• الفصام Schizophrenia
• لمحة تاريخية :
هذا المرض موجود منذ زمن بعيد وأول وصف لهذا المرض يرجع إلى عام 1400 قبل الميلاد وفي مخطوطات طبية هندية 0 ويعرف بالصورة التي تقترب من الصورة التي نعرفه بها الآن إلا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بصورة غير واضحة وغير دقيقة حتى جاء بروفسور ألماني في الطب النفسي من جامعة ميونيخ اسمه إميل كربلين عام 1896 والذي يعتبر أول من وصفه بصورته الحديثة وبشكل واضح وأطلق عليه مرض ( الخرف المبكر ) وظل يحمل هذا الاسم حتى جاء طبيب نفسي سويسري هو يوجن بلوير عام 1911 وأطلق عليه مرض الفصام والذي مازال يستخدم حتى الآن 0 ويقول ( عبد الله ، 2001 ) : " أول من وصف الصورة السريرية لما يعرف حاليا بالفصام هو الطبيب النفسي مورل Morel حين وصف حالة صبي في الرابعة عشر من عمره يعاني من تدهور عقلي متطور ، وذلك عام 1860 ، حيث استخدم مصطلح الخبل المبكر Dementia Praecox لوصف هذه الحالة 0 وقد اعتمد الطبيب النفسي الألماني ( كريبلين ) المصطلح نفسه أيضا حين عمل أستاذا للطب النفسي في ميونخ عام 1887 ، وقد اعتبره مرادفا للفصام الطفلي والشبابي تمييزا عن الفصام التخشبي 0 وقد عرف الخبل المبكر بأنه زملة من الهلوسات والتوهمات ، أو الهذيان واضطرابات انفعالية يرافقها السلبية وضعف الانتباه 0 وفي عام 1911 نشر يوجين بلويلر دراساته عن الخبل المبكر وأسماه الفصام Schizophrenia وبلويلر ( 1857ــ 1939) طبيب نفسي سويسري عمل أستاذا للطب النفسي في زوريخ ، ومن تلامذته كارل يونغ ، وكارل إبراهام ، حيث اتصلوا جميعا بفرويد وأصبحوا أعضاء في الجمعية الدولية للتحليل النفسي 0 لقد صاغ بلوير مصطلح العقلية وتفككها وقد ألح بلوير على تفكك الارتباطات في الأفكار والإدراك إضافة للانفصال عن الواقع 0 فالميكانزم أو الآلية الرئيسية وراء الأعراض الفصامية ، هي تفكك الارتباطات 0 ومن الخصائص الأخرى أيضا التناقض الوجداني Ambivalence والانطوائية الزائدة أو الانغلاق على الذات Autism 0 وقد استخدم مانفريد بلويلر Mandred Bleuler مصطلحات والده واستمر في متابعة أعماله حين نشر في عام 1970 دراسته التتبعية لعدد كبير من الفصاميين ، مبينا أن الغالبية العظمى منهم يتحسنون بعد المعالجة المنظمة 0 ومن الشخصيات البارزة في بحوث الفصام ( أدولف ماير ) الذي عمل في مشفى ( جون هوبكنز ) في الولايات المتحدة الأمريكية ، وترأس المدرسة النفسية الحيوية أو البيولوجية Psychobiological School القريبة جدا من المدرسة الظاهراتية في علم النفس والتي أقامها ( كارل ياسبرز ) 0 لقد اهتم ماير بدراسة المريض وفهمه باعتباره إنسانا فريدا ، وأن فصامي ظروفه 0 من هنا فقد توسعت نظريته لتشمل كل العوامل الحيوية والعضوية والنفسية والاجتماعية منطلقا من وحدة الجسم والعقل 0 وبالرغم من أنه استخدم مصطلحا آخرا للفصام وهو Paregasia ( ولم يلاقي قبولا ) إلا أنه اعتبر الفصام استجابة لظروف الحياة الضاغطة ، وهو انسحاب إلى حالة مرضية بسبب عدم قدرة الشخص على مواجهة هذه الضغوطات " 0 ( عبد الله ، 2001 ) 0
• معنى الفصام Schizophrenia :
