مقتطفات من كتاب احلام مستغانمي /ذاكرة الجسد
كيف أنت..
يسألني جار ويمضي للصلاة. فيجيبه حال لساني بكلمات مقتضبة، ويمضي في السؤال عنك.
كيف أنا؟
أنا ما فعلته بي سيدتي.. فكيف أنت ياامرأة كساها حنيني جنوناً، وإذا بها تأخذ تدريجياً،
ملامح مدينة وتضاريس وطن. وإذا بي أسكنها في غفلة من الزمن،
وكأني أسكن غرف ذاكرتي المغلقة من سنين.
كيف حالك؟
يا شجرة توت تلبس الحداد وراثياً كل موسم. يا قسنطينية الأثواب..
يا قسنطينية الحب.. والأفراح والأحزان والأحباب.
أجيبي أين تكونين الآن؟.
***********
فالجوع إلى الحنان، شعور مخيف وموجع، يظل ينخر فيك من الداخل
ويلازمك حتى يأتي عليك بطريقة أو بأخرى.
*********
كانت تلك أول مرة سمعت فيها اسمكِ..
سمعته وأنا في لحظة نزيف بين الموت والحياة،
فتعلقت في غيبوبتي بحروفه، كما يتعلق محموم في لحظة هذيان بكلمة..
كما يتعلق رسول بوصية يخاف أن تضيع منه.. كما يتعلق غريب بحبال الحلم.
بين ألف الألم وميم المتعة كان اسمك. تشطره حاء الحرقة.. ولام التحذير.
*********
قصة فرعية، كتبت مسبقاً وحولت مسار حياتي بعد عمر بأكمله،
بحكم شيء قد يكون اسمه القدر،
وقد يكون العشق الجنوني..
ذاك الذي يفاجئنا من حيث لا نتوقع،
متجاهلاً كل مبادئنا وقيمنا السابقة.
والذي يأتي هكذا متأخراً..
في تلك اللحظة التي لا نعود ننتظر فيها شيئاً؛
وإذا به يقلب فينا كل شيء.
*********
لست من الحماقة لأقول إنني أحببتك من النظرة الأولى.
يمكنني أن أقول إنني أحببتك، ما قبل النظرة الأولى.
كان فيك شيء ما أعرفه. شيء ما يشدني إلى ملامحك المحببة إلي مسبقاً
وكأنني أحببت يوماً امرأة تشبهك. أو كأنني كنت مستعداً منذ الأزل
لأحب امرأة تشبهك تماماً.
*********
الفن هو كل ما يهزنا.. وليس بالضرورة كل ما نفهمه!
*********
وحده المثقف يعيد النظر في نفسه كل يوم،
ويعيد النظر في علاقته مع العالم ومع الأشياء
كلما تغير شيء في حياته.
*********
كان في عينيك دعوة لشيء ما..
كان فيهما وعد غامض بقصة ما..
كان فيهما شيء من الغرق اللذيذ المحبب..
وربما نظرة اعتذار مسبقة عن كل ما سيحل بي
من كوارث بعد ذلك بسببهما.
*********
فلا أجمل من أن تلتقي بضدك،
فذلك وحده قادر على أن يجعلك تكتشف نفسك.
*********
كانت تقول: "ينبغي ألا نقتل علاقتنا بالعادة"،
ولهذا أجهدت نفسي حتى لا أتعود عليها،
وأن اكتفي بأن أكون سعيداً عندما تأتي،
وأن أنسى أنها مرت من هنا عندما ترحل.
*********
كنت تتقدمين نحوي، وكان الزمن يتوقف انبهاراً بك.
وكأن الحب الذي تجاهلني كثيراً قبل ذلك اليوم..
قد قرر أخيراً أن يهبني أكثر قصصه جنوناً..
*********
أخاف السعادة عندما تصبح إقامة جبرية.
هنالك سجون لم تخلق للشعراء.
*********
أكره أن يحولني مجرد كرسي أجلس عليه
إلى شخص آخر لا يشبهني.
*********
ولكن الدوار هو العشق، هو الوقوف على حافة السقوط الذي لا يقاوم،
هو التفرج على العالم من نقطة شاهقة للخوف،
هو شحنة من الانفعالات والأحاسيس المتناقضة،
التي تجذبك للأسفل والأعلى في وقت واحد،
لأن السقوط دائماً أسهل من الوقوف على قدمين خائفتين
أن أرسم لك جسراً شامخاً كهذا،
يعني أني أعترف لك أنك دواري..
*********
نحن لا نشفى من ذاكرتنا.. ولهذا نحن نرسم.
. ولهذا نحن نكتب.. ولهذا يموت بعضنا أيضاً.
*********
جاء عيد الحب إذن..
فيا عيدي وفجيعتي،
وحبي وكراهيتي،
ونسياني وذاكرتي،
كل عيد وأنت كل هذا..
للحب عيد إذن..
يحتفل به المحبون والعشاق،
ويتبادلون فيه البطاقات والأشواق
فأين عيد النسيان سيدتي؟
*********
نغادر الوطن، محملين بحقائب نحشر فيها ما في خزائننا من عمر.
ما في أدراجنا من أوراق.. نحشر ألبوم صورنا، كتباً أحببناها، وهدايا لها ذكرى..
نحشر وجوه من أحببنا.. عيون من أحبونا.. رسائل كتبت لنا.. وأخرى كنا كتبناها..
آخر نظرة لجارة عجوز قد لا نراها، قبلة على خد صغير سيكبر بعدنا،
دمعة على وطن قد لا نعود إليه. نحمل الوطن أثاثاً لغربتنا،
ننسى عندما يضعها الوطن عند بابه، عندما يغلق قلبه في وجهنا
دون أن يلقي نظرة على حقائبنا، دون أن يستوقفه دمعنا..
ننسى أن نسأله من سيؤثثه بعدنا.
وعندما نعود إليه..
نعود بحقائب الحنين..
وحفنة أحلام فقط..
*********
تشرع مضيفة باب الطائرة، ولا تنتبه إلى أنها تشرع معه القلب على مصراعيه.
فمن يوقف نزيف الذاكرة الآن؟
من سيقدر على إغلاق شباك الحنين،
من سيقف في وجه الرياح المضادة،
ليرفع الخمار عن وجه هذه المدينة..
وينظر إلى عينها دون بكاء.
*********