فما تم خطفه ليس هيلين، التي كانت فترة خطفها في جزيرة كريت وإنما ما تم خطفه هو ثوبها المعلق، وبذلك يحاول الباحث، التأكيد على أن الحرب لم تكن إلا أكذوبة مفتعلة بين الطرفين لدوافع أخرى.


وإذا ما كان الباحثون يواصلون النبش في التراث الإنساني والتاريخ بقراءة جديدة، هل نعيد نحن قراءة كارثة الحرب الطروادية الجديدة إعلاميا، بين أربعة أطراف هي تشاد والسودان وفرنسا واسبانيا باعتبارها الأطراف الأربعة المعنية بقصة «اسمها (آرك زو) تلك الجمعية الخيرية الفرنسية المغطاة بواجهة وحجة إنقاذ الأطفال اليتامى من الحروب الأهلية.


دون بطاقة استئذان شرعي من الدول والمنظمات المعنية بالأطفال، سواء الأمم المتحدة التي تحتضن ضحايا الحروب واللاجئين أو منظمات المجتمع المدني المعنية في كل البلدان بأوضاع أولئك الأطفال، حيث وجدنا مبررات المختطفين باسم الإنسانية، يحاولون اصطياد البشر في القارة السوداء، كما كانوا يفعلون مع أجدادهم قديما ويكررونها معهم اليوم، وكأننا في حقبة عولمة خطف الأطفال !!


من قرأ بتمعن تفاصيل الأزمة يشعر بتقزز لكل ما قيل، بل ولا يجوز التسويف والتسويغ للمسألة من أي طرف كان، فهناك منظمات شرعية ورسمية معنية بالتفاوض، وليس سوق مفتوحة في غابات أفريقيا لاصطياد الأسود، والتي صارت أيضاً لا يسمح لهم بممارستها بدون ترخيص.


فهناك صيادو الحيوانات من اجل الثروة العاجلة، والتي بدأت تهتم بمراقبته الدول الإفريقية، فباتوا أكثر رقابة ومساءلة قانونية. فكيف بحياة ومستقبل أطفال تم اختطافهم كمشروع تجاري تلبس أردية الكاهن والمؤسسة الخيرية، من اجل إنقاذ البؤساء والمحرومين، لهذا قال بعض الأطفال أنهم «قدموا لنا الشكولاته !».


خطف أطفال قرى من دارفور وتشاد بسبب الحروب والفقر، لم يكن إلا وسيلة لجني الأرباح العاجلة فوفق ما ذكرته صحيفة «لاباريسيان» على لسان ستيفان لوفابري، الأمين العام لمنظمة «ارك زو» كوكالة معنية بالتبني «وبأن هناك 300 عائلة تكفلت، (سعر كل رأس من الماشية البشرية) بدفع ما يعادل 2400 يورو لاستضافة هؤلاء الأطفال اللاجئين اليتامى ضحايا الحرب والبؤس.


بل وتذرع ستيفان بأكاذيب، أن ذلك تم بتخويل من السلطات التشادية والتي أنكرتها تشاد رسميا. ما فعله الأوربيون من خطف واصطياد للبشر عملا يندى له جبين الإنسانية وحضارتها.


ها هو النموذج العبودي يتكرر في تشاد وفي وضح النهار، وستكون له تداعيات اعقد إذا ما حملت تشاد والسودان هذا الملف إلى أقصى ما يمكن من الاحتجاج الدولي، فلا يكفي ما قام به ساركوزي من حركة استعراضية سياسية كبطل «حلال المشاكل» حتى وان قال إن ما حدث كان خطأ، مؤكدا أن فرنسا وتشاد يجب أن يتوصلا إلى طريقة لحفظ ماء وجه جميع الأطراف».


لكم يمارس الساسة أحيانا الصفقة والصفاقة، فما حدث مجرد خطأ، وعلى الضحية والجاني من الطرفين حفظ ماء الوجه، وكأن الأوروبي كائن اقرب للسوبرمان لا ينبغي محاسبته بشكل يليق بسلوكه المشين، وكأن الأوربي لا يمارس العنجهية ونهج المرتزقة في الحرب والخطف.


ما أبشع أن تخطف إنسان والأكثر بشاعة أن تبيعه وتحوله إلى كائن مستعبد، وتعامله كالبهيمة بصبغة كاذبة اسمها الإنسانية وإنقاذ اليتامى !! هناك عصابات تتاجر ببيع الأطفال ونقلهم حسب حاجة سوق العمل، ولن يكون اليوم سوق العمل أفضل من تجارة «التبني».


ويصبح الأطفال المختطفين مصدرا للثراء والمتاجرة، خاصة وإذا ما كانوا الأطفال من جنس الإناث، فهن يتحولن إلى مصدر مربح في مهنة الدعارة ومهن عدة يمارسنها الصغيرات في الدول الفقيرة، بل وحتى الغنية، طالما أن المتاجرة غير الشرعية بالأطفال مهنة تعدت حدود القارات الفقيرة.


وإذا ما كان في الزمن الغابر يخطف الأطفال وتبدل ديانتهم ويدفعون كجنود للقتال على نمط الجيوش الانكشارية، فإن الخطف المعاصر لم يهمل هذه الظاهرة في وقتنا الراهن، فهناك تقارير دولية تشير لحجم ورقم الأطفال الذين زجوا في حروب أهلية دموية دون وعي منهم لما يفعلون.


وتنتشر نتيجة انتهاك حقوق الأطفال ووجود شبكات منظمة للخطف قيام وتأسيس، منظمات دولية للوالدين ضحايا الأطفال المخطوفين، هكذا اسمها، ومن مهماتها تدريب الأطفال على كيفية التعامل بحذر مع الغرباء، إذ تتكاثر عملية الخطف ليس وسط شبكات إجرامية وحسب، بل ويخوض عملية الخطف ويمارسها الوالدين المتنازعين على حق أطفالهم، أو الأجانب المتزوجين من أجنبيات خارج بلدانهم.


وفي مايو 1985 عقد الكونغرس الأميركي في أحد جلساته وناقش ظاهرة الأطفال المفقودين بسبب الخطف، إذ تحتفظ السفارات العربية والأجنبية بملفات وشكاوى في هذا المنحى، وتبقى قانونيا عالقة بين الدول، وقد تقود إلى توتر سياسي بين البلدين بسبب طريقة خطف الأطفال من أمهاتهم ونقلهم إلى وطن الزوج. لم يكن الروائي الكولومبي مخطئا في بلاده عندما كتب روايته عن الاختطاف.


فقد تم نعت كولومبيا بعاصمة الخطف في العالم، حيث كان متوسط الخطف يوميا ثمانية أشخاص، ففي عام 1999 بلغت الإحصائية السنوية ثلاثة آلاف مخطوف من بينهم 200 طفل، وقد أطلق المراقبون على عملية الاختطاف كتجارة رائجة بمصطلح «صناعة الخطف».


حيث وفرت ملايين الدولارات للمنظمات السياسية والإجرامية، التي كان مصدر تمويلها يأتي من دفع الفدية لبلد خاض 36 سنة من الحرب بين المتمردين اليساريين والحكومة للفقراء المخطوفين أو للناس الصغار في المجتمع.


وبما أن ظاهرة الاختطاف في كولومبيا باتت مروعة ورهيبة وحديث الناس في كل بيت، فلا عجب من أن نشاهد في ربيع عام 2000 خروج مظاهرة في بوغوتا، العاصمة الكولومبية، والغريب في نوعية مسيرة التظاهر الاحتجاجية، التي كان عددها أكثر من ثلاثة آلاف، فقد كان جل المتظاهرين في الشوارع من الأطفال وأولياء أمورهم ونشطاء من حركة السلم. المشهد تكرر في تشاد والسودان، فقد خرج الأطفال وعائلتهم منددين بالجريمة.


مقتطفات مماينشر عن اختطاف الأطفال في العالم