إن مصطلح Schizophrenia مشتق من أصل لا تيني ، ويعني انقسام Schizin العقل Phren 0 والفصام مرض عقلي يمزق العقل ، ويصيب الشخصية بالتصدع فتفقد بذلك تكاملها وتناسقها الذي يوائم بين جوانبها العقلية والجسمية والانفعالية والسلوكية الحركية 0 فكل جانب منها أصبح في واد منفصل عن الجوانب الأخرى 0 والعرض البارز فيها هو البلادة العاطفية ، وعدم الاكتراث للحوادث المحيطة ، فلا يهتم المصاب بمظهره ولباسه ، ولا يخجل ، فيضحك بلا سبب ، وتسيطر عليه هلوسات وهذيانات متنوعة ، حيث يصبح منسجما مع الواقع ويعيش في عالمه الخاص 0ويعتبر مرض الفصام الذهاني (schizophrenia) أهم الأمراض العقلية ــ ومن الأخطاء الشائعة ما يسميه البعض بانفصام الشخصية ــ ويشكل المصابون بهذا المرض أكثر نزلاء مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية نظراً لصعوبة هذا المرض وتأثيره على المريض وعائلته وكذلك على المجتمع 0
• تعريف الفصام :
1ـ هو مرض الفصام هو مرض عقلي يتميز بمجموعة من الأعراض النفسية والعقلية مثل الهلاوس السمعية ونادراً الهلاوس البصرية، وكذلك اضطرابات التفكير مثل الضلالات. وتؤدي هذه الأعراض إن لم تعالج في بدء الأمر إلى اضطراب وتدهور في الشخصية و السلوك 0
2ـ ويُعرف أيضا بأنه : مجموعة أمراض عقلية تشترك بأغراض أساسية متشابهة كالتفكير المفكك غير الواقعي ، والانفصام العاطفي ، والابتعاد عن الحقيقة والواقع ، والتدهور في الشخصية والسلوك 0
3ـ ويعرفه البعض بأنه : مجموعة من التفاعلات الذهانية التي تتميز بالانسحاب من الواقع والتدهور في الشخصية مع اختلال شديد في التفكير والوجدان والإدراك والإرادة والسلوك
4ـ ويعرفه البعض بأنه : مرض ذهاني يؤدي إلى عدم انتظام الشخصية ، فالمريض يعيش في عالم خاص بعيدا عن الواقع 0
5ـ ويعرفه البعض بأنه : مجموعة من ردود الفعل الذهانية التي تتميز باضطراب أساسي في العلاقات مع الواقع وتكوّن المفاهيم ، واضطرابات انفعالية وسلوكية وعقلية من درجات واختلاطات متنوعة 0
6ـ ويعرفه البعض بأنه : اضطراب عقلي لا يوجد له أساس معروف ، ويتضمن تفككا في وظائف الشخصية الإدراكية ، والمعرفية ، والانفعالية 0
7ـ ويعرفه البعض بأنه : مرض ذهاني يؤدي إلى عدم انتظام الشخصية وإلى تدهورها التدريجي ، والانفصام عن العالم الواقعي الخارجي ، وانفصام الوصلات النفسية العادية في السلوك ، والمريض يعيش في عالم خاص بعيدا عن الواقع ، وكأنه في حلم مستمر 0 مدى حدوث الفصام وانتشاره :
يظهر الفصام كاضطراب عقلي لدى الصغار تدريجيا حتى يتضح في المراهقة والرشد ، ويظهر في 50% من الحالات بين سن 15 ــ 30 ، وفي 75% من الحالات قبل سن الثلاثين ، وهو يصيب الرجال والنساء بالتساوي 0 وبعض الدراسات الاحصائية تشير إلى أنه يظهر بشكل أكثر تبكيرا لدى الذكور في عمر الرابعة والعشرين ، أمّا لدى الإناث حوالي الثامنة والعشرين 0 هذا بشكل عام بغض النظر عن أشكاله الفرعية 0 فقد تبين أن أحد أشكاله وهو الفصام الزوري ( الهذائي ) أكثر حدوثا لدى الذكور 0 والفصام من أكثر الاضطرابات الذهانية انتشارا يحدث لدى ما يقرب من 1% من مجموع السكان 0 ويبلغون نسبة 33% من الذين يدخلون المستشفيات العقلية لأول مرة ونسبة 50% منهم يعانون حالات فصام مزمن Chronic 0 وتشير بعض الإحصاءات في روسيا إلى أن الفصاميين يمثلون 20% من المرضى الذين يتلقون علاجا خارجيا مديدا ، وثلث الذين يدخلون المستشفى بسبب اضطرابات نفسية حادة ، وثلثي النزلاء من الحالات المزمنة ، أما بعض الإحصاءات الفرنسية عام 1980 فتشير إلى أن 26 ألف مريض فصامي يقيمون في المستشفيات ويمثلون 25% من المرضى الفصاميين الذين يتلقون المعالجة 0 هذه الإحصائيات