قرأت اليوم هذا الموضوع والذي يتعلق بوجود مجهولين في العاصمة الرياض ولكن مع اختلاف الجنسيات وطريقة السكن .فإذا كان ذلك في العاصمة مقر الحكومة والملك والأمراء والوزراء ووزارة الداخلية والبلدية والادارة العامة للأمن فكيف سنكون نحن هنا في محافظة صامطة

اليكم الخبر من الرياض: خالد الفارس جريدة الوطن

قرية الخشب مستعمرة العمالة الهاربة تزدهر في "فجوة المسؤولية" بين الشرطة والبلدية
سكانها وتجارتها خارج النظام وزعيمهم إمام مسجدهم
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
أطباق الفضائيات تغطي أسطح المنازل

قرية عشوائية تضم الآلاف في جنوب الرياض
ومركز اقتصاد العمالة البنجالية الهاربة



زعيم القرية سيف الرحمن لـ"الوطن":
نبيع كل يوم خشباً بـ 300 ألف لحراج ابن قاسم


في جنوب الرياض، وعلى بعد نحو نصف ساعة من وسط العاصمة، وفي منطقة صحراوية كانت خالية من مظاهر الحياة قبل سنوات قليلة فقط، تقع خلف حي المنصورية، نشأت نواة لمدينة "اقتصادية" جديدة ولكنها ليست كتلك المدن التي يحلم بها المواطن السعودي ويتطلع إليها.
إنها "قرية الخشب" العشوائية، مركز العمالة البنجالية الهاربة، ومركز تجارة تدوير الأخشاب ولا يهم هنا مصدرها مستخدمة كانت أم مسروقة. يقطنها مئات من العمال الهاربين بصورة دائمة، ويرتادها "الشرعيون" منهم خلال نهاية الأسبوع للترفيه وتزجية بعض الوقت مع رفقائهم، وفي بقية الأيام لقضاء أعمال تجارية والتزود ببضائع معروضة منها المشروع ومنها غير ذلك.
"الوطن" زارت قرية الخشب خلال الأسبوعين الأخيرين عدة مرات آخرها يوم الجمعة الماضي. ورصدت نجاح سكانها في اختيار موقع استراتيجي، فالقرية تقوم وسط أرض صحراوية منخفضة، تحيطها تلال جبلية تحميها من تسلل الغرباء، وهي محروسة على مدار اليوم والليلة بحراس وظيفتهم التعرف على كل من يدخل ويخرج منها، والطريق الوحيد المؤدي إلى القرية مزود بـ (مطبات صناعية) لتخفيف سرعة السيارات القادمة إليها.
مراسل الصحيفة قدم نفسه كتاجر أخشاب غير سعودي، مستفيدا من معرفته بتاجر أخشاب مصري الجنسية يدعى "محمد أبو راس" يحظى بثقة زعيم القرية وإمامها "سيف الرحمن عماد الدين" وسهل عملية اللقاء به، وبعد سلسلة من الجولات الصباحية والمسائية، خرج الزميل بانطباع أن القرية بؤرة لـ "خلل أمني" كبير لابد من معالجته.
المسؤولون الذين التقت بهم "الوطن" على علم بأحوال مستوطنة قرية الخشب غير الشرعية، وهي بالنسبة لبلدية العزيزية التي تتبعها المستوطنة إداريا "مجرد تعديات" بحسب رئيس البلدية المهندس محمد النفيعي ردا على استفسارات الصحيفة. أما الشرطة فتقول "ليس لشرطة الرياض أي تدخل في المنازل العشوائية التي تقع تحت مسؤولية البلدية" وفق جواب الرائد سامي الشويرخ الناطق الرسمي لشرطة الرياض، والذي حدد دورها بالاستجابة "عندما تردنا بلاغات أو معلومات نتحرك على ضوئها".
يقول زعيم القرية "سيف الرحمن عماد الدين" لـ الوطن إنه نصب زعيما لكونه أقدم سكان القرية وأكبرهم سنا. وعبر عن سلطته المطلقة على المستوطنة قائلا "أنا هنا كل شيء، ولا أحد يستطيع أن يعمل أي شيء إلا بإذني". ويصف نشاط سكان القرية من أبناء جلدته بأنهم "جميعا يعملون في صناعة الخشب، وبعض المجالات الخاصة بتقنية الاتصالات والحاسب الآلي" والأخيرة تعني تجارة تمرير المكالمات الهاتفية الدولية. وأضاف "لدينا كميات كبيرة من الأخشاب والطلبيات الخشبية لمقاولي البناء، ونستطيع توفير أي كمية يطلبها الزبون".
وقدر سيف الرحمن قيمة مبيعات الأخشاب والخردوات المتنوعة التي يوردها يوميا لحراج ابن قاسم الشهير في الرياض بأنها تبلغ نحو 300 ألف ريال. وعن مصدر الأخشاب ومن أين يحصلون عليه، رفض زعيم القرية الإجابة، واستشاط غضبا طالبا منا مغادرة المكان والخروج فورا.
