في صامطة - وغيرها من المدن- حديث لا ينتهي هذه الأيام عن "الباندا" حيث تسمع، وأنت في مجالس المدينة الحوارات الملتهبة التهاب أجواء صامطة عن (تكاثر) "فضائح الباندا"، وقد يتطوّع احدهم ليريك دليلاً مادياً يبرر معه سبب استحقاق (حيوانات الباندا) لكل هذا الامتعاض، والغضب الاجتماعي. ومحدثوك قطعاً لا يعنون بحديثهم دببة "الباندا" تلك الفصيلة النادرة من الحيوانات التي يحاول العالم اليوم إنقاذها من الانقراض، بل كان وما زال حديث رواد مجالس صامطة ساخناً، وانفعالياً عن نوع آخر من الحيوانات البشريّة، ممن يطلق عليهم مسمى "حيوانات الباندا" وهم فئة من البشر - الحيوانات منهم براء- أدمنت التقاط، وإشاعة الفاحشة بواسطة الجوّالات المزودة بكاميرا، واشتهر في ذلك جوال يسميه الشباب (الباندا).وربما سيكون حديث الناس وقلق أرباب الأسر في محلّه إذا استمررنا في التعامي والنظر إلى شبابنا بأنهم هم الطاهرون المعصومون، وأن هناك مؤامرة تستهدفهم، وهي نظرة غير صحيحة فما يحدث اليوم وما سيحدث غدً ما هي إلا ثمار التربية، ونتائج عدم مواجهة مشكلاتنا الاجتماعية بالعلم والدراسة، بل وانصرافنا عن البحث في الحلول إلى تبرير كل النقائص الاجتماعية، وعزو أسبابها إلى الآخرين.
لا يوجد عاقل يقر ما يتداوله (الناس) من صور، وأفلام تتنقل عبر جوالات الكاميرا هذه، خاصة تلك الأفلام التي تتضمن مشاهد مخلة بالدين، والحياء، والتي يتضح أن معظمها قد صوّرت في مدارس، ومنازل، وأسواق في انتهاك واضح لخصوصيّات الناس، وهتك مؤلم لكل ما أمر الله بستره.
و الحقيقة أن المشكلة لا تقف عند هذه الفئة المنحرفة من مروجي الفاحشة التي يبدو أنها استمرأت -بلا ضمير- تصوير، ونشر هذه الرذائل، بل تمتد إلى سلسلة من الأسئلة الكبرى تكشف عن عمق أعماق مأساة دينيّة، وأخلاقية أفرزت هذا (الأشكال) غير السوية (من بيننا)، الذين لا همّ (لهم ولهن) سوى نشر الرذيلة، وإشهار كل عيب مستور عبر ما يصوّرونه، ويروّجونه من مشاهد فاضحة بواسطة هواتفهم المتنقلة.
ومن عجائب أعضاء هذه الشريحة من البشر أنها لا ترتدع، بل وتفاخر بكل قبيح من القول، والعمل وتوثقه وتتبادله مع الناس بكل فخر. وفي كل أسبوع تقريباً تظهر موجة جديدة من الأفلام والصور، ويتبادلها الشباب من الجنسين في كل مكان، وقد بلغت الصفاقة ببعضهم إلى حد التطوع بنشرها عبر الانترنت، أو بثها على الهواء (عبر خاصية البلوتوث) ليلتقطها من يريد في الأماكن العامة، فلا تعجب إذا كنت في مقهى، أو استراحة أو سوق حين ينتفض جهازك بين آونة وأخرى يستأذنك في استقبال ملف لا تعلم من أرسله، وحين تأذن من باب الفضول باستقبال الرسالة ستكتشف سوء ما بشّر به هاتفك، وقبح ما بعثه به مراسلك المجهول. ولا بد من التأكيد هنا على أننا مقبلون على (حقبة جديدة) لا يحد من (طوفانها) حجب مواقع انترنت، أو منع دخول جولات الكاميرا.
والسؤال الذي يتجاوز متعة أشقياء كاميرات الجوال يقول: هل يعلم منتجو هذه البذاءة أن معظم ما يفعلون يؤرشف في مواقع انترنت تخصّصت بتوثيق أفلام الخزي والعار المثيرة، بل إن الفلم الذي يتحدّث عنه الجميع يعرض الآن مع غيره من فضائح شبابنا، وفتياتنا عبر شبكة الانترنت منتشراً كسرعة النار في الهشيم حول العالم عبر مجموعات البريد الالكتروني، ومنتديات الانترنت، بلغات عدة، وعناوين مختلفة القاسم المشترك فيها كلمة" سعوديّون".
بقي أن نؤكد القول عن أن آليات الحجب، والرقابة، والمنع هي اضعف حلقات المكافحة في هذه المعركة الحضارية مع استخدامات الانترنت، وتقنيات الاتصال الحديثة، فهل نتوقف عن (الصراخ) ونبدأ في مواجهة ذواتنا، وتصحيح انحراف مسار علاقاتنا، وآليات عمل مؤسسات المجتمع بالصدق، والتصالح مع كل ما حولنا؟ من وكيف ومتى نبدأ؟