ليست الخطورة في الأفكار والمذاهب الفكرية المستوردة,إنما الخطورة في واقع أذهاننا ونفسياتنا التي تتوجه دائماً للأخذ من الحضارة الغربية الخطأ والصواب دون تمييز وذلك من موقع الانهزام النفسي والشعور الشديد بالنقص تجاه كل ما هو غربي وبغض النظر عن كونه نافعاً أو ضاراً.
لقد تعددت مظاهر الانهزام العقلي والنفسي في حياتنا بشكل مؤلم,وعمقت في بنية مجتمعنا بدرجة مرة ومخزية.
إن واقعنا الذي قطع شوطاً طويلاً وبالغاً في الانهزام التام بحيث أقصى الشريعة الإسلامية عن حكم حياتنا وتنظيهما هو الذي أوجع ضميرنا الإسلامي لإيجاد مثل اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
الى أية حال وأي مستوى من عقدة الدونية بلغنا تجاه الغرب.
فبعد أن كان إسلامنا يحكم المجتمعات بشريعته العادلة وقد بسط نفوذه في أقل من 50 سنة أصبحنا بعد انحساره عن حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية نفكر في كيفية التدرج لإعادة تطبيقه أو استكمال تطبيقه في مجتمعاتنا من جديد!!
إن هجر الإسلام سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من أبرز وأخطر علامات الهزيمة النفسية التي تعيشها مجتمعاتنا.
فبدل أن يتصور المقتدرون من المسلمين لإنشاء موسوعة إسلامية أصيلة في المعارف الإسلامية فإننا اكتفينا باعتبار دائرة المعارف الإسلامية التي أنشأها المستشرقون وأصدروها بعدة لغات مرجعاً هاماً نعود اليه ويعتمده الكثير من مثقفي الأمة العربية والإسلامية حتى يومنا هذا! وقد استطاع المستشرقون أن يبثوا في هذه الموسوعة ماشاؤا من سمومهم وأفكارهم الخاطئة في فهم الإسلام.
ومن حالات انهزامنا الثقافي الفكري استدعاء المستشرقين تحت وطأة إعجابنا الشديد بكل ما هو غربي في العصر الحديث,نعم يستدعون لإلقاء المحاضرات في الجامعات العربية والاسلامية,ليتحدثوا عن الإسلام! في ديار الإسلام! وبروح بعيدة عن الإسلام.
ومن مظاهر انهزامنا ايضاً انتقاد وسخرية كتابنا وخطبائنا المنبهرين بالغرب من ثقافتنا الإسلامية وأدبنا الإسلامي والتقليل من شأن فكرنا وإمكاناتنا المحلية,هذا بينما يروجون بأعمالهم وأقوالهم وكتاباتهم العادات والتقاليد الأجنبية مهما كانت مبتذلة ومنحطة,لقد عملوا على تسويقها بيننا بالمدح والثناء.
وإذا كتب أحدنا كتاباً ما أو مقالة أو أعد خطابه واستعمل فيها عدة مفردات أجنبية فانهم يقبلون عمله بإعجاب بغض النظر عما في محتواه ويعتبرون هذا الكتاب أو الخطيب عالماً ومثقفاً.
كذلك أصبح التفرنج في كل شيء في الجلوس والقيام وفي اللباس وفي جميع مظاهر العلاقات الاجتماعية وجميع شؤون الحياة سبباً للافتخار والاعتزاز والتمدن والرقي,وفي مقابل ذلك أصبحت أدابنا الإسلامية وتقاليدنا المحلية علامة على التخلف والرجعية,ومظاهر عدم احترام مايرتبط بالدين والمعنويات والغيبيات من علائم التجدد والتمدن,واختيار الاسم الأجنبي للمحلات والشركات والأقمشة وسائر الأمتعة وكل ماينتج في الداخل,هذا ليقبل عليه الناس ويرضوا به وأطفالنا إذا كانت أسماؤهم غربية فهذا مدعاة لافتخارهم.
من المهم ان نعلم أن حالة الانبهار بالغرب والانهزام النفسي التي نعيشها ليست حالة عفوية وجدت مصادفة,بل إنها مرض وعقدة خطط الاستعمار لإيجادها وزرعها,وعمل على خلقها في عمق فكرنا ومشاعرنا.
ومن المهم جداً أن نتدبر الخطوات الاستعمارية في خلق هذه العقدة فعلى معرفتها يتوقف جزء كبير من علاج الموقف من الأفكار المستوردة الضارة والمنحرفة.