من أعمال الشاعر الأرجنتيني الكبير
"جورجي لويس بورخيس"
***
النوم
لو كان النوم هدنة،
استراحة بسيطة،
لماذا تشعر، حين تستيقظ فجأة،
بأنه سُرق لك ثروة؟
لماذا نكره النهوض عند الصباح؟
لأننا نخسر سحراً خارقاً،
حميماً لدرجة لا يمكن فيها تلقّيه
إلا مستتر تحت ذهب الأحلام
المحيّر، هبة الليالي، ربما البرهان
الغامض لفلكٍ غير زمني وليس له
ما يُسمّي سحره، فضيلة قصوى
يشوّهها الصحو في مراياها.
حين يفتح النوم لك جداره الأسود،
ماذا ترى؟ من ستكون هذا المساء؟
***
إلى الابن
أنا لستُ من يُنجبك، إنهم الموتى.
إنه أبي وأبوه، سلسلة طويلة
من الآباء، متاهة حبٍّ
متلهفة. تنطلق من آدم، من الندم الأخوي،
من الصباحات الأولى التي سيخضع لها الإنسان،
والتي أصبحت أساطير لدرجة قدمها، حتى يبلغ،
دماً ولبّاً، ذلك اليوم من المستقبل،
الثانية الآنية التي أنجبك فيها يا بنيّ.
هذا الحشد، أشعر به بقربي.
إنه نحن جميعاً، إنه أسلافي وأنت،
وأطفالك وأطفال آدم الأحمر.
هؤلاء هم أنا أيضاً. إنها إرادة الطقس
الأبوي. الأبدية هي لأشياء الزمن،
في ذلك الذي يُسرع ويعبر ويتحرك.
****
من "مديح الظلام"
الدرب القديم أصبح محظوراً،
الباب، الرقم، الجرس،
ماذا تبقّى في نفسي المهزومة؟
طعم فردوس مفقود.
عملي منجَز، حين يتجوّف الأفق،
ينتظرني صوت لطالما انتظرته
في تشتت اليوم السرّي
وفي سلام ليلة العشق.
هذه الأشياء غير موجودة. آخر قدري:
الأيام الغامضة والذاكرة الملوّثة،
الإسراف الطويل في الأدب
وذلك اللغز قبل الموت، الموت.
لا أريد سواه، وأريده كاملاً
مطلقاً. مع التاريخَين على قطعة الرخام.
***
الوداع
بيني وبين حبي تقف
ثلاثمائة ليلة كثلاثمائة جدار
وسيكون البحر كسحر بيننا
لن يكون لي إلا ذكريات.
يا مساءات بجهدٍ مستحقة،
أن أنظر إليك، أمل الليالي،
حقل دروبي، سماءٌ
أستعيدها وأفقدها...
نهائيٌ كرخامٍ
غيابك سيحزن مساءات أخرى
****
الألغاز
إذاً سأكون غداً الموت واللغز،
أنا الذي أسير مبتهجاً اليوم.
لن يكون لي قبل ولا بعد، مقيماً
أبدياً في مدارٍ سحري ومنعزل.
إنه شرط التزهّد. لا أظن أني
أهل بالجحيم ولا موعود بالمجد،
لكني أشك في عدم قدرتي على التنبؤ. قصتنا
تتغير مثل بروتيوس وتخفي قوانينها.
من يدري أي متاهة تائهة، أي حرق
أعمى من البياض سيُدهش قدري،
حين تُعلِمُني تجربة الموت الغريبة
عن نهاية المغامرة؟
لو يمكنني عندها أن أشرب من نهر "ليتي" الصافي،
أن أكون دوماً، وما كنتُ
***


رد مع اقتباس