لكِ الرحيلُ.. وحلو الذكريات لنا= وإنْ سلوتِ فإني ماسلوتُ أنا
روحي رحلتِ بها ماعدتُ أبصرُها = إلا سرابا وجسمي مايزال هنا
ماكنتُ أعرفُ طعمَ البعد في شفتي = حتى وقفتُ وحيدًا أسكب الشَّجَنا
كانتْ حياةً لقلبي غير أنَّ يدًا = في لحظةٍ زرعتْ مابيننا المدنا
ماكنتُ أعدمُ في روضاتها فنَنًا = والآن لم ألقَ لا غصنًا ولافننا
ياكلَّ رابيةٍ أنشدْتُها نغمًا =وكلَّ قافيةٍ أهديتُها الوطنا
أتيتُ جازان والأشواقُ تركضُ بي =أتيتُ أستبقُ الآفاقَ والزَّمنا
أطوي المسافات مشغوفًا بمُلهمتي = شعرًا ترددُه الأطيار رَجْعَ غِنا
أسيرُ مِلْءَ خِفافي وهْيَ راعفةٌ= أطيرُ ملْءَ جناحي أقهرُ الحَزَنا
يانجمةً في مدار الأفق حالمةً =أنا الذي لم يزلْ في الحبِّ مرتهَنا
أنا الذي كان مَزْهُوًّا بفرحتِهِ= لم يعرف الجرحَ والآلامَ والمِحَنا
طفلًا يداعبُ فوق الرمل لعبتَه = ويرضع الحب من كفَّيْكِ واللَّبنا
وكنتِ دنياهُ كنتِ الأرضَ حانيةً = كنتِ السماء وكنتِ الطلَّ والغُصُنا
كنتِ الزوارقَ في عَيْنَيْهِ مشرعةً = وما لغيركِ يومًا قد هفا ورنا
واليوم في لَهَواتِ الموت مُحْتَضَرٌ = يصارع السَّكْرةَ الحمراءَ والكفنا
أتسمعين؟ وهل مازلتِ مصغيةً؟ = أتسمعين صراخ العشق في دمنا
أتذكرين؟ وهل مازلتِ ذاكرةً؟ = فتًى يحدِّثُ عنكِ الصَّحْوَ والوَسَنا
يبني قصورًا من الذكرى ويهدمها = كأنه لخلود العمر قد ضَمِنَا
ويدفن الجرح حتى لايحس به= وجسمه من بروق الحزن قد شُحِنَا
ما رَنَّ في مسمعَيْهِ صوتُ طائرةٍ= إلا تذكر موجَ البحر والسُّفُنا
أتذكرين شهيَّ اللَّوْز نجمعهُ = بين الثياب ونحميه بأعيننا؟!
أتذكرين يدَ الأصحابِ تسرقنا؟= أتذكرين الفتى المسروق؟! ذاكَ أنا
سُرِقْتُ أجملَ مافي العمر فجرَ غدي= وشمسَهُ وبدورًا تمسحُ الوَهَنا
سُرِقْتُ حبي وأحلامي وأشرعتي = سُرِقْتُ ليلايَ والأحبابَ والدِّمَنا
حوريةَ البحر هل في الحب من حرجٍ= إذا اختلى القلبُ بالأمواج واحتضنا؟!
إذا نظرتُ إلى عيْنَيْكِ ناعسةً ؟!= إذا تساقطَ هذا الشَّهْد من فَمِنا؟!
جازانُ عفوًا فما قلبي يطاوعُني = على الرحيل ولكنْ بالأسى طُعِنا
هاتي يديكِ أُرِيكِ الجرحَ منبجسًا = أريكِ شوقًا ويأْسًا فيهِ قد عُجِنا
لكنْ أمَنِّيهِ باللُّقْيا لعل غدًا = أسقيه دمعي فيسقيني شذًا ومُنى
يازهرةً ضمَّها الأُمْلود مائسةً =تطوي على جانبَيْهِ قدَّها اللَّدِنا
أهديكِ ماأبقتِ الأيامُ من جسدي = ومن رُؤَى حُلُمي المعسولِ ماانْدفنا
ما أُنْـسِـيَـتْـهُ الجراحُ السودُ من أمَلٍ = فظلَّ يرقبُ خلفَ اللَّيْل وَمْضَ سَنَا
ومن فؤادي ثمار الشِّعر يانعةً = جَفَّتْ عناقيدُها الخضراء دون جنى
ومن شفاهي بقايا قُبْلةٍ عَبَرتْ = وخلَّفتْ مطرَ الأشواق محْتَقَنا
أهديك روحي ولو أنَّ الحياةَ بها = أغلى من الروح لمْ أبخلْ بها ثمنا
تأتينَ عطرًا يغارُ الوردُ في حَسَدٍ= وبرقصُ الشاطئ المسحورُ مفتتنا
تأتين عُمْرًا وتاريخًا وألويةً = فأبصرُ الكوكبَ الدُّرِّيَّ لي سَكَنا
تأتين بحرًا يَمُدُّ الناسُ أشرعةً= أما أنا فأمُدُّ الروحَ والبدَنا