قرأت هذا المقال وكم أعجبني
لذا رأيت أن أنقله لكم
تخيلوا العالم بلا فلبينيين
يعيش محمد المغربي بلا يدين في جدة بعد أن أغلق محل بيع الزهور والهدايا الذي يمتلكه إثر إصرار عامليه الفلبينيين على الرحيل. يقول: "أشعر أنني فقدت أطرافي بعد غيابهما، أقلعت عن الفرح وحتى الأكل".
محمد طار إلى مانيلا قبل أسبوع لمفاوضة عاملين فلبينيين بديلين بعد أن جرب جنسيات مختلفة دون جدوى. يجزم:"لا توجد مقارنة بين الفلبينيين وغيرهم".
كيف ستغدو المملكة من دون فلبينيين؟ سؤال يغرس علامة استفهامه في رأسي كلما تعاظم دورهم بيننا.
ففي المملكة يعيش أكبر عدد من الفلبينيين خارج وطنهم إذ بلغ عددهم نحو 1.019.577. وفي عام 2006 فقط استقبلنا أكثر من 223 ألف فلبيني والعدد في اطراد.
ولا يقتصر وجود وتأثير الفلبينيين على المملكة إذ ينتشرون في أنحاء العالم، في البر والبحر. يقومون بأدوار لا يجيدها غيرهم بذات الجودة والدقة.
ولا يمكن لأي منا أن يتخيل الحياة من دون الفلبينيين. فهم يشكلون ما يقارب 20 % من إجمالي البحارة أو (السي فاريرز) في العالم والذين يبلغ عددهم 1.2 مليون.
فلو أوقفت الفلبين تصدير بحارتها لأي سبب أو أضربوا عن العمل لأي سبب، من سينقل للعالم البترول والغذاء والمعدات الثقيلة. فلنا أن نتخيل حجم الكارثة التي ستحدث.
العالم الراهن قد يتقبل أن يعيش دون طائرات لكن لا يستطيع أن ينهض من فراشه، وأن يتحرك عندما تنطفئ محركات السفن، فهي التي تمد المكائن والبشر بالوقود، وبالطاقة.
والفلبينيون يتوافرون في أكثر من 51 ألف عابرة محيطات حول العالم، يؤدون مهام استثنائية في عمليات النقل والصيانة والتشغيل على متن هذه الناقلات الضخمة والمؤثرة.
وما يميز الفلبينيين عن غيرهم هو إجادتهم للغة الإنجليزية، وحصولهم على التدريب الفني في صفوف مبكرة. فالفلبين تمتاز بمعاهد تدريبية متخصصة تصقل مواهب طلبتها بأفضل أنواع التدريب المرتبط بالعمل. كما أنها تركز على تخصصات تتجاهلها الكثير من دول العالم وهي هندسة وصيانة السفن والطرق وعلوم التخطيط التي جعلت الفلبينيين يتبوأون الريادة في هذا المجال.
وعندما نتحدث عن الفلبينيين لا يجب أن ننسى الممرضات الفلبينيات اللاتي يشكلن ما نسبته 23% من عدد الممرضات في العالم.
ففي الفلبين نحو 190 جامعة وكلية ومعهد معتمدة تقدم شهادات ودورات في التمريض. وتخرج سنويا أكثر من 9000 ممرض وممرضة أغلبهم ينتقلون مباشرة إلى العمل في مستشفيات أمريكا وبريطانيا والسعودية وأيرلندا والإمارات والكويت وسنغافورة. وأصبح من غير المألوف أن تدخل أي مستشفى في العالم دون أن تشاهد ممرضة فلبينية تبتسم في وجهك وتبعث الأمل في نفسك.
تقول الممرضة الفلبينية كاتي آن (35 عاما) التي تعمل في المملكة منذ 5 سنوات وقبلها عامين في سنغافورة، إنها لم تشعر في سنغافورة أو الخبر بأنها خارج وطنها "فالفلبينيون كانوا حولي في كل مكان".
وتعتقد كاتي أن التأسيس المبكر هو الذي جعل الفلبينيات يتميزن في التمريض وغيره من الحِرف. فهي بدأت تتعلم هذه المهنة وهي في الرابعة. فخالتها كانت تصطحبها معها إلى المستشفى الذي تعمل فيه وتطلب منها أن تراقب تحركاتها وأسلوبها وتعطيها قبلة على جبينها حينما تتعلم شيئا جديدا. تقول: "عندما بلغت الحادية عشرة أصبحت محترفة. أصبحت أقوم بقياس ضغط جدي، وإعطاء أمي حقن الأنسولين".
هذا التأسيس المبكر الذي يغيب عنا تماما. فتجد الكثير من الأبناء يبلغون مرحلة الجامعة وهم لا يجيدون أية حرفة سوى صناعة الضجر.
فالفلبين التي لا تبدو على الخارطة دولة مؤثرة، باستطاعتها أن تشل الاقتصاد العالمي بأسره.
علينا أن نحترم العنصر البشري الفلبيني ليس من خلال استيراده فقط بل عبر التعلم منه ومن تجربته الثرية.
علينا أن نتعلم ونعلم أولادنا قيادة وصيانة وتشغيل السفن والناقلات، والتخطيط والتمريض، والدقة والإخلاص حتى لا نصبح كمحمد المغربي الذي شعر أنه فقد شهيته وطموحاته بعد أن تركه عاملاه الفلبينيان.
ويجب أن نتذكر جيدا أننا سنموت ببطء لو انفض الفلبينيون من حولنا. فلن نستطيع أن نأكل. وأن ننهض. فمن سينقل وقودنا، ويجلب طعامنا؟!
عبدالله المغلوث
الوطن