كلها تعبر عن انتشار الاضطراب العقلي الفصامي 0 كما أن هذا المرض عبء باهظ على الفرد والمجتمع ، والأرقام على فداحتها لا تمثل تماما ما تتعرض له الإنسانية من خسارة 0 إضافة إلى ذلك أننا على الرغم من جسامة مشكلة الفصام لم نحرز إلا تقدما قليلا تجاه الفهم النهائي لمصادر المرض وعلاجه 0 ويحدث الفصام بين الأفراد من مستويات الذكاء والميادين كافة ، ولكنه يكثر في الطبقات الاجتماعية الدنيا ، وربما يعود ذلك إلى كثرة الضغوط ومتاعب الحياة لدى أبناء هذه الفئات ، ويكثر حدوثه في المدن الكبيرة والأحياء المزدحمة التي تكثر فيها حالات الانحراف والشذوذ 0
ويذكر (Howells,J ,1989) : " أن بعض الدراسات بينت في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية أن المولودين الأوائل أكثر عرضة للفصام من المولودين أخيرا ، ويسود اعتقاد عند البعض على أنه ينتشر في مواسم معينة ، فهو يزدهر في الربيع وأوائل الصيف ، ولا يوجد تفسير علمي لذلك " 0
• كيف يبدأ الفصام ؟ :
1ـ حالة هياج تأخذ شكل النمط الهوسي ، وقد يكون الهياج عفويا ، أو متميزا بالألم 0
2ـ حالات هذيانية توهمية حادة 0
3ـ الهمود الحاد ، حيث يقسم البدء الهمودي للفصام بأحاسيس بالغرابة والسخافة وأفكار التعقب متمركزة حول موضوع محدد 0
4ـ حالات تخليط ذهني ، حيث يشاهد في العديد من حالات الفصام على شكل اضطراب بالوعي ، وفي النشاط النفسي ، واضطراب في التوجه الزماني والمكاني ، وتدني اليقظة ، يرافقه تبلد فكري وذهول 0
5ـ قد تكون البداية ليست حادة وإنما بطيئة وخفيفة ، كأن تبدأ بشكل عصابي كاذب : قلق دائم يسقط على موضوع محدد وخوف من مواقف معينة ، وسلوك إنسحابي ، وسلوكيات نمطية وسواسية وأفكار روحانية وبرود مع صمت 0
6ـ تراجع في المردود الذهني والعملي والانتاجي مثل : الفشل في الدراسة أو العمل بعد نجاح دائم 0 وإهمال في الأنشطة التي اعتاد عليها الشخص ، مثل : الرياضة أو القراءة أو الموسيقى 0 وتبدل في المزاج مثل : لا مبالاة ، وإهمال الذات ، والعبوس والانطواء 0 واضطرابات سلوكية واجتماعية ، مثل : الانضمام للمجموعات الهامشية والمنعزلة 0 أما الاجتماعية فينضم للمتشردين والمنحرفين والمدمنين ، واهتمام بالسحر ، والدين والفلسفات الدينية والروحية 0
ـ الشخصية الفصامية قبل المرض Schizoid Personality : تعتبر الشخصية الفصامية بمثابة التربة التي ينمو فيها الفصام ، وتتسم الشخصية الفصامية بما يلي :
أ ـ العزلة والوحدة والكتمان والتحفظ والانغلاق على الذات 0
ب ـ ضعف العلاقات الاجتماعية ، وتفضيل الأنشطة الفردية 0
ج ـ صعوبة التعبير عن المشاعر والحساسية الزائدة 0
د ـ العناد والخجل ومواجهة الواقع بأساليب إنسحابية هروبية ، كالاستغراق في الخيال ، وأحلام اليقظة 0
• الأعراض المميزة للشخص الفصامي :
1ـ اضطراب التفكير : وخاصة في المحتوى والسياق ، وهو الاضطراب الرئيسي في الفصام 0
2ـ اضطراب الإدراك : وأهمها الهلوسات ، وهي :
أ ـ الهلوسات السمعية : حيث يسمع المريض أصواتا قادمة إليه من الخارج ، وقد تكون هذه الأصوات مألوفة ، وقد تكون صوتا واحدا خاصا ، أو أصوات متنوعة يشعر بأنها متوجهة إليه وتسير سلوكه ، وقد يستجيب لبعض الأصوات والأقوال مما يضعه في موقف خطر 0
ب ـ الهلوسات اللمسية : وتضم إحساسات كهربائية وشعور بالوخز أو الاحتراق 0
د ـ الهلوسات الجسمية : كالإحساس بوجود أفعى يزحف على بطنه أو في داخل جسمه 0
