خطبة إستقبال رمضان
الحمد لله رب العالمين، أمر بطاعته وأخبر أنها سبب النجاة والسرور، ونهى عن معصيته، وأخبر أنها سبب للهلاك والشرور.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور.
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، ولازموا الأعمال الصالحة، وأكثروا من فعل الطاعات، فإنها سبب للنجاة من المهلكات، العاجلة والآجلة
أمّا بعد:عبادَ الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ،فاتقوا الله عباد الله في الموارد والمصادِر، فتقواه خيرُ ما أعِدَّ لليومِ الآخر، والمتّقِي هو المنتصر والظافِر، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)0 أيها الأحبة في الله ـ يطالعنا شهرٌ وموسمٌ من أجلِّ مواسم الخير إنه موسم شهر رمضان المبارك، فأيُ رمضانٍ يكونُ رمضانُك هذه المرة؟! هل هو رمضانُ المسَوِّفِين الكسالى، أم رمضان المسارعين المجدين؟! هل هو رمضان التوبة، أم رمضان الشِقْوَة؟! هل هو شهرُ النعمةِ، أم شهرُ النِّقْمة؟! هل هو شهر الصيام والقيام، أم شهر الموائد والأفلام والهيَام؟! هذا ما يعْتَلِجُ بالفؤاد ويدُور بالخَلَد. ـ ها هو هلال رمضان سيحلَّ، ووجه سعدِهِ سيطلَّ، رمضان سيهلَّ هلاله، وتخيّم ظلاله، وتهَيْمَنَ جلاله، ويسَطَع جماله، بعد أيام يظلّنا موسم كريمِ الفضائل، عظيم الهبات والنَّوَائل، جليل الفوائد والمكارم. أيام وليالي رمضان نفحاتُ الخير ونسائم الرحمة والرضوان، فما ألذّها من أيام معطّرةٍ بالذكر والطاعة، وما أجملها من ليالٍ منوّرةٍ بابتهالات الراغبين وحنين التائبين.رمضان المنحةُ الربّانية والهبةُ الإلهية فاللهمّ بلّغنا شهرَ رمضان، وارزُقنا فيه توبةً نصوحا، تمحَى بها الأوزار ونرتقي بها إلى منازلِ الأبرار، يا عزيز يا غفّار. أخي الحبيب، إن رمضانَ فرصةٌ من فرصِ الآخرةِ التي تحمل في طَيَّاتها غفرانَ الذنوب وغسْلَ الحَوْب،هذه والله فرصة وما أعظمها، تحملُ سعادةَ الإنسان الأبدية، فأين المبادرون؟! وأين المسارعون؟!وأين المستقبلون؟ عبدالله هذه هي فرصة رمضان، فأيُ رمضانٍ يكونُ رمضانك؟! وتلك هي نعمة رمضان، فماذا أنت فاعل؟! وماذا أنت صانع؟!
أتـى رمضانُ مزرعةُ العبـادِ لتطهيرِ القلوبِ من الفسادِ
فأدِّ حـقوقَهُ قـولاً وفعـلاً وزادكَ فاتَّخـذهُ للمَعَـادِ
فمن زَرَع الحبوبَ وما سَقَاها تأوَّهَ نادِمـا يومَ الحصَـادِ
إن شهرًا بهذه الصفات وتلك الفضائل والمكرمات لحَريّ بالاهْتِبَال والاهتمام، فهل هيّأت نفسك ـ أخي المسلم ـ لاستقباله وروَّضْتَها على اغتنامه؟!لقد كان الرسولُ يبشّر أصحابه بقدوم رمضان وإتيانه، كُل ذلك شَحْذًا للهِمَم وإذْكاءً للعزائم وتهيئةً للنفوس، حتى تُحسنَ التعامل مع فرصةِ رمضان، وحتى لا تفوِّتها، وهذا شأن السلف الصالح رحمهم الله تعالى، قال مُعَلّى بنُ الفْضَلِ عن السلف: "إنهم كانوا يدعون الله جلّ وعلا ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان، ويدعونه ستةً أخرى أن يتقبّله منهم" أيها الأحبة في الله، قدوم رمضان تلو رمضان يدل على تعاقب الأيام، فالأيام تمضي، والسنون تجري، وكُلٌّ إلى داع الموت سيُصغِي:
تَمـرّ بنـا الأيـامُ تَتْـرَى وإنَّما نُسَاقُ إلى الآجالِ والعينُ تنظرُ
فلا عائدٌ ذاك الشبابُ الذي مَضَى ولا زائلٌ هذا الْمَشِيبُ المُكَدّرُ
عباد الله، ها هو شهر العزة والكرامة، شهر الجهاد والنصر، شهر الجدية والعزيمة، ها هو على الأبواب فهل آن للأمة أن تنفضَ عنها غبارَ التبعية؟! هل آن لها أن ترفعَ عن نفسها أسباب الذلة والهوان؟!
