره 0 وقد تكون الوساوس من جنس ما يخافه المريض ويخشاه من أمرٍ لعله يحلُّ به عن قريب ، وأشده ما يخشى أن يصيبه في أمر بدنه وحياته فإن هذا من أصعب المخاوف وأشدها تمكناً من القلب واستيلاءً عليه ، وهو أيضاً وسواس أصعب من الذي قبله، لأن انشغال الفكر بما يحبه الإنسان فيه حظ من اللذة ، فأما انشغاله بمكروه يتوقعه فهو مؤذٍ للنفس 0 وصاحب الوسواس في حال اليقظة شبيه بصاحب الأحلام المروعة في حال النوم 0 والوساوس أفكار غير منطقية تحدث بشكل متكرر وتسبب الكثير من القلق ولكن لا يمكن التحكم بها عبر التفكير بأفكار منطقية. وتشمل الوساوس القهرية الاهتمام الشديد بالأوساخ والجراثيم والشكوك المتكررة (على سبيل المثال في كون المرء قد أغلق الموقد أو الفرن)، والأفكار عن العنف أو إيذاء الآخرين، والحاجة لأن تكون الأشياء موضوعة في نظام معين. وعلى الرغم من أن الأشخاص المصابين بهذه الوساوس يدركون أن أفكارهم غير معقولة ولا تتعلق بمشكلات الحياة الحقيقية، إلا أن هذه المعرفة ليست كافية لجعل الأفكار الغير مرغوب فيها تذهب. وعلى العكس من ذلك، فأثناء محاولة التخلص من الأفكار الوسواسية، فإن الأشخاص المصابين بعرض الوسواس القهري يقومون بأعمال قهرية أو طقوس أو تصرفات متكررة لتقليل قلقهم. ومن أمثلة الأعمال القهرية غسل الأيدى المتكرر (لتجنب العدوى)، وتفقد الباب و إعادة تفقده مرارًا وتكرارا للتأكد من إغلاقه ومن أن الفرن مغلق (لتهدئة الشكوك وتجنب الخطر)، وإتباع قواعد صارمة من النظام (وضع الملابس في نفس الترتيب كل يوم). ويمكن أن تصبح الأعمال القهرية زائدة عن الحد ومزعجة لنظام الحياة اليومية وأن تستغرق الكثير من الوقت بحيث تأخذ أكثر من ساعة في اليوم وتتدخل بشكل كبير في النشاطات اليومية والعلاقات الاجتماعية 0 وعادة ما تبدأ الوساوس القهرية في مرحلة المراهقة أو بداية النضج، ولكن يمكن أن تحدث لأول مرة في مرحلة الطفولة وتؤثر في الرجال والسيدات بنفس الدرجة ويبدو أنها تنتشر في اسر بذاتها. و من الممكن أن يصاحب الوسواس القهري أعراض القلق المرضي الأخرى مثل الاكتئاب ومشكلات تناول الطعام أو الإدمان. ويعاني حوالي 2% من الشعب سنويًا من الوسواس القهري 0وكلمة الوسواس في الأدب العربي والكتابات القديمة عن الأمراض النفسية تعني الخوف من المرض أو القلق على المرض والانشغال الزائد بالصحة، وأحيانا توهم المرض والاعتقاد الجازم بوجوده برغم عدم وجود الدليل على ذلك. وقد وردت كلمة الوسواس في القاموس العربي الطبي الموحد كترجمة لكلمة ( Obsession ) الإنجليزية ، وهو عرض نفسي يحصل على شكل فكرة أو دافع ، أو تخيل متكرر برغم مقاومة المصاب له، ويكون محتواه عادة مزعجا 0 أما كلمة القهري فقد وردت كترجمة لكلمة (Compulsion) وتعني عرضاً نفسياً يتميز بالقيام بعمل أو طقوس وهي سلسة من الأعمال بصورة قهرية أي برغم مقاومة المصاب وأحيانا بصورة متكررة ، وغالباً ما تجتمع الوساوس والأعمال القهرية معاً ولذا سميت الحالة الوسواس القهري وبعض الكتب العربية تستعمل كلمة التسلطي بدل القهري 0
وتختلف هذه الأعمال الو سواسية من مريض إلى آخر ، وتأخذ أشكالاً عدة ، إلا أن أكثرها انتشاراً هو ( وسواس التلوث ) حيث يشعر المصاب بأنه قد تلوث بشيء ما من أوساخ وجراثيم وربما بنجاسة ، ولذلك فإننا نراه يغسل ، ويغسل ، ويكرر ذلك كثيراً ، حتى لربما أصيب بحالة من التهابات الجلد ..!! وقد يسيطر على المريض هوس النظافة للمنزل أو للمتعلقات الأخرى ، فتراه لا يهدأ حتى يبدأ بتنظيفها وترتيبها ولا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد ، وهكذا . وقد تكون الوساوس القهرية مرتبطة بالحاجة للأمن ، والخوف من المجهول ، بشكل يتعدى المألوف 0 فترى المصاب يكرر قفل الأبواب والنوافذ ، ويتأكد من ذلك مرات ومرات في الليلة الواحدة ، وينظر لمصادر الكهرباء أو الغاز أو غيرها ، ويعيد النظر عشرات المرات بشكل مزعج له ولمن معه .
ويقسم الأطباء الوساوس القهرية إلى قسمين وهما :
1ـ الوساوس والشكوك الفكرية أو الأفكار الو سواسية القهرية : وهي الأفكار التي تتكرر على ذهن المصاب ، ولا يستطيع دفعها رغم غرابتها أحياناً ، ومع ذلك فإنها تفرض نفسها عليه وعلى تفكيره رغماً عنه ، ودون إرادته 0 وترتبط كثيراً بأمور الإيمان أو الاعتقاد أو الخلق وكثير من المسلمات البديهية في حياة المرء ، وغيرها 0 وهي الخلل في الفكرة ( وسواس ) 0
2ـ الأعمال الو سواسية القهرية أو العادات والسلوكيات : حيث يشعر المصاب برغبة ملحة للقيام ببعض الأعمال أو اللزمات السخيفة أحياناً وغير المنطقية ، بل ويكررها بشكل غريب، وربما شعر بالرغبة الملحة في تكرار أعمال يكفيه منها إجراءها أول مرة .. كتكرار غسل اليدين أو الوجه أو الوضوء أو إغلاق الأبواب والتأكد منه أكثر من مرة ، وغيرها الكثير وتتباين الدرجة بين المصابين بذلك بين مقل ومكثر إلا أن الجدير ذكره هنا ، هو أن هذا الأمر إن لم يعالج ويوقف عند حد معين ، فإنه يزداد مع الوقت شيئاً فشيئاً ، ونستطيع أن نقول أنها الخلل فقط في العمل (القهر) 0
و قد يكون المرض مركباً من الوسواس والقهر ( الاثنين معا ً) والأكثر شيوعاً هو الوسواس القهري 0
• تعريف الوساوس المتسلطة والأفعال القسرية :
1ـ يعرف الوسواس المتسلط Obsession : بأنه فكرة أو صور أو اندفاعات ، تتسلط على الفرد وتلح عليه بالرغم من شعوره بسخافتها وعرقلتها لسير تفكيره 0 وإذا رغب في التخلص منها واجهته بمقارنة ، وإذا أراد الانشغال عنها عاودت الظهور والإلحاح ، وإذا اشتد سعيه للتخلص منها فإنه يعاني قلقا حادا 0
2ـ ويعرف أيضا بأنه : نوع من تسلط فكرة محددة وكريهة ومرفوضة على ذهن الإنسان، وتأتي هذه الفكرة بشكل متكرر جدّا، وتقتحم على الإنسان حياته لتفسدها تماما، وهذا النوع لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه مهما بذل الإنسان من جهد في الاستعاذة أو محاولة صرف التركيز الذهني عنه 0
3ـ ويعرف أيضا بأنه : أفكار أو صور ذهنية أو نزعات تتكرر وتتطفل على العقل بحيث يحس الشخص أنها خارجة عن سيطرته، وتكون هذه الأفكار بدرجة من الإزعاج بحيث يتمنى صاحبها مغادرتها من رأسه ، وفي نفس الوقت يعرف صاحب الأفكار أن هذه الأفكار ليست إلا تفاهات أو خرافات 0 ويصاحب هذه الأفكار عدم الارتياح ، والشعور بالخوف أو الكراهية ، أو الشك أو النقصان 0
4ـ ويعرفها البعض بأنها : تسلط فكرة أو مجموعة أفكار معينة بشكل مبالغ فيه على ذهن الفرد باستمرار على الرغم من أنه يدرك عدم منطقية هذه الفكرة وسخفها وغير فائدتها إلا أنه لا يستطيع أن يخلص نفسه منها ، ويشعر بالقلق والتوتر إذا قاوم ما توسوس به نفسه ، يشعر أيضا بإلحاح داخلي للقيام بهذه الفكرة 0
ومن أمثلة هذه الوساوس :
1ـ الاجترار الوسواسي : وهو الوقوع في شراك مجموعة من الأفكار متعلقة بموضوع معين بحيثُ لا يستطيع المريضُ التوقف عنها وعادةً ما يكونُ الموضوعُ نفسه من المواضيع التي لا معنى للتفكير فيها ، أو من المواضيع المحرم شرعًا بالنسبة للشخص أن يخوضَ فيها مثلَ : منْ خلقَ الله ؟ أو كيفَ يستطيعُ الله أن يراقبَ كل هذا الكم الهائل من البشر...إلى آخره0