هـ ـ الهلوسات البصرية والذوقية : هي الأقل شيوعا من بين الهلوسات الأخرى 0
3ـ الانفعال : حيث تحدث اضطرابات انفعالية وجدانية متنوعة ، مثل : التبلد الحسي والسطحية وعدم تناسب الانفعالات مع مثيراتها 0 ففي حالة التبلد الانفعالي يحدث ضعف حاد في التعبيرات الانفعالية عند المريض 0 وفي حالة السطحية لا نجد أية دلائل عن التعبيرات الانفعالية بحيث يبدو الوجه وكأنه لا حياة فيه ، أي جامد وبارد 0 أما في حالة عدم تناسب الانفعال فإننا نجد انفعالات المريض متعارضة مع كلامه ، كأن يبتسم وهو يتحدث عن عذابه وعن الصدمات الكهربائية التي تلقاها 0
4ـ الإحساس بالذات : إن الشعور بالذات الذي يقدم للشخص السوي شعورا بالفردية أو التميز والتوجه الذاتي يكون مضطربا عند الفصامي ، ويعزي ذلك إلى تفكك الأنا ، ويبدو على شكل ارتباك وحيرة حول الهوية الذاتية والتجربة الخاصة 0 وقد يبدو ضعف الشعور بالذات من خلال تلك التوهمات واضطرابات التفكير السابقة وخاصة تلك المتعلقة بعدم قدرة الفصامي على السيطرة على أفكاره ، وسيطرة أفكار غريبة وخارجية عليه 0
5ـ الإرادة : يوجد عند الفصاميين اضطرابات في المبادأة الذاتية والأنشطة الهادفة بحيث يحدث ذلك خللا في العمل والوظيفة والسلوك الإنتاجي 0 وقد يبدو على شكل ضعف الاهتمام وعدم الاكتراث وعدم إتباع الأعمال وإنجازها حتى غاياتها المنطقية والواقعية ، ويتأثر ذلك كله بما يعانيه من تناقض انفعالي 0
6ـ العلاقة مع العالم الخارجي : يتميز المريض الفصامي بالإنسحاب من الواقع أو الانخراط في العالم الخارجي ، ويرافق ذلك تمركزا حول الذات Egocentrism والانشغال بأفكار غير منطقية وأحلام وتخيلات بموضوعات غامضة 0 وعندما تكون هذه الحالة متطرفة وحادة فإنها تعود أصلا إلى الإنطوائية الذاتية والانغلاق على الذات ، ويمكن للآخرين أن يشاهدوا انشغال الشخص بعالمه الذاتي والداخلي وانفصاله عن العالم المحيط به 0
7ـ السلوك النفسي / الحركي : يشاهد العديد من أشكال السلوك النفسحركي المضطرب عند الفصاميين وذلك في الحالات الحادة والمزمنة 0 ويظهر الضعف الواضح في ردود الأفعال والاستجابة للبيئة مع قلة الحركات والأنشطة العادية 0 وفي الحالات المتطرفة يصبح المريض غير واع بطبيعته البيئية من حوله كما هو في حالة الفصام التخشبي حيث يبقى المريض في وضعية نمطية واحدة ، ويقاوم أي محاولة تمنعه من الاستمرار عليها ، وتظهر أفعالا وحركات نمطية لا معنى لها ، وليس لها أية علاقة بالمؤثرات البيئية ، وقد تأخذ الوضعيات والحركات أشكالا غريبة وسخيفة غير مناسبة 0
8ـ أنواع أخرى ذات صلة : يبدو المريض مرتبكا ومشوشا وغير مرتب 0 وتكون ضروب من الشذوذ في النشاط النفسي / الحركي في السير والانطلاق والتأرجح والاهتزاز والجمود في الحركة شائعة ، كما أن هناك فقد واضح الكلام ، والكلام يقوله له يتميز بأنه غير مناسب أي إجابة غير مناسبة للسؤال ، وغير دقيق ، ويرافقه سلوك نمطي متكلف يرتبط بالتفكير السحري ، وضيق حاد عارم ، وربما تأخذ شكل الاكتئاب أو القلق أو الغضب أو مجموع هذه الحالات معا وهناك كذلك تبدد الشخصية واضطراب الحقيقة الخارجية وأفكار التعقب ( المرجعية ) والخداع الحسي مع الانشغال بالبدن 0 ولا وجود لأي خلل في المراكز العصبية بالاحساسات 0 ومع الزمن يصبح الفرد أكثر تشويشا وارتباكا من صعوبة التوجه والسيطرة ، إضافة إلى خلل الذاكرة وفقدانها ( كليا أو جزئيا ) 0