مُقدّمة استهلّ بها الشّاعر -نزار قبّاني- أٌمسيتهُ الشّعريّة في مدينة
بغداد
11 شباط ( فبراير ) 1979
الإتّحـاد العام لنساءِ العراق


أيّـتها الصّديقات
في عام 1969 جئتُ إلى بغدادٍ لأُلقيَ قصيدةً.. وبعدَ قراءة قصيدتي، ألقيتُ بقصيدةٍ إسْمُهَا ( بلقيس ) و تَزَوَّجْتُهَا..
وأقمنا قبلَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ، أَوَّلَ مُؤسَّسةٍ وَحْدَوِيَّةٍ بينَ قَلْبَيْنِ.. وبينَ وَطَنَيْن..

مُؤَسَّسَتُنَا الصَّغيرةُ هذه، كانتْ رائدةً وطليعيَّةً وشُجَاعة. وكنَّـا - بلقيسُ وأنا- نطمح إلى نكونَ مِثالاً ونموذجاً لوَحْداتٍ أُخْرى قادمة، تجعلُ سماءَ الوطنِ أكثرَ اتِّـساعاً.. ونُجُوْمُهُ أكثرَ عدداً.. وبِحَارَهُ أثرَ زُرْقَةً.. وأطفالَهُ يتكاثرونَ بالملايين، كما تتكاثر شقائقُ النُّـعمان في أوَّلِ الرَّبيع، بينَ الرُّطْبَة وأبي الشَّامات..

عَشْرُ سَنَوَاتٍ، ونحنُ ننتظرُ أنْ ينضمَّ إلى نادينا الصَّغير عشَّـاقٌ جُدُد.. يُؤْمِنونَ مثلنا، أنَّ الحُبَّ هو الحَجَرُ الأساسيُّ في تكوينِ الإنسانْ.. وفي تكوينِ الأوْطَـانْ.

كانَ نادينا صغيراً جميلاً، تلتصقُ جدرانُه ببعضها من فَرْطِ الحنانْ.. وفيهِ بُسُطٌ حمراءُ من شمالِ العراق، وستائرٌ من حريرِ الشَّام.. وبَلَحٌ من بساتينِ أبي الخصيب.. ومُشْمُشٌ، ودُرَّاٌ، من غُوطَة دمشق.. و( اسْتِكَاناتُ) شاي ٍ تُضيءُ كأنَّها شموسٌ من العقيق.. ومنٌّ وسَلْوَى، لا أدري حتَّى الآن، إذا كانتْ حلاوتُهُمَا تأتي من عند الله.. أم من شَفَتَيْ حَبِيْبَتِي...

لمْ يكُنْ نادينا يُشْبِهُ أيَّ نادٍ آخَرْ.. فلا هوَ كنادي ( لاس فيغاس)، أو ( مونت كارلو ).. أو ( كان ).. ولا هوَ كنادي ( البلاي بوي) في لندن، حيثُ ينزفُ دَمُ الدُّيوكِ العربيَّة كلَّ ليلة، وتتهشَّمُ عِظَامُهم كُلَّمَا سَقَطَتْ كُرَةُ ( الرُّوليت ) على رقمٍ من الأرقامِ..

نادينا نحنُ، أيَّـتُهَا الصَّديقات، مفتوحُ الذِّراعينِ لكـلِّ الرِّجَالِ والنَّـساء والأطفالَ والعصافير...
شَرْطُ الإنتسابِ لنادينا بسيطٌ جدَّاً... وهوَ أنْ يكونَ طالبُ الإنتسابِ، عَرَبِيَّاً منذُ ولادته، وعاشقاً منذُ ولادته.
وأنْ يتركَ على بابِ النَّادي لدى دخوله كلَّ عُقَدِهِ الإقليميَّةِ، والفِئَوِيَّةِ، والأنانيَّة.. وكلَّ ميراثه القَبَلِيّ..
وأن يكونَ مُسْتَعِدَّاً أنْ يَتَزَوَّجَ الوطنَ في أيِّ لحظة..
الزّواجُ من امْرأةٍ.. والزّواج من وطنٍ.. مشروعٌ قوميٌّ يختارُ امْراةً ليسكنَ معها، أو ليسكنَ إليها.. فهذا يعني أنَّـهُ اخْتَارَ وطناً.. والرَّجْعيُّونَ، والمُعَقَّدُونَ، والباطنيُّونَ هُمْ وَحْدُهُمْ الَّذينَ يسحبونَ من المرأة جوازَ سفرِها، ويفرضونَ عليها نظام مَنْع التَّـجوُّل..

أيَّـتها الصَّديقات:
يشاءُ قَدَري الجميلُ، أن يدعوني ( اتِّحاد نساء العراق ) للاشتراكِ في هذا اللِّقـاء الشِّعـريّ. فَهَلْ هذه مُجَرَّدُ صُدْفَة، أمْ أنَّ النِّسـاء، يَعْرِفنَ جيِّداً أنَّـني كنتُ خلالَ ثلاثينَ عاماً وطنهنَّ كما كنَّ وطني.. أعْتَقِدُ أنَّ التَّـفسيرُ الثَّاني هوَ الصَّحيح.

وشُكْرَاً لبلقيسٍ، ولكـلِّ نساء العراق اللَّواتي كتبنَ معي قصيدتي.. فلولاهنَّ لكانتْ كتابةُ الشِّعْرَ مُسْتحيلةً.. وحياتي مُسْتَحِيْلَة..

بغداد