ثانيا ـ العوامل الفسيولوجية : الاختلال في وظائف بعض الأعضاء قد يكون السبب في ظهور الفصام ، كاضطراب الغدد الصماء أو الخلل الوظيفي ( الفسيولوجي ) في الدماغ0 أما الاختلال الوظيفي لغدد الصماء ، فقد وجد بعض الباحثين أن الفصامي لديه انحراف عن التكيف الهرموني السوي للضغوط والإجهاد 0 وقد وجد أن الفصاميين يبدو عليهم قلة نشاط الغدة الأدرينالية للضغوط والإجهاد الفسيولوجي والنفسي 0 ونشاط الغدة الأدرينالية يعد عنصرا جوهريا في الاستجابة الملائمة للإجهاد والضغوط 0 والمعروف في مجال الطب العقلي ، أن الأدرينالين هرمون يعتبره البعض أنه المسؤول عن عدد من الاضطرابات النفسية ، ولذلك يشار إليه بأنه ( عقار الإنذار ) لأنه يزيد من ضغط الدم ، ونبضات القلب ، كما أنه مرتبط عامة بمجالات الاستثارة 0
وارتبط الأدرينالين بالفصام بعد أن لوحظ أن التركيب الكيميائي للأدرينالين يشبه تركيب مادة المسكالين Mescaline التي هي عقار يؤدي إلى الهلاوس والتي مشتقة من مادة Ergot 0 ولذلك فقد قدر العلماء أن تمثيل الأدرينالين قد يتخلف عنه ناتج كيميائي يؤدي إلى الهلاوس وإلى الفصام ، أي أن فرضية الفصام تذهب إلى القول أن الفصام نتيجة لخلل يصيب عملية تمثيل الأدرينالين ، والخلل يؤدي بدوره إلى توليد بعض المواد المؤدية إلى الهلاوس 0 وفرضية الأدرينالين ترتكز على حقيقة شوهدت على أن العناء النفسي Psychological Stress يولد كميات كبيرة من الأدرينالين 0 أما عند الأسوياء فإن الفائض من الأدرينالين ينحل إلى مواد مؤكدة لا ضرر منها يستطيع الجسم بعد ذلك أن يتخلص منها بسهولة بصورة طبيعية 0 وأما في الفصاميين فيظن أن عملية التأكسد يعتريها الخلل ، والذي يترتب على هذا أن يتحول الفائض من الأدرينالين إلى مادتي الأدرينو كروم Adreno chrome والأدرينو لوتين Adrenolutin ، وهما مادتان كيميائيتان يظن أن لهما القدرة على إحداث الهلاوس 0 ثم تدخل هاتان المادتان إلى المخ فتحدثان الاضطراب الإدراكي ، والخلط اللذين يتميز بهما الفصام 0
ثالثا ـ العوامل الكيماوية الحيوية Biochemical : لقد تم دراسة عدد كبير من المواد الكيماوية باعتبارها سببا محتملا للفصام ومنها :
1ـ نظرية فعل الدوبامين ، التي أشارت إلى أن الأمفيتامين الذي يحرر الدوبامين يزيد الحالة الفصامية شدة وتنشيط التوهم الزوري الذي يميل إلى الإزمان 0 أما المواد الكابحة للدوبامين فهي تحسن الهلوسات والتوهمات 0
2ـ نظرية فعل الأندورفين ، وهي الأكثر حداثة ، حيث يوجد ثلاثة أنماط من الأندورفينات : ألفا ، وبيتا ، وغاما ، فتحدث الاضطرابات الفصامية نتيجة لاختلال التوازن بين الإندورفينات الثلاثة وخصوصا لاضطراب تقويض الإندورفين غاما 0 وقد تبين أن تراكم الأندورفين بيتا يؤدي إلى الحالة الجمودية التخشبية ، في حين تراكم ألفا يؤدي إلى لوحة سريرية زورية هذائية 0 وقد درست أيضا مواد أخرى وأهمها : السيروتونين ، والجلوتين فضلا عن دور كل من المناعة والفيروسات 0
كما أن بعض الباحثين كشف عن الآثار الدالة على مواد كيماوية سامة في دم الفصامي وفي دماغه أيضا 0 فالسموم أو التوكسينات البيوكيماوية في دماغ المريض قد تكون من الأسباب الممكنة للذهان 0 إن أول ما بدا أول الأمر من اضطراب بيوكيماوي في الفصام هو أمر مبالغ فيه ، فقد كانت الدعاوي المتحمسة تتلوها على الدوام نتائج سلبية أو مناقضة وبخاصة أن الدراسات البيوكيميائية الأولى لم تأخذ بعين الاعتبار آثار المكوث في المصحات العقلية لفترة طويلة ، أي أن مرضى الفصام في هذه الدراسات كان تاريخهم يتضمن فترات من سوء التغذية ، أو التلوث أو العلاج بالعقاقير لفترة طويلة 0وقد غاب عن أذهان الباحثين أن أمثال هذه العوامل قد تسبب فروقا كبيرة في اختبارات أمصال الدم وتحليل البول 0 ولتصحيح مثل هذه الأخطاء ليتسنى لنا التقدير الصحيح لما يدعيه الباحثون في الكيمياء الحيوية أجرى المعهد القومي للصحة العقلية National Institute of Mental Health مشروعا كبيرا للبحث ، وقد خرجت نتائج هذا المشروع تلقي ظلالا كثيفة من الشك على بعض النتائج التي قررها الباحثون من قبل ، وترد هذه النتائج إلى المستويات الصحية السيئة ، وإلى التغذية غير الكافية ، وما إلى ذلك من العوامل 0
رابعا ـ العوامل الجسمية : يربط البعض بين الفصام وبين النمط الجسمي النحيل ، ولقد لا حظ ( كرتشمر ) أن الفصاميين يميلون نحو البنية النحيلة ، كما لاحظ أن حوالي ثلثي المرضى كانوا من هذا النوع من البنية الضيقة ، ومع ذلك فقد استعرض ( ريس ) تقارير البحوث واستنتج من ذلك أن الفرض التكويني لدى ( كرتشمر ) لا يجد إلا بعض التأييد 0 ومن بين هذه الدراسات التي قام بها ( كلاين ) و ( تيني ) بفحص 455 من الفصاميين الذكور ، فوجد أن 26% منهم من النوع النحيل فقط 0
خامسا ـ العوامل الأسرية : إن اضطراب العلاقة الشخصية المبكرة بين الوالدين والطفل وخاصة الأم ، وكذلك الحال مع الأب القاسي أو السلبي ، من أسباب حدوث اضطراب الانفصام ، لأن اضطراب المناخ الأسري والمحيط الطفلي والبيئة التي تحيط بالطفل وهو يناضل من أجل النشأة السوية تسبب صراعا نفسيا في مرحلة الطفولة ينشط مرة أخرى في مرحلة المراهقة نتيجة لأسباب مرسبة تساعد على نشوء الفصام 0
• كيف تسهم الأسرة في نشأة الفصام ؟ :
لقد وضعت نظريات أو فروض عديدة من خلال الممارسة العيادية والفروض هي :
1ـ التعلق العاطفي Attachment : يعكس الفصان تمزقا في الارتباط بين الطفل والوالدين ، وأن بناء الثقة الأساسية يكون ممزقا ، وينتج عن ذلك خوف من الفقد والانفصال والانسحاب 0
2ـ الترابط المزدوج : يمكن أن تسبب أشكال معينة من العلاقات بين الوالدين والطفل بسلوك الفصان ، ويقوم الوالد بالاتصال بالطفل بطرق مختلفة تتطلب استجابات متناقضة ، فيقول مثلا : " لا تكن مطيعا تماما " ، " افعل ولا تفعل " ، ويتعامل الطفل مع هذه المتناقضات بطرق انسحابية 0
3ـ الشقاق وعدم التماثل بين الزوجين : حيث يكون الوالدين في صراع واضح ويحاول كل واحد منهما أن يجند الطفل إلى جانبه 0 وفي حالات أخرى يكون هناك انحراف زواجي بحيث يسيطر أحد الوالدين بشدة على الآخر 0 إن الشقاق وجو المشاحنات الأسرية ، والطلاق والانفصال لها عواقب وخيمة على الأبناء 0