قبل خروجنا من القرية استوقفنا سائق شاحنة صغيرة محملة بالأخشاب في طريقه للخروج اسمه (محمد مجيد الرحمن) وسألناه عن رأيه في ما يحدث هنا أجاب بلغة عربية ركيكة ما معناه "كل من تراهم هنا هاربون من رجال أمن الجوازات، وبينهم حرامية ولصوص يتعاملون ببيع الأخشاب المسروقة، وبطاقات تشفير القنوات الإباحية، وتمرير المكالمات الهاتفية". وبسؤاله عن سبب وجوده هنا رد بقوله " أقوم بشراء كميات من الخشب لبيعها في حراج ابن قاسم، وأكسب بعض المال حتى أستطيع العيش".
ويقول محمد أبو راس وهو دليلنا إلى القرية، والذي كانت معرفته بالسكان جواز المرور إلى داخلها " في هذه القرية تحدث ممارسات لكل الممنوعات، مستغربا بقاء هؤلاء ومعظمهم من العمالة غير النظامية ونجاتهم من الحملات الأمنية داخل الرياض". مضيفا " أن كثرة الحملات الأمنية لرجال الجوازات خاصة مع نهاية الأسبوع جعلتهم يبحثون عن مكان خارج النطاق العمراني وبعيدا عن عين الرقابة لممارسة حياتهم بالشكل الذي تراه".
ومن الصعب تحديد عدد سكان القرية، غير أن اتساعها يجعل من المنطقي تقدير الرقم بأكثر من ألف نسمة فيها، والذي يحظر على الغرباء زيارتها، وجلهم من العمالة البنجالية الهاربة من عيون فرق أمن الجوازات خوفا من الترحيل. وينشطون أيضا في بيع الخردوات وأسلاك الكابلات النحاسية، ومخلفات أجهزة الكمبيوتر القديمة.
وبجهود ذاتية قاموا بتوفير الخدمات الضرورية للحياة. مولدات كهربائية تخدمها مئات براميل الديزل كوقود، وخزانات مياه، وبقالة ومطعم، إلى جانب مسجد يحرصون على الصلاة فيه جماعة خلف زعيمهم (سيف الرحمن)، الذي يحثهم ـ بحسب أحد سكان القرية ـ على أداء الصلاة في وقتها "شكرا لله على ما هم فيه من نعمة".
والقرية مزودة بشوارع رئيسة وفرعية، وعلى أسطح أكثر من 300 (صندقة) مبنية من الصفيح والخشب، تنتشر عشرات الأطباق اللاقطة، ومساحة الواحدة منها بين 16 ـ 20 مترا مربعا، ومعظمها مزودة بمكيفات القش الصحراوية لتلطيف الأجواء شديدة الحرارة صيفا. وفي عطلات نهاية الأسبوع تستقبل القرية مئات من الزوار رجالا ونساء معظمهم من الجالية البنجالية الذين يعملون في خدمة المنازل أو كحراس بوابات للمدارس الحكومية والخاصة، وفي المقاصف المدرسية، وعمال نظافة، وباعة الأكشاك والبقالات التموينية وغيرهم، يجتمعون معا ويحيون سهرات وحفلات مختلطة تمتد حتى ساعات الصباح الأولى.
بالعودة إلى رئيس بلدية العزيزية المهندس محمد النفيعي أكد أن " البلدية قامت بواجبها على أكمل وجه، وقد رفعنا لإدارة التعديات في الأمانة بكل هذه التجاوزات، وإلى الآن لم يصلنا أي رد". وعن مدى معرفته بما تقوم به العمالة البنجالية في قرية الأخشاب قال " نعرف كل شيء ولا نستطيع عمل أكثر مما عملنا"، معترفا بوجود "300 حظيرة على ثلاثة شوارع منها شارع رئيس".
في المقابل علق الناطق الرسمي لشرطة الرياض الرائد سامي الشويرخ على هذه القضية بقوله " ليس لشرطة الرياض أي تدخل في المنازل العشوائية، وهي من مسؤولية البلدية، ودورنا يتعلق بالأمن". وعن وجود العمالة المخالفة وغير النظامية الموجودة داخل البيوت الخشبية قال " عندما تردنا بلاغات أو معلومات، فإننا نتحرك على ضوئها".
وريثما تتحرك "الشرطة"، وترد "إدارة التعديات" في أمانة مدينة الرياض على تقرير بلدية العزيزية، يستمر زعيم القرية "سيف الرحمن عماد الدين" من مسجده الخشبي المتهالك، الذي يؤم الصلاة فيه، في قيادة وإدارة مئات من أبناء جلدته في التخطيط وتوسعة محيط قريتهم غير النظامية.