اكثر لحظة يأس وقهر ممكن يفكر فيها الإنسان انه يكون محكوم عليه بسجن "مؤبد" في جريمة هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف..
ويكون في زنزانة لحاله مافي الزنزانة الا غطا ومخدة مشققة وكوب حليب بارد وكسرة خبز يابسه ورواية بعنوان
(الخونه )
كل معاني الحرمان والقسوة والذل تجيك وانت في هذا الموقف..
أكثر شي يتكرر معك هو الحرمان..
حرمان من الحياة..
حرمان من الأهل والاصحاب..
حرمان من الهواء النقي..
حرمان من كل ملذات الحياة..
في هذه اللحظة كنت اعيش الحرمان بأقسى صوره..
زدت عن غيري من المساجين في السجن حرمان خاص لي لوحدي...
حرمان يقتلني في اليوم ألف مرة..
هو حرماني من الكتابة
ـــــ
( ياحارس السجن.. إذا أردت ان تبالغ في تعذيبي.. احرمني من قلمي وأوراقي.. احرمني من خلوتي بالصدق.. البساطة.. والنقاء في ذاتي .. احرمني الكتابة )..
أهنئك ياحارس السجن .. لقد نجحت في ذلك
خلصت من تنظيف أسياب السجن وأنا في قمة يأسي وحزني وقهري ..
كان الشئ الوحيد الجميل بالنسبة لي وقتها هو اني لما اخلص تنظيف سيكون عندي 10 دقايق قبل النوم اقرا فيها اللي اقدر عليه من الرواية..
دخلت زنزانتي....
شربت كوب الحليب البارد وأكلت كسرة الخبز بنهم وانا اتنفس بسرعة..
أنفاسي السريعة كانت مزيج من التعب والقهر والجوع والاحساس بالاهانة وقلة الحيلة
بعدها أخذت الرواية وبديت أقلب صفحاتها ...
كانت رواية "الخونه" عبارة عن عدة روايات لكاتبة لقبت نفسها بلقب (المجهولة)..
بديت أقلب صفحات الرواية حت وصلت للي اتمناه
للرواية اللي يحمل الكتاب اسمها
وبديت اقراها
كانت الرواية تحكي عن انسان بسيط.. طيب.. سامج.. ماعنده اي قدرة على الدفاع عن نفسه.. متحطم ونفسيته تعبانه.. طموحاته جدا بسيطة واحيانا غبية..
كانت تتكلم عن ظلم أهله له والمشاكل اللي عايشها بداية حياته..
تتكلم عن ظلم مجتمعه له ونظرتهم له باعتباره مسؤول وكيان مستقل ....
تتكلم عن عطاءاته اللي ماتنتهي وتقابل بالنكران..
وفي لمح البصر يتخلون عنه ويطالبونه بالكمال ..
كانت تتكلم عن مجتمعه واللي حوله بهجوم وتشفي اعجبني كثيرا وأشفى غليلي وكأني انا اللي اكتب التشفي.. كنت انتظر تطلق عليهم اللعن عشان آآمّـن واحس بارتياح..
تسارعت احداث القصة وانا آكل الحروف أكل..
بدت في الجزء المؤثر..
بدت تتكلم عن اتهامه بتهمة كبيرة بخصوص أمن
دولة
كان بريء منها ومع ذلك اعتقل وهوجم وحوكم ...
كانت تشرح مدى غباءه وقلة حيلته في الدفاع عن نفسه فهو أبسط بكثير من الدخول في تلك المتاهات..
كلما اقرا زيادة أحس انها تتكلم عن شخصي وعن الأحداث اللي صارت لي..
برضه بدت في التشفي من اللي ورطوه في التهمة..
وانا اقرا السطور بسرعة وبحكم معرفتي لعنوان الرواية كنت احاول اوصل بسرعة للمقطع اللي تشتمهم فيه وتتشفى منهم.. وتلعنهم...
كنت برضه احاول اعرف اللي صار له واربط بين اللي يصير له واللي يصير لي أنا
استمريت في قراءة الرواية بسرعة وحماس شديد.... ولكن انتهاء العشر دقايق حال بيني وبين اللي أتمناه
طفوا انوار السجن..
سكرت الرواية وحطيتها على الرف...
حطيت راسي على المخدة وبدا تكفير طويييييل في المجهولة.. وفي روايتها واحداث القصة اللي تكتبها..
اقول بيني وبين نفسي .. متى تجي العشر دقايق بكرة عشان اكمل..
بعد كذا تركت التفكير في القصة وبدا تفكيري يتركز في المجهولة بارتياح وكأنه بوادر اعجاب بشخصها..
ــــ
(إذا وجدنا من يكتبنا.. فإننا نحبه.. حتى لو كرهنا كل جوانب شخصيته.. نبقى نعشق ذلك الجزء اللي يخصنا فيه.. كتابته لنا)
نادراً مانجد من يكتبنا.. بصدق
وللحديث بقية لاني لن أسكت مهما كلفني الامر وسأستمر في الكتابة من كثر تفكيري واقتناعي بكل اللي قريته
أخذت على نفسي وعد انه لو توفر لي في يوم من الايام ورقة وقلم ان اكتب عن موضوع الفلوس..
الفلوس اللي لاعبة في عقول البشر كلهم
ايوه راح اكتب عن الجشع اللي في قلوب الناس وحب المال..
مايهمني بأي اسلوب اكتبه ومايهمني اذا يقراه احد او لا..
اهم شي اكتبه..
اقول اللي في خاطري..
ساكتب عن محاكمات الاخوان عشان الورث..
ساكتب عن الرجل اللي يتزوج وحدة عشان راتبها
وساكتب عن البنت اللي ترفض من يتقدم لها بسبب فقره
ولا انسى جشع اباء البنات وطلبهم لمبالغ مهولة..
ساكتب عن الاشخاص والشركات والجماعات والدول..
ساكتب واعطي امثلة واقول كل شي ..
بعد كذا سأكتب وأتسائل...
ليش الناس ماتتكلم عن موضوع الفلوس؟
وحبهم للفلوس والمشاكل اللي تصير بسببها ؟
لهالدرجة الناس يكرهون الحديث عنها وعن حبهم الأعمى لها ؟
ويتخبون تحت عباءة (القناعة ) اللي مايفكرون – بجشع – في حق غيرهم؟
آآه بس لو عندي الحين على الاقل نوتة ادون فيها العناوين الرئيسية عشان لو توفرت لي الاوراق والاقلام اكتب كل شي وما افوت شي.. وتكون قضيتي في الكتابة واستمر اكتب واكتب واكتب حتى اقول كل اللي في خاطري..
عشان احس اني غطيت ولو شي بسيط من المصايب اللي تصير بسبب الفلوس.. وعشاق الفلوس وجشعهم المقيت.....
ـــ
(انهم عبدة المال.. تعس عبد الدرهم.. تعس عبد الدينار.... مستعدون لبيع أي شئ.. أي شئ في سبيل المال)
إنهم كثيرون.. انهم يعيشون بيننا.. نجد خصالهم احيانا في ذواتنا.. انهم.. انهم .. انهم ملاعين وخونه!