لقد زارنا رمضان مرات عديدة، فما زارنا في مرة إلا وجَدَنا أسوأ من العام الذي قبله؛ أممٌ مُتَناثِرَةٌ، وقلوبٌ مُتَنافِرَة، ودولٌ متقاطِعةٌ، وأحزابٌ مُتصارِعة، وفتنٌ مُحْدِقَةٌ، وشهواتٌ مُفرقةٌ، الأمة في مَسَاغِبِها ومجاعاتها وأمراضها.رمضان قادم بخيراته وبركاته، فكيف حال الناس؟! بل كيف حال الأمة الإسلامية؟! رمضان آتٍ والأمةُ تَمِيدُ بها الأرض جرّاءَ تسلّط الأعداء على ديارها، الأرضُ المباركةُ تعاني الذلة والهوان. رمضان آتٍ والأمة لا زالت تغالب الأمريكان في العراق وأفغانستان، رمضان آت وإخواننا في فلسطين يعانون الحصار والإحتلال من اليهود،رمضان آت والأمة تقاسي الأمرَّين وهي توصَفُ ظلمًا وزورًا بالغلّو والتطرّف والإرهاب.رمضان آتٍ ـ يا عبد الله ـ فأيُ رمضان يكون رمضانك؟! وما استعدادك؟! وما مراسم استقبالك له؟! فالناس في استقباله أقسام، فهل أنت ـ يا أخي ـ من القسم الفَرِحِ بقدومه؛ لأنه يزداد به قُرْبَى وزُلْفَى إلى ربه جل وعلا، وهذا شأن المؤمنين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)وهناك صنف ثان ـ وأعيذك بالله من حاله ـ لا يعرف ربه إلا في رمضان، فلا يصلي ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان، وهذه توبةٌ زائفةٌ ومخادِعةٌ وتَسْوِيفٌ من الشيطان، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.ويا حسرة على أقوام تُعَساء يستقبلونه بالضَّجَر والتضايق والحرج، على أنه شهر جوع نهاري وشبع ليلي. إن بعض العصاة يرونه مانعًا لهم من شهواتهم ومن مآربهم الباطلة، فهم كالذئاب في الليل تَعْوِي، وكالجيف في النهار تَخُور كما يَخُور الثور. ويا عجبًا هل يُتَأفَّف من شهر الرضوان والرحمة؟! لا والله، بل هو شهر الخير والنعمة والبركة. إن الواحد من هؤلاء ـ هداهم الله ـ يُحس بالحرمان من الشهوات، ولذلك تراهم إذا قدم رمضان غيرَ فرحين بقدومه؛ لأن هؤلاء يريدون أن يغترفوا من حَمْأَة اللذة المحرمة، أيها المسلم، إن من نعم الله تعالى عليك أن مدّ في عمرك، ومدّ في أنفاسك، وجعلك تقترب من خيرات هذا الشهر العظيم، فأدعو ربك عبدَ الله أن يبلغك أيامه ولياليه، لح على ربك فيما بقي من شعبان بدعوة الشوق والحب لرمضان قل بقلب خاشع منكسر فقير "اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلَّمَه مني مُتقبلا" فكم من طامعٍ بلوغَ هذا الشهر فما بلغه،و كم مؤمِّل إدراكَه فما أدركه، فاجَأَه الموت فأهلكه، كم حبيب لنا فقدناه،وكم قريبٍ لنا أضجعناه، وكم عزيز علينا دفناه. يا عبدَ الله، يا أمةََ الله، هل يأتي عليكما رمضان وأنتما في قوةٍ وعافيةٍ؟! فكم من إنسان صام رمضان الفائت في عافيةٍ وصحة وقوة يأتي عليه رمضان القابل وهو قعيدُ الفراش أسيرُ المرضِ. هل يأتي عليك رمضان وأنت في أمن وأمان على نفسك وأهلك ومالك؟!عبد الله رمضان شهر العبادة، فأيُ رمضان رمضانك؟! فهل استقبلته بتربية نفسك وتدريبها على العبادة؟!لماذا لا نجرّب لذّة القرآن، ولذّة المناجاة والدعاء؟! لماذا لا نجرّب وقت الأسحار وهَجِيع الليل؟! لماذا لا ننطرح بين يدي مولانا؟! فربنا ينزل في ثلث الليل الأخير نزولاً يليق بجلاله وعظمته يعرض نفحاته ورحماته، فلماذا لا نتعرّض لرحمات الله؟!
