مناهج تدريس بالية.. ومعلمون ضعفاء وطلاب يبتلعونها على مضض
حصيلة سنوات "الإنجليزي" Yes - No
الرياض: فارس النواف
رغم أنه من الصعب على متخصص في الكيمياء مثلا أن يشرح لطلاب درسا في الجغرافيا، إلا أنه يحدث عندما يتحدث مدرس لغة إنجليزية باللغة العربية أثناء حصة مخصصة للغة الإنجليزية، لتصبح الأخيرة نفقا يمكِّن من العبور في الأوقات الحرجة فقط، كما أنه يحدث أيضا عندما يوكل أمر تدريس اللغة الإنجليزية لمتخصص فيها لكنه بعيد عن معرفة طرق وأساليب التدريس لكونه غير تربوي.
وفيما بات موضوع ضعف المستوى التحصيلي للغة الإنجليزية بالنسبة للطلاب أثناء مراحلهم الدراسية قضية شائكة، تباينت آراء متخصصين وأكاديميين وطلاب حول تفنيد أسباب المشكلة واقتراحات الحل، خاصة بعد أن باتت تظهر نتائج ضعف التحصيل في الإنجليزية بشكل أكبر خلال السنوات الماضية، من خلال متطلبات سوق العمل وقبل ذلك في بعض التخصصات لإكمال الدراسة الجامعية، حتى أثار قرار وزارة التربية والتعليم بإدخال اللغة الإنجليزية منذ المرحلة الابتدائية ردود فعل واسعة على مختلف المستويات.
وفي حين طرحت "الوطن" قضية ضعف مستوى اللغة الإنجليزية، وصف رئيس قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب بجامعة الملك سعود الدكتور عودة بن محمد الجهني الموