نشرت إحدى الصحف مؤخراً عن استبعاد أية خطورة لبركان اليمن على جازان وفرسان.. الحمم البركانية تطمر جزيرة جبل الطير اليمنية في البحر الأحمر حيث أكد مدير الدفاع المدني في المملكة الفريق سعد بن عبد الله التويجري أن بركان اليمن لا يشكل أي خطورة على جازان وفرسان، وأوضح الرائد عبد الخالق الجهنمي المتخصص الجيولوجي بالمديرية العامة للدفاع المدني أن بركان اليمن لا يمثل أي خطورة وأن جازان بعيدة عن المقذوف البركاني أو من الصخور المنصهرة لأنها تذوب في البحر.. أما جزيرة فرسان - والأحرى به أن يقول جزر فرسان - فيختلف تركيبها الجيولوجي عن جزر اليمن لأنها عبارة عن رصيف مرجاني وصخور رسوبية ولا يحدث فيها النشاط البركاني.. الملاحظ هنا هو "صفة التعميم" التي جاءت في قول الرائد الجهنمي - المتخصص الجيولوجي - أن جزر فرسان يختلف تركيبها عن جزر اليمن.. التعميم هنا في كلمتي "جزر اليمن" لأن هذه المعلومة تنقصها الدقة، فالمعروف من واقع المشاهدة على الطبيعة أن كثيرًا من جزر اليمن تشبه في تركيبها الجيولوجي طبيعة جزر فرسان وكمثال على هذه الجزر اليمنية "جزيرة كمران" و"جزيرة بكلان" و"جزيرة الفشت" و"جزيرة الغُزَة " وغيرها.. وشبيه بهذا التركيب مجموعة "جزر دهلك" على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر وهي جزر تابعة لدولة "أريتريا" حاليًا.
ولعله من المناسب - هنا - إيراد المزيد من الإيضاح حول كيفية تكون هذه الجزر حيث جاء في العدد "298" من مجلة "الفيصل" ربيع الآخر 1422ه يونيو/ يوليو 2001م في ملحق خاص بجزر فرسان أعدّه الكاتب أحمد إبراهيم البوق ما نصه: وقد ولدت جزر فرسان نتيجة لوجود كتل هائلة من الملح المايوسيني المندفع إلى أعلى مكونًا قبابًا صخرية قامت برفع ما عليها من الإرسابات الكلسية.. ويقول - أيضًا - وقد دلت الآبار التي حفرت جنوب غرب هذه الجزر بحثًا عن البترول على سيادة الملح على عمق كبير.
وكتأكيد لهذه المعلومة جاءت معلومة أخرى على لسان الدكتور/ زهير عبد الحفيظ نواب - من وزارة البترول والثروة المعدنية - بأن الملح موجود في جزيرة فرسان بسماكة تتراوح بين ( 100- 135) بدرجة تركيز تبلغ حوالي 94% بالإضافة إلى دراسات أخرى تفيد بأن أقدم بئر اختبارية حفرت في هذه الجزر - على أيام "الإمارة الإدريسية" - كانت في جزيرة زفاف "إحدى جزر فرسان" للبحث عن النفط بين عامي 1927/1926م وصل عمقها إلى 470مترا منها 120مترا من الحجر الجيري المرجاني والمارلي والباقي طبقة ملحية.
هذه معلومات مختصرة مما يقوله الباحثون الجيولوجيون عن تكوين جزر فرسان وأخواتها من الجزر الأخرى وهي معلومات تؤيد ما ذهب إليه الرائد عبدالخالق الجهنمي، لكن السؤال الجيولوجي الهام الذي يحتاج إلى إجابة علمية هو:
ما هي العوامل الجيولوجية التي أدت إلى اندفاع الكتل الهائلة من الملح المايوسيني الذي كون قبابًا صخرية قامت برفع ما عليها من الإرسابات الكلسية وسيادة الملح وبالتالي ولادة هذه الجزر؟
أعتقد أن إجابة علمية جيولوجية دقيقة ستحدد ما إذا كانت جزر فرسان ومثيلاتها يمكن أن يكون بها نشاط بركاني أم لا. ولأن الجزيرة اليمنية "جبل الطير" أو كما يسميها بعض العوام من البحارة "جبل كبريت" وفي هذا المسمى ما يدل على نشاط بركاني قديم في هذا الجبل - أقول لأن هذه الجزيرة أو هذا الجبل هما المسببان لهذه التساؤلات فالسياق يحتم الحديث عنها - أقصد الجزيرة اليمنية - إذ ان مساحتها - حسب بعض الكتابات حوالي 7كيلومترات مربعة والمسافة بينها وبين الساحل اليمني اختلفت الروايات والكتابات في تحديدها وبعضهم يقول 80وبعضهم يقول 100وبعضهم يقول 130كيلا، أما موقعها بالقرب من الممر الدولي للبحر الأحمر، والبحارة يقولون إنها بالقرب من "مجرى البوابير"، أما لغة العلم وقد جاءت على لسان جيولوجي يمني أستاذ في جامعة صنعاء ظهر على شاشة قناة العربية مساء يوم الثلاثاء 1428/9/20ه الموافق 2أكتوبر 2007م فيقول: إنها تقع في خاصرة البحر الأحمر، وهذه الجزيرة رغم وقوعها في مياه هذا البحر إلا أنها تشكل حالة جيولوجية نادرة وشاذة عن جيولوجية بقية الجزر لأن صخورها نارية، وهذا يبرهن أنها ولدت نتيجة ثورة بركانية حدثت في جنوب البحر الأحمر، وأن ولادتها لم تكن في سياق ولادات الجزر الأخرى التي ظهرت بسبب اندفاع الكتل الملحية الهائلة بمعنى أنها أحدثت عمرًا جيولوجيا، وأن بركان هذه الجزيرة لم تكن هذه ثورته الأولى بل أنه قد ثار في القرن الثامن عشر ومرة ثانية في القرن التاسع عشر على حد قول أحد الجيولوجيين اليمنيين.
وعودة لاستكمال المعلومة عن جزر فرسان التي كان المعروف عنها أن أرخبيلها يضم 94جزيرة حسب مسح قديم قام به العقيد صالح المشيليح قائد سلاح الحدود سابقًا في قطاع فرسان، وذلك قبل ما يزيد على 30عامًا - حسب إمكاناته المتاحة له في ذلك الوقت - هذه المعلومة لم تعد قائمة في ضوء مسح جديد قام بعمله كل من اللواء إبراهيم فايز الشهري قائد حرس الحدود - سابقًا - بمحافظة فرسان وقائد حرس الحدود - حاليًا - بمنطقة المدينة المنورة، وزميله الرائد حمد إسماعيل البر قائد الوحدات البحرية بقطاع حرس حدود فرسان، ومن خلال هذا المسح الشامل ارتفع عدد جزر هذا الأرخبيل إلى 262جزيرة و 2256جبلاً وقد أصدرا بذلك كتابًا سمياه "جزر فرسان في صور" حيث صدرت طبعته الأولى في عام 1428ه، والذي دعاني إلى إيراد هذه المعلومة هو وجود جزيرتين - من بين هذا العدد الكبير - إحداهما تسمى "جزيرة منظر أم الشوك" والثانية "جزيرة أبو حمّد" أترك للمسؤولين والمختصين والقراء - بصفة عامة - الحكم على تكوينهما من خلال صورتيهما المصاحبتين لموضوعي هذا كما استشهد بما أورده المؤلفان في تعريفهما لجزيرة "أبو حمّد" حيث قالا: يقع في جهتها الشرقية جبل يبلغ ارتفاعه حوالي 20مترا وهو أشبه ما يكون بنتوء بركاني "فوهة بركان" الخ. هكذا قالا عن هذه الجزيرة ولم يعلِّقا على نتوء جبل "جزيرة أم الشوك" الذي يبدو أكثر ارتفاعًا وأكثر وضوحًا من فوهة جزيرة أبو حُمّد.
أضع هذه المعلومات أمام من يهمهم الأمر وأمام ذوي الاختصاص وأتمنى أن تكون الإجابات على موضوع علمي وهام كهذا، إجابات علمية تتكئ على أدلة وبراهين علمية غير خاضعة للعاطفة أو للكلام الإنشائي الذي ينثره البعض، وهذا أسميه بالتسطيح المعلوماتي الذي يجني على الحقيقة العلمية والانحدار بالأشياء الهامة إلى عتبات التبسيط، والله من وراء القصد..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم / إبراهيم عبد الله مفتاح