2ـ استحواذ فكرة الوسخ والتنجيس : وتشمل مخاوف بلا أساس من التقاط مرض خطير ، أو الخوف المبالغ من الوسخ أو النجاسة أو الجراثيم (أو حتى الخوف من نقلها إلى الآخرين أو البيئة أو المنزل ) ، أو كراهية شديدة للإخراجات الشخصية ، أو الاهتمام الزائد عن الحد بطهارة ونظافة الجسم 0
3ـ شكوك غير طبيعية : وتتمثل في شكوك لا أساس لها من أن الشخص لم يقوم بالشيء على وجهه الصحيح ، مثل إغلاق أجهزة أو إتمام الوضوء أو الصلاة على وجهها الأكمل0
4ـ أفكار دينية مستحوذة : مثل: الخوف المبالغ فيه من الموت ، أو الاهتمام غير الطبيعي بالحلال والحرام ، والخوف الزائد من ارتكاب الذنوب والمعاصي ، وأفكار ووساوس مزعجة بانتهاك الحرمات والأعراض والوقوع في الكفر، ضغط عصبي شديد بسب الدين والله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم مع العجز عن وقف هذا السباب 0
5ـ أفكار تطيرية أو خيالية : الاعتقاد أن بعض الأرقام أو الألوان أو ما أشبهها هي محظوظة أو غير محظوظة 0
6ـ أفكار تسلطية : وغالباً ما تكون دون سلوك قهري ، أي أنها أفكار فقط دون استجابة عملية وهو نوع مزعج جداً من الأفكار ، لأن صورها غالباً ما تكون صوراً أو أفكاراً جنسية أو غير أخلاقية مع الأقارب أو الأطفال أو مع الناس المقدسين كالأنبياء ، أو تكون على شكل رغبة عدوانية لإيذاء الآخرين 0 وغالباً ما يشعر المريض معها بالذنب وتأنيب الضمير ويصاحبها الشعور بالدونية والكآبة ، وبالذات لو أصابت رجال الدين أو المتدينين عموماً 0
أمّا الفعل القسري Compuksion : فهو فعل أو سلوك حركي يتسلط على الفرد ويلح عليه ، ولا يستطيع التخلص منه رغم محاولاته في ذلك 0 وإذا حاول التغلب عليها ومقاومتها فإنه يعاني الضيق والقلق الحاد 0
• العادات والسلوكيات :
المصابون بالوساوس القهرية يحاولون التخلص من الأفكار المتكررة، عن طريق القيام بعادات اضطرارية، والقيام بهذه العادات لا يعني أن القائم بها مرتاح من قيامه بها، ولكن العمل بهذه العادات هي لمجرد الحصول على راحة مؤقتة من تكرار الوسواس، ومن هذه العادات والسلوكيات :
1ـ التنظيف والتغسيل الكثير : التكرار الروتيني المبالغ فيه للغسيل أو دخول الحمام أو تغسيل الأسنان ، أو الشعور الذي لا يمكن التخلص منه بأن الأواني المنزلية مثلاً نجسة ، وأنه لابد من غسلها بما فيه الكفاية حتى تكون نظيفة بالفعل 0 ويعرف هذا السلوك عند الأطباء المختصين باسم : ( البطء الوسواسي القهري ) ، حيث يقضي أصحابه فترات مفرطة في الطول "ساعات" لقضاء أفعال يفعلها معظم الناس خلال دقائق ، ومن الأمثلة المستمدة من تراثنا على ( البطء الوسواسي ) ما ذكرهُ عبد الوهاب الشعراني إذ يقول : " وَشهدتُ أنا بعينيَّ موسوساً دخلَ ميضَأةً ليتوضأ قبل الفجر من ليلة الجمعة فلا زال يتوضأ للصبح حتى طلعت الشمسُ ، ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً يتفكر ، ثم رجعَ إلى الميضأةِ ، فلا زال يتوضأ ويكررُ غسلَ العضو إلى الغاية ، وينسى الغسل الأول ، ولم يزل حتى خطبَ الخطيبُ الخطبةَ الأولى ، ثم جاءَ إلى باب المسجد فوقفَ ساعةً ورجعَ ، فلا زالَ يتوضأ حتى سلمَ الإمامُ من صلاة الجمعة ، وأنا أنظرُ من شُبَّاكِ المسجد ، ففاتته صلاةُ الصبح والجمعة !!! 0