قُم في الدُّجَى واتْلُ الكتابَ ولا تَنمْ إلا كـنومـة حـائِرٍ وَلْهَـانِ
فلـربّمـا تـأتـي المنيّـة بغتـةً فتُسَـاقُ من فُرُشٍ إلى أكفـانِ
يا حبّذا عينـانِ في غَسَـقِ الدُّجَى من خشيـة الرحمـن بـاكيتانِ
فـالله ينـزلُ كُـلّ آخـر ليـلةٍ لسمـائه الدنيـا بلا نُكْـرَانِ
فيقـولُ هـل من سـائلٍ فأجيبَه فأنا القريبُ أجيبُ منْ نـادانِي
ولكن يا حسرةً على المحرومين، ويا حسرةً على المفتونين الذين يجعلون وقت السحر ووقت الاستغفار وقت النزول الإلهي فرصةً للعب واللهو ومشاهدة القنوات وتقليب الأبصار في الغانياتِ والمومساتِ، يا حسرةً على العباد. عبد الله رمضان شهر التقوى، فأي رمضان يكون رمضانك؟! هل درّبنا نفوسنا ووطَّنَّاها على هجر الذنوب و المعاصي؟! لماذا لا نفكر أن نبدل السيئة بالحسنة؟! لماذا لا نغتسل بماء التوبة النصوح من حَمْأَة الخطايا ونحن على أعتاب رمضان حتى نتلذذ بمناجاة الله في صلاة التهجد والقيام؟! أيها الأحبة في الله لنجعل ومن هذه الساعة بداية التغيير التغيير لحياة كريمة عزيزة طيبة آمنه، علَّها أن تكون هذه الساعة بداية النهاية ـ إن شاء الله ـ لكل شيء يُبعِد عن الله ويُسخِطه، ولعلها أن تكون بداية الانطلاقة الحقيقية في المسارعة إلى الخيرات وإرضاء رب الأرض والسماوات، ولعلها أن تكون بداية التغيير الذي ننشده في بلادنا فنودع بذلك الظلم والفساد والفقر والبؤس والشقاء ونسعد إن شاء الله بأمن وأمان وحب وإخاء ووئام وثقة في خالق الأرض والسماء، فحُثّوا حَزْم جزمكم،وأروا الله خيرًا من أنفسكم، فبالجدّ فاز من فاز، وبالعزم جاز من جاز، واعلموا أن من دام كسله خابَ أمله وتحقَّق فشله. عبد الله، هذا أوان الجد إن كنت مجدًّا، هذا زمان التعبّد إن كنت مستعدًّا، هذا نسيم القبول هَبّ، هذا سيل الخير صَبّ، هذا باب الخير مفتوح لمن أحبّ، هذا زمان الإياب، هذا مغتسلٌ بارد وشراب، رحمة من الكريم الوهاب، فأسرعوا بالمتاب، قبل إغلاق الباب. فبادر الفرصة، وحاذر الفَوْتَة، ولا تكن ممن أبى فلم ينل الغفران والمنى. فبادر بالعودة إلى الله، واطرق بابَه، وأكثر من استغفاره، واغتنم زمنَ الأرباح، فأيام المواسم معدودة، وأوقات الفضائل مشهودة، وفي رمضان كنوز غالية، فلا تضيِّعهابالتسويف من الآن بعدم استقبالك واشتياقك لرمضان، فإنكم لا تدرون متى ترجعون إلى الله،وإن اللبيب العاقل من نظر في حاله، وفكَّر في عيوبه، وأصلح نفسه قبل أن يفجأه الموت، فينقطع عمله، وينتقل إلى دار البرزخ، ثم إلى دار الحساب.والله يقول وقوله الحق المبين فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله0000000 لايمسهم السوء ولاهم يحزنون)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم0000000000
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
- أي أخَيّ، أتذكر كم كانت ندامتك وحسرتك حين تصرّمت آخر ليلة من رمضان الفائت؟ أتذكر كم من عبرة سكبتها وأنت تتندّم على أوقات من شهر رمضان ضاعت وليال لم تحسن اغتناما؟ أتذكر أنك عاهدت نفسك يوم ذاك أن تستقبل رمضان القادم بنفس عازمة وهمة قائمة؟ فها أنت ذا أمام رمضان جديد،فماذا ستفعل؟ هل ستبادر أم تفرط في أوقات شهرك حتى يغادر ثم تندم ولا ينفع الندم؟واعلم أن الصادق في استغلال رمضان من يتهيأ لاستقباله0أيها الأحبة اختم خطبتي بهذا الحديث الذي وقفت عنده طويلا لأنه أشعرني جلال نعمة إدراك رمضان جديد، وأشعرني أيضا بعظيم المسؤولية الملقاة على كل مسلم لم يتهيأ لإستقبال رمضان المبارك عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين قدما على رسول الله وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي. قال طلحة: فرأيت في المنام بينما أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة، فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إليّ فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله ، وحدثوه الحديث فقال: ((من أي ذلك تعجبون؟)) فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشدّ الرجلين اجتهادا ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله! فقال رسول الله : ((أليس قد مكث هذا بعده سنة؟)) قالوا: بلى، قال: ((وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟)) قالوا: بلى، قال رسول الله : ((فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)).أفرأيت كيف سبق أقل الرجلين اجتهادا لما أتيح له من فرصة العمل في العمر الممتد؟!فيا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي، يا شموس التقوى والإيمان اطلعي، يا صحائف أعمال العباد ارتفعي، يا قلوب العابدين اخشعي يا ذنوب التائبين لا ترجعي.عباد الله صلوا وسلموا0000000000