سؤال ـ هل الخصومات والمشاحنات وتوتر العـلاقة بين الوالدين تؤثر في سلوك الأبناء وتربيتهم ؟‍ 0
الجواب : تشير الدراسات إلى أن المشاحنات والخلافات تؤثر على سلوك الأبناء وعدم الوصول بهم إلى الطريقة المثلى في التربية 0 وتشير المشاحنات إلى الخلافات التي يمكن أن تقع بين الوالدين ، وتبدو في أشكال سلوك كلامي وحركي متعدد الأنواع ، وتخلق في البيت جوا من التوتر يؤثر في حياة الأبناء تأثيرا بالغا 0 والخلافات بين الوالدين يمكن أن تقع والأصح القول أنها كثيرا ما تقع ، ولكن بعضهم لا يذهب فيها إلى أكثر من حدود المناقشة (( المهذبة )) بحيث تنتهي المناقشة إلى بعض الحلول المنطوية على الكثير من التسامح عند الطرفين 0 ويكثر في أمثال هذه الحوادث البسيطة أن يبعد الوالدان جو مناقشتهما عن الأولاد حرصا على حسن تربيتهم 0 إن جو المشاحنات في الأسرة من أشد الأجواء تأثيرا في إيجاد صعوبات في التكيف تعرقل حسن نمو الأبناء 0 فإذا انتهت المشاحنات إلى انقطاع كامل أو ما هو قريب منه في العلاقة بين الوالدين وأصبح البيت متصدعا أو مهدما ، غدا البيت من الجحيم في نظر الأبناء ، وقد رأينا الكثير من الأمثلة عن تأثير هذا الجو في جنوح الأحداث ، وتصبح التربية للأطفال في جو مثل هذا غير صالحة وكافية ولا يأخذ الأطفال نصيبهم منها 00 وإذا انفصلا الأبوين عن بعضهما أو عاشا معا لكنهما ليست بينهما أي مودة أو اتصال أو تقارب عاش الأبناء أجواء الطلاق النفسي والذي هو أشد وقعا وتأثيرا على نفسياتهم من الطلاق والانفصال الحقيقي 0
4ـ الارتباك والحيرة Mystification : يمكن أن يكون الفصان الملاحظ لدى بعض الأطفال وسيلة عقلية عملية للتعامل مع الوالدين اللذين يتصرفان بطرق غير ثابتة ومرتبكة
5ـ التعلم الاجتماعي : قد يكون التدعيم الفارق الذي تقوم به الأسرة أساسيا في تعلم السلوك الفصامي ، ويتلاشى السلوك السوي نظرا لتجاهله ، ويدعم السلوك الغريب Bizarre عن طريق توجيه الانتباه إليه 0
6ـ الأم الفصامية وراثيا : فقد تكون الأم من النوع الذي يحمي بإفراط ، أو تتسم بأنها كتومة رافضة ومنعزلة ومتحكمة لدرجة كبيرة بشكل يؤدي إلى إحداث سلوك فصامي عند الأطفال ، فتهيئ بذلك إلى خلق شخصية فصامية عند أولادها 0
فالأم المسببة للفصام مثال حي للتناقض وعدم الاتساق ، فهي انعزالية ولكنها طاغية ، وهي تبدو في ظاهر الأمر متقبلة تقوم بحماية الطفل ، ولكن هذا يكون بمثابة رد فعل لما تشعر به من رفض ونبذ ، وهي قد تتجنب العلاقة الوثيقة ، وتظل انعزالية بمنأى ، ولكنه يبدو أن لديها حاجة قاهرة إلى أن تنغمس في كل أنشطة الطفل 0 فمن المستحيل بالنسبة للطفل أن يتنبأ بما يدور في سرها ويرضيها ، زد على ذلك أن الإحباط الذي تفرضه الأم على الطفل يكون متغيرا متقلبا غير ثابت ، ولذلك فإن الطفل يشعر بالحيرة ولا يدري كيف يتعامل معها 0 فيبدأ الطفل بالانسحاب الفعلي كوسيلة ليدفع عن نفسه شر هذه الأم كثيرة المطالب غير المتناسقة أو المتناقضة والتي تتدخل في شؤون حياته 0