2ـ الشك في عدم طهارة الماء المتوضأ به ونجاسته ، وعدم التيقن من نزول الماء على كل مكان في العضو بنفس قوة جريانه على باقي الأعضاء ، والوسوسة الشديدة في انتقاض الوضوء سواء بخروج ريح أو نزول نقطة مَذْي أو بول أو لمس القدم للأرض أو رذاذ الماء، والشك المستمر في نجاسة الملابس والمياه المكشوفة ، والشك في النية في العبادات كالوضوء والصلاة 0
3ـ الوسوسة في مخارج الحروف وعدم نطق الكلمة بالصورة الصحيحة والتكلف فيها بكثرة تكرارها 0 الوسوسة في التكبير والفاتحة وغيرها من أركان الصلوات المنطوقة ، والوسوسة في ضبط اتجاه القبلة ، والوسوسة في الطعام هل تم ذبحه بالطريقة الشرعية ؟ وهل الذي ذبحه مسلم أم لا ؟ 0
4ـ الاضطرار لعمل شيء معين إلى أن يصبح صحيحاً : مثل تكرار العبادات خشية القيام بها بصورة خاطئة ، وكذا تكرار الأذكار 0
5ـ الإحساسُ المتضخمُ بالمسؤولية ، مثل : استعادة الحديث الذي تم إجراؤه مع الناس للتأكد من عدم الكذب فيه أو مخالفة الحقيقة 0
6ـ سلوكيات تعتمد على اعتقادات تطيرية، مثل : النوم في وقت معين حتى يبعد الشر0
والمصاب بالوساوس القهرية يتمنى لو أنه تخلص من الأفكار الشنيعة أو الأفعال المتكررة، ولكنه لا يقدر، وربما يكون من الصعب جداً على المريض علاج نفسه ، وخصوصاً أن العلاج السلوكي يحتاج إلى مواجهة المرض ، وقد لا يعرف مدى شدة الألم الذي يصيب المريض بمرض الوساوس القهرية سوى الشخص المصاب به ، ولكن هذا الألم لا يمكن الهروب منه، لذلك نقول للمريض إن المرض لن يختفي إن تُرك للوقت ، فالعلاج الدوائي والسلوكي (وهو الأهم) وإن كان مؤلماً في البداية ولكنه بعد مدة من الزمن سيذهب ، وهذه الأفكار التي تزعج وتقلق المريض ستزول وتضعف تدريجياً إن شاء الله تعالى ، حتى تصبح بلا قيمة 0
• هل الشيطان وراء الوسواس القهري؟
مفهومان قديمان موجودان منذ خلق الله الإنسان، يمسانه ويؤثران في حياته بشكل مباشر، ويختلطان في الأذهان الوسواس القهري ، والشيطان ! فهل من علاقة بينهما؟ وهل يؤثر أي منهما في الآخر؟ إن الوسواس القهري واحد من المواضيع التي تغيرت الأفكار العلمية بشأنها تغيرا مذهلا خلال العقدين الأخيرين ، بحيث إن مفاهيم عمرها يزيد على مئات السنين تم محوها تماما واستبدالها بعكسها خلال بضعة أعوام 0 وخبرة الوسوسة كخبرة نفسية معرفية وشعورية هي خبرة تحدث في 90% من البشر في كل المجتمعات ، ومعنى ذلك أن الوسوسة قديمة قدم العقل البشري ذاته ، وبالرغم من ذلك لم يصل إلينا تفسير لها؛ من حيث كونها خبرة بشرية عامة ، يسبق التفسير الإسلامي القديم الذي قسمها إلى نوعين هما :
1ـ وسوسة النفس 0 2ـ ووسوسة الشيطان 0
وينطبق هذا على مفهوم الشيطان؛ فهو أيضا مفهوم قديم؛ لأنه موجود ــ وإن كان بصورة غير واضحة ــ في معظم الحضارات القديمة كقوة مسئولة عن الشر بوجه عام ، وهو موجود في الديانة اليهودية وفي الديانة المسيحية أيضا ، إلا أن مفهوم الشيطان لم يظهر بشكل واضح كما ظهر في الإسلام ، ولا كان هناك ربط ما بين الوسوسة وبين الشيطان قبل الفهم الإسلامي 0
ونظرا لأهمية هذا الاضطراب وللخلط الحادث في أذهان الناس خاصة في نواحيه المتعلقة بالدين الإسلامي، كانت هذه المحاولة لإظهار الفرق والعلاقة بينهما، وتبيين سبب هذا الخلط 0
• الوسواس القهري بين الدين والطب النفسي :
الشيطان بنصّ القرآن الكريم هو الوسواس الخناس ، و الوسواس الخناس هو نوع من أنواع الدس الشيطاني وهذا الدس له هدف وهو انحراف الإنسان سواء كان الانحراف العقائدي أو السلوكي فيشعر الإنسان المصاب به أن ثمة شيء يمنعه عن الصلاة وعن الأعمال الحسنة ويدفعه لفعل كل ما هو فاحشة ومنكر 0 وهو الذي وسوس لآدم ولحواء عليهما السلام بأن يأكلا من الشجرة ، فتسبب في طردهما من الجنة ، كما أن النفس البشرية في الفهم الإسلامي مصدر من مصادر الوسوسة ( النفس الأمّارة بالسوء ) ، إلا أن الوسوسة في تراثنا تعني معنى آخر هو التشدد في الدين ، كما تعني الوسوسة العديد من المعاني عند الناطقين بالعربية ، مثل الشك والتكرار والخوف على الصحة ، إلى آخره 0
وقد كان لذلك تأثير كبير على تعامل المسلمين مع معطيات البحث العلمي الحديث فيما يتعلق بالوسواس القهري ؛ لأن غير الطبيب النفسي إنما يقف حائرا أمام خبرات نفسية يفسرها الشيوخ بشكل ويفسرها الأطباء بشكل مختلف ، بينما الحقيقة هي أن ما يتكلم عنه الطبيب النفسي شيء وما يتكلم عنه الشيوخ شيء آخر ، بالرغم من التشابه بينهما 0
• كيف تكتشف الوسواس القهري ؟ :
وهناك ثلاثة أنواع من الأفكار التي تخطر على ذهن الإنسان بشيء محرم 0
1ـ النوع الأول : فكرة أو أفكار تدعو الإنسان لفعل شيء محبب للنفس مثل : الزنا أو غيره، وهذه الأفكار يكون مصدرها حديث النفس ، أو وسوسة الشيطان ، أو تأثيرات الواقع المحيط بالإنسان الذي يزين له الوقوع في هذا الأمر، وغالبا ما تتنوع هذه الأفكار في أشكالها وتفاصيلها، وترتبط بالمستوى الإيماني للإنسان ، وصحبته الخيرة ، وانشغال ذهنه بهذا الأمر المحبب للنفس ، أو بغيره من أنشطة تصرف الذهن عنه ، وعلاج هذه الأفكار أساسا يكون بالاستعاذة ، واستثمار الطاقة النفسية والفكرية والاجتماعية في صداقات واهتمامات نافعة 0
2ـ النوع الثاني : فهو وساوس في العبادة مثل الزيادة أو النقص في الصلاة وهو من الشيطان ، ولا يتكرر إلا بمعدل متقطع ، وعلاجه الاستعاذة ، والخشوع والتركيز في أداء العبادة 0
وكلا النوعين السابقين يمكن التحكم فيهما ، والسيطرة عليهما ببذل بعض الجهد 0
3ـ والنوع الثالث : وهو الوسواس القهري وهو " بتبسيط " نوع من تسلط فكرة محددة وكريهة ومرفوضة على ذهن الإنسان ، وتأتي هذه الفكرة بشكل متكرر جدّا، وتقتحم على الإنسان حياته لتفسدها تماما، وهذا النوع لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه مهما بذل الإنسان من جهد في الاستعاذة أو محاولة صرف التركيز الذهني عنه 0 ومحتوى هذه الأفكار قد يكون دينيّا أو دنيويّا ، في العقيدة أو في غيرها من شئون الحياة، وهذه الأفكار تعبير عن المرض الذي يصيب الملتزم وغير الملتزم، المؤمن والكافر بنفس الكيفية والأعراض والمواصفات بغض النظر عن اختلاف محتوى الفكرة من شخص لآخر، كما أن هذا المرض لا علاقة له بالجن أو غيره، فهو مرض تتضافر فيه بعض العوامل الوراثية، والاضطرابات البيولوجية الكيميائية الجسدية، والاختلالات النفسية الفردية، وبعض التأثيرات الثقافية والاجتماعية لتنتج الأعراض التي يشكو منها المريض 0
الاستعانة بالله ، والأخذ بالأسباب هي ما نحتاج إليه في كل الأحوال ، ومن الأخذ بالأسباب العلاج بالعقاقير في حالة المرض، والصبر على علاج نفسي قد يطول، ويستحسن أن يبدأ فور تشخيصه على أنه وسواس قهري، أما إذا كانت مجرد خواطر سوء متنوعة تأتي لتشغل التفكير حينا ثم تنصرف بالاستعاذة وذكر الله، ويمكن وقفها ببذل بعض الجهد والإرادة؛ فإن الأمر يكون أبسط، ولكن لا مانع من مراجعة الطبيب لتشخيص الأعراض التي أجملنا في وصفها 0
• وسواس الجنون ( قديما ) :
كان المسلمون الأوائل ينسبون الوسواس إلى فعل الشيطان ؛ لأنهم عرفوا ووصفوا نوعين من الوساوس موجودين في القرآن الكريم وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وهما وساوس النفس ، ووساوس الشيطان ، وأما ما عدا ذلك من الأعراض التي تدخل ضمن اضطراب الوسواس القهري اليوم فقد كانوا يعتبرونها نوعا من أنواع الجنون ، وليسوا وحدهم ، فقد أرجعه الكثير من الغربيين حتى عهد قريب إلى أنه كذلك 0
والصحيح عند الطبيب النفسي المسلم اليوم هو أن ما لا يزول بالاستعاذة ليس من الشيطان ، وما لا يزول بتقوية الصلة بالله والإكثار من الطاعات ليس وسواس النفس ، وإنما هو وسواس قهري 0 ومما يؤلم المصابين بالوسواس القهري ما يقرؤونه في كتب بعض العلماء عن ذم الوسوسة والموسوسين ، لأنهم كانوا يطلقون ذلك الوصف على جميع أنواع الوسواس دون تخصيص، فهو وصف عام يتأكد عندهم في النوع الثالث ـ حسب تصنيفنا ـ أكثر من سواه 0 ولم يكونوا أيضا يرون أن هناك وسواسا مرضيا كما يراه الأطباء في العصر الحديث ؛ ولذلك يتألم مريض الوسواس القهري جدا حينما يقرأ للإمام ابن القيم رحمه الله قوله : " فإن قال (أي الموسوس): هذا مرض بليت به ، قلنا: نعم، سببه قبولك من الشيطان ، ولم يعذر الله أحدا بذلك ، ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أخرجا من الجنة ، ونودي عليهما بما سمعت ، وهما أقرب إلى العذر لأنهما لم يتقدم قبلهما من يعتبران به ، وأنت قد سمعت وحذرك الله من فتنته وبيَّن لك عداوته وأوضح لك الطريق؟! فما لك عذر ولا حجة في ترك السنة والقبول من الشيطان " 0 ولعله يلاحظ أن الإمام ابن القيم قد جمع في مقولته بين النوع الأول وهو ما حدث لأبينا آدم وأمنا حواء ، وبين النوع الثالث وهو حال مرضى الوسواس القهري ، وناقش النوعين على أنهما نوع واحد إن صح ابتداء تصنيفنا للوسواس إلى تلك الأنواع الثلاثة 0 ومما يؤلم الموسوسين أيضا اجتهاد بعض طلبة العلم بالاستشهاد بالأحاديث التي تنهي عن التنطع والغلو في الدين في حق الموسوسين مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فتشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار: رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) 0