رسالتي الثانية .. ستكون الى روح أبي ..
منذ رحلت تغير العالم من حولي .. ولم يعد أي شيء كما كان في وجودك ..
منذ رحلت ..
رحل معك ذلك الاحساس الفطري بالأمان والذي كنت أتنفسه ببساطة في كنفك ..
اشتقت اليك ..
الى رائحة ثوبك الذي تختلط فيه رائحة الحنان بالتبغ بعطرك الجميل ..
بابا ..كلمة لم تنطقها شفتاي منذ سنوات ..
وعندما حاولت أن أهمس بها الآن .. غص بها قلمي ..
وبقيت خرساء على شفتي ..
مازلت أذكر ذلك اليوم الأسود .. الذي ودعك فيه الجميع ورفضت أنا
أن أودعك ..
رفضت أن أصدق أنك سترحل ..
كرهتهم كثيرا في ذلك اليوم .. وكأنهم عندما ودعوك منحوك الاذن بالرحيل ..
ولم أكن أنا لأفعل شيئا كهذا .. أبدا .. أبدا .
حبيبي بابا ..
مازلت أذكر طريقتنا الخاصة في الحوار أنا وأنت عن طريق الكتابة ..
الآن لم يعد هنالك من أكتب له تلك القصاصات الملونة لأدسها تحت مخدته ..
أحيانا أعتصم بغرفتي ..
وأخرج ماتبقى لي من تلك القصاصات .. وأقرأ تعليقاتك عليها ..
بعض الكلمات طمستها دموعي بعد أن اختلطت بحبرها ..
لايوجد في هذا العالم رجل بروعتك .. وكأن الله اصطفاني بك ..
استرجع أحيانا تلك الأيام بتفاصيلها واحرص على تذكر كل تفصيلة صغيرة
خوفا من أن يسلبني الزمن اياها كما سلبني اياك ..
أتذكر نكاتك .. ضحكاتك .. نوبات غضبك ..
أتذكر تلك القصائد الطويلة من الشعر النبطي والتي كنت تحفظها وترددها
في جو من السحر ..
وأنا أحاول جاهدة اللحاق بكلماتك وفهمها ..وتصدمني أحيانا كلمة ممعنة
في البداوة .. فأسألك عن معناها ..فتضحك وتقول لي ..
أسألي أمك ..وأنت تعرف تماما أن أمي تجهل معناها أكثر مني ..
ثم تقول لي .. لقد أفسدتك جده ..
مازلت أذكر كل شيء ..
حتى ذلك اليوم الغريب الذي زارنا فيه بعض معارف أمي ..
كنت في الرابعة عشرة من عمري ولم أكترث لهم كثيرا ..
لكنني أتذكر كيف فزعت لصوتك الغاضب وأمي تحاول تهدئتك ..
لم أعرف يومها سر غضبك ..لكنني أحسست أن لي علاقة بالأمر
من نظرات أمي ..
وسألت ليلتها نفسي كثيرا ..ما الخطأ الذي ارتكبته وأغضب والدي
الى هذا الحد ..دون أن أجد اجابة ..
وبعد عدة أيام فهمت سبب غضبك ..
وعرفت أن صديقة أمي جاءت تخطبني لابنها ..
وأدركت أنك غضبت لأنك لم ترد لي أن أكبر .. أردتني أن أكون دوما
طفلتك الصغيرة البريئة ..
وربما لم تكن ترغب في أن يأخذني أحد منك ..
أما أنا فقد شعرت بالزهو ..كأنثى ..
لكنني شعرت بالفرح أكثر لأنني شعرت بأنك تحبني كثيرا ..
ليتك بقيت لي يا أبي .. ولم أكن لأتركك أبدا ..
مازلت أذكر تعبيرات وجهك الحبيب وأنت تدخل علي غرفتي وتمسح
بنظراتك كل شيء فيها ..
كتبي المتناثرة في كل مكان ..أوراقي .. أشرطتي .. اسطواناتي ..
حتى أدوات الزينة ..
وفي كل مرة تصطنع الدهشة من تلك الفوضى التي أعيشها ..
وأحيانا توجه كلامك الى أمي ..وتسألها : لماذا لا ترتبون البيت ؟
وكلنا نعلم أن البيت كله مرتب باستثناء غرفتي ..
اذكر أنك قلت لي مداعبا في احدى المرات : اذا جاءني من يخطبك ..
فلن أكون مضطرا لرفضه .. فقط سأخذه الى غرفتك .. وسيهرب هو ..
وضحكنا كثيرا بعدها ..
بابا ..
ليتك تزورني الليلة .. على ألا تكون غاضبا مني كما في آخر مرة رأيتك
فيها في أحلامي ..
دائما أفكر في أنك تستطيع من حيث أنت أن تراني وتعرف كل شيء عني ..
لذا كثيرا ما أعود لعمل ( كونترول ) على بعض تصرفاتي ..
سأحاول دائما أن أكون ابنتك التي تفخر بها ..فقط ارضى عني ..