الحادي عشر :
في قوله صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أن الفرج مع الكرب ) 0
كلما اشتدت الأمور واكتربت وضاقت؛ فإن الفرج بإذن الله تعالى قريب؛ يدل على ذلك قوله تعالى : { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّــوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَــاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } 0(( فكلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج من الله سبحانه )) 0
يقول السعدي في تفسير هذه الآية : (( أي : هل يجيب المضطرب، الذي أقلقته الكروب، وتعسر عليه المطلوب، واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده ؟، ومن يكشف الســوء، أي : البلاء، والشر، و النقمة إلا الله وحده؟، ومن يجعلكم خلفاء الأرض ، يمكنكم منها ، ويمد لكم بالرزق ، ويوصل إليكم نعمه ، وتكونون خلفاء من قبلكم ، كما أنه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم ، أإله مع الله ، يفعل هذه الأفعال ؟ 0
لا أحد يفعل مع الله شيئاً من ذلك ، حتى بإقراركم أيها المشركون ؛ ولهذا كانوا إذا مسهم الضر، دعوا الله مخلصين له الدين، لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه و إزالته ، { قليلاَ ما تذكرون } أي : قليل تذكركم وتدبركم للأمور التي إذا تذكرتموها ادكرتم، ورجعتم إلى الهدى، ولكن الغفلة والإعراض شامل لكم، فلذلك ما ارعويتم ولا اهتديتم)0
والكرب إذا اشتد و أيس العبد من جميع المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أعظم ما تطلب به الحوائج، ومن توكل على ربه كفاه 0{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه } 0
فالفرج يحصل سريعاً مع الكرب، فلا دوام للكرب، وحينئذ فيحسن لمن نزل به كرب أن يكون صابراً محتسباً، راجياً سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن بمولاه، في جميع أموره، فالله تبارك وتعالى أرحم به من كل راحم، حتى أمه وأبيه؛ إذ هو سبحانه أرحم الراحمين 0
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } ، وقوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِـــلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَــاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِــرُونَ (48) وَإِن كَانُـوا مِن قَبْــلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِــم مِّن قَبْلِــهِ لَمُبْلِسِينَ } ، فهؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قانطين من نزوله إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم جاءهم على كرب وشدة وفاقة فوقع منهم موقعاً عظيماً، فكان فرجاً وتيسيراً0
وقد قصّ الله تعالى في كتابه قصصاً كثيرة تتضمن وقوع الفرج بعد الكرب والشدة، كقصة نجاة نوح عليه الصلاة والسلام، ومن معه، في الفلك من الكرب العظيم، مع إغراق سائر أهل الأرض، وقصة نجاة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النار التي ألقاه المشركون فيها، وأنه سبحانه جعلها عليه برداً وسلاماً، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ولده الذي أمر بذبحه، ثم فداه الله بذبح عظيم، وقصة موسى عليه الصلاة والسلام مع أمه لما ألقته في اليم حتى التقطه آل فرعون، وقصته مع فرعون لما نجى الله موسى في البحر وأغرق عدوه، وقصص أيوب ويونس ويعقوب ويوسف عليهم الصلاة والسلام، وقصص محمد e في نصره على أعدائه ونجاته منهم في عدة مواطن، مثل قصته في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، وكذا قصة عائشة في حديث الإفك، والبراءة منه، وقصة الثلاثة الذين خلفوا، وغير ذلك من قصص القرآن الكريم وأخباره 0
وفي السنّة أخبار كثيرة من تفريج الكرب عند اشتدادها، كقصة الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فدعوا الله بأعمالهم الصالحة ففرج عنهم ، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وسارة مع الجبار الذي طلبها من إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرد الله كيد الظالم ، وعندما اشتكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم يخطب يوم الجمعة، احتباس المطر وجهد الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فاستسقى لهم، فنشأ السحاب ومطروا إلى الجمعة الأخرى، حتى قاموا إليه e وطلبوا منه أن يستصحي لهم، ففعل فأقلعت السماء ، إلى غير ذلك من القصص و الأخبار الثابتة 0
والعبد معرض للمصائب والفتن، فقد تشتد عليه الأمور، وتضيق عليه الدنيا، ويتمكن منه الهم والحزن؛ فإذا صبر واحتسب، ولم ييأس من نصر الله وفرجه، والتجأ إلى مولاه بالدعاء والتضرع، في جميع أحواله، جاءه النصر والتأييد والفرج 0
يروى عن الشافعي (ت 204هـ) قوله :
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا
من راقــب الله في الأمور نجـا
من صدق الله لم ينـــــله أذى
ومن رجـاه يكون حيث رجـا