في الاونة الآخيرة ومع تواضع نتائج المنتخب الفرنسي ترسخت مقولة(فرنسا بلا زيدان لاتساوي شيئا)، واصبحت هذه المقولة على كل لسان، حتى الذين كانوا يرفضونها استسلموا واضحوا يرددونها بعد الهزيمة المفجعة امام هولندا في يورو 2008، وهذه المقولة قديمة لكن المعلق التونسي عصام الشوالي منحها انتشاراً واسعاً بعد ان ظل يرددها في كل مناسبة، ومعروف ان للشوالي تأثير كبير على المشاهد العربي وله ملايين الانصار والمعجبين.
ولكن هل حقاً: فرنسا لاتساوي شيئاً بدون زيدان؟
الاجابة عندي لا، وبما انني ارفض هذه المقولة واعتبرها مجافية للحقيقة، فانني سأقيم الحجة على من يخالفني بالمنطق ولاشئ سواه، وفي النهاية كل منّا حُر في رأيه، ولا استطيع ان اغصب احداً على الاقتناع بوجهة نظري، فهذا فعل منكر.
في البداية اقول انني من أكثر المعجبين بالاسطورة زيدان، وهو عندي في مرتبة واحدة مع مارادونا، فكرة القدم لم تنجب افضل منهما ابداً، اقول هذا الحكم وانا لم اشاهد بيليه ولاكرويف ولابوشكاش، ولكن بما ان العالم اجمع على ان ماردونا هو الافضل ـ قبل مجئ زيدان ـ فانني وبمشاهدتي للاثنين لا استطيع تفضيل احدهما على الآخر وانما اضعهماً معاً في مرتبة واحدة.
ولا اختلف مع من يقول ان زيدان كان السبب الرئيسي في الانجازات التي حققها المنتخب الفرنسي، فهذا صحيح، ولكن هنالك فرق بين ان نقول ان زيدان كان له دوراً رئيسياً وبين ان نختزل (كل) الانجازات في شخصه، نعم زيدان كان احد اسباب الانجاز ولكنه لم يكن (كل) الاسباب.
اعود بكم الى الوراء فبعد نكبة الخروج من تصفيات مونديال 94 امام بلغاريا، قرر الاتحاد الفرنسي اقالة المدرب جيرار اولييه وتعيين ايميه جاكيه بدلاً عنه، وكانت مهمة جاكيه الرئيسية تتمثل في بناء منتخب قوي يحقق الفوز بكأس العالم بعد 4 سنوات، وبالفعل بدأ الرحلة الطويلة واخذ يمحص ويختار ويجرب، وعانى المنتخب الفرنسي في تصفيات امم اوربا 96 وتعادل في ارضه مع رومانيا وبولندا سلبياً، قبل ان ينتفض في نهاية التصفيات بعد ان حصل التجانس بين اللاعبين ويفوز على رومانيا بثلاثية في بوخارست ويضمن صدارة المجموعة وفي نهايئات الامم بانجلترا قدم منتخب جاكيه اداءً رائعاً وتأهل لنصف النهائي وخرج امام تشكيا بركلات الترجيح، وبعدها بعامين حقق المنتخب انجاز كأس العالم في فرنسا وظهر لاعبون جدد انضموا للمجموعة التي شاركت في امم اوربا 96 ومن هؤلاء اللاعبين هنري وتريزيغيه وفييرا والثلاثة لم يكونوا موجودين مع المنتخب في امم اوربا.
اخوتي عندما ننسب كل الانجازات لزيدان فاننا نزيّف التاريخ ونجحف في حق اشخاص آخرين كان لهم دوراً كبيراً في الانتصارات، واولهم المدرب القدير ايميه جاكيه الذي اكتشف النجوم ووضع خططاً تكتيكية اذهلت العالم وحيّرت مدربي ايطاليا وكرواتيا والبرازيل.
نظلم خط دفاع فرنسا الذي لم يسمح سوى بدخول هدفين في مرماه طوال مونديال 98 احدهما من ركلة جزاء في مباراة الدنمارك التي لعبتها فرنسا بالصف الثاني، اي ان المنتخب دخل مرماه فعلياً هدف واحد هو في مباراة كرواتيا بقدم سوكر، وهنا اسأل: لو كان خط دفاع فرنسا ضعيفاً وكذلك حارس مرماه، هل كان سيفوز بكأس العالم؟ كلا والف كلا، والدليل ان منتخب البرازيل 94 ليس افضل من منتخب البرازيل 82 لكن الاول فاز بكأس العالم لان خط دفاعه كان قوياً، فيما فشل منتخب 82 لان دفاعه كان مكشوفاً.
عندما نختزل كل شئ في زيدان نظلم لاعبين مثل لوران بلان(الذي سجل الهدف الذهبي في مرمى بارغواي ولو سارت المباراة لركلات ترجيح لربما خرجت فرنسا بسبب وجود المعلاق تشيلافيرات). ونظلم تورام(الذي ناب عن المهاجمين وسجل هدفين في مرمى كرواتيا من مجهود فردي ليساهم في تأهل بلاده للنهائي)، ونظلم ديسائيه وديشامب وجوركاييف والقائمة تطول.
ولو تحدثنا بنفس المنطق الذي يقول ان فرنسا بعد اعتزال زيدان عاجزة عن تحقيق الانجاز، فلمَ لانقول ان انجازات فرنسا توقفت بعد اعتزال لوران بلان وديشامب واللذان تركا المنتخب بعد امم اوربا 2000 ومنذ ذلك الحين لم تفز فرنسا بالمونديال او امم اوربا(فازت فقط بكأس القارات).
أحبائي كرة القدم لعبة جماعية، ولولا ان المنتخب الفرنسي توفر له جيل متكامل ومتميز في كل الخطوط دفاعاً ووسطاً وهجوماً وامتلك حارس مرمى رائع(بارتيز) لما احرز كأس العالم وامم اوربا حتى وان كان زيدان موجوداً.
وثمة دليل آخر.. زين الدين زيدان مع يوفنتوس فشل في الفوز بلقب ابطال اوربا رغم وصوله النهائي مرتين(97 و 98)، وهو ماجعله ينتقل الى ريال مدريد ولم يكن سبب الانتقال المال انما الرغبة في الفوز بلقب الابطال، فزيدان كان يعلم ان عناصر الفوز متوفرة في الريال اكثر من اليوفي وبالفعل استطاع مع الفريق الملكي تحقيق ماعجز عنه مع اليوفي.
وبنفس المنطق فان زيدان لو لم يكن في فرنسا وكان في منتخب آخر مثل اسبانيا او انجلترا او تشيكا ربما لم يكن ليحقق نفس الانجازات، وربما استطاع ان يفعل ماهو اكثر لو كان في منتخب البرازيل مثلاً، هذه مجرد افتراضات طبعاً.
وقبل ان اختم اذكر الاخوة بأن زيدان وفي آخر ثلاثة مواسم مع ريال مدريد فشل في الفوز بأية بطولة، لماذا؟ لأن الريال كان تائهاً ويعاني من ضعف في عدد من خطوطه، واليد الواحدة لاتصفق، ولكن عندما لعب زيدان مع مجموعة رائعة ومتجانسة في مونديال 2006 استطاع ان يتأهل للمباراة النهائية.
اخيراً لا اتفق مع من يقول ان سبب تواضع نتائج فرنسا في امم اوربا هو غياب زيدان، نعم زيدان قد يكون احد الاسباب، لكن لماذا نتجاهل باقي الاسباب ومنها: ضعف حراسة المرمى بعد اعتزال بارتيز، ضعف خط الدفاع بعد تقدم تورام في السن وابعاد مكسيس، تدهور مستوى لاعبين اساسيين مثل مالودا وهنري وانيلكا، غياب القائد فييرا بسبب الاصابة، واخيراً: اخطاء دومنيك، كل هذه الاسباب مجتمعة ادت الى الحال الذي نراه اليوم، وليس غياب زيدان وحده، فاليد الواحدة لاتصفق.. لاتصفق.. لاتصفق.!