وفـي ليلـة مـن ليـالـي الخـريـف
مـثـقـلّــة بــالأســـى والـضــجــر
سكـرت بهـا مــن ضـيـاء النـجـوم
وغنـيّـت لـلـحـزن حـتــى سـكــر
سألت الدجى: هـل تعيـد الحيـاة
لــمــا أذبـلـتــه ربــيــع الـعـمــر
فـلــم تتـكـلـم شــفــاه الــظــلام
ولـــم تـتـرنـم عـــذارى الـسـحـرّ
وقــال لــي الـغــاب فـــي رقـــة
مـحـبـبـةٍ مــثــل خــفــق الــوتــر
يجـيء الشتـاء ، شـتـاء الضـبـاب
شـتـاء الـثـلـوج ، شـتــاء الـمـطـر
فينطفىء السحر ، سحر الغصون
وسـحـر الـزهـور وسـحـر الـثـمـر
وسحـر المسـا الشجـي الـوديـع
وسحرالـمـروج الشـهـي الـعـطـر
وتــهــوي الـغـصــون واوراقــهـــا
وأزهـــار عــهــدٍ حـبـيــبٍ نــضــر
وتلهـو بـهـا الـريـح فــي كــل وادٍ
ويـدفـهـا الـسـيـل ، أنـــى عــبــر
ويفـنـى الجـمـيـع كـحـلـم بـديــع
تــألــق فــــي مـهـجــةٍ وانــدثــر
وتبـقـى الـبـذور الـتــي حـمـلّـت
ذخـيــرة عـمــرٍ جمـيـلـس غــبــر
وذكـرى فصـول ٍ ، ورؤيــا حـيـاةٍ ،
واشـبــاح دنـيــا تـلاشــت زمــــر
معانـقـةً وهــي تـحـت الـضـبـاب
وتـحـت الـثـلـوج وتـحــت الـمــدر
لطـيـف الـحـيـاة الـــذي لا يـمــل
وقـلـب الربـيـع الـشـذي الخـضـر
وحـالــمــة بـأغــانــي الـطــيــور
وعـطـر الـزهــور وطـعــم الـثـمـر
( ابو القاسم الشابي )
الجلاد
![]()