قيمة الوقت :

قال بن قيم الجوزية

رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعا عجيبا .
إن طال الليل فبحديث لا ينفع ، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر ، وإن طال النهار فبالنوم

وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق .

فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة ، وهي تجري بهم ، وما عندهم خبر .

ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل .

إلا أنهم يتفاوتون ، وسبب تفاوتهم : قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة .

فالمتيقظون منهم يتطلعون إلى الأخبار بالنافق (1) هناك ، فيستكثرون منه فيزيد ربحهم .

والغافلون منهم يحملون ما اتفق ، وربما خرجوا لا مع خفير .

فكم ممن قد قطعت عليه الطريق ، فبقى مفلسا .

فالله الله في مواسم العمل . والبدار البدار قبل الفوات . واستشهدوا العلم

واستدلوا الحكمة (2) ، ونافسوا الزمان (2) ، وناقشوا النفوس (4) ، واستظهروا بالزاد (5)

فكأن قد حدا الحادي (6) فلم يفهم صوته من وقع مع الندم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ـــــ


(1)النافق : الرائج الرابح .
(2)الحكمة :أي يجعلوا العلم شهيدا لكم ، والحكمة دليل لكم .
(3)أي سابقوه بالطاعات قبل أن ينقضي .
(4)أي حاسبوها .
(5)أي تقووا به ، واتخذوه ظهيرا لكم .
(6)أي نادى منادي الموت بالرحيل عن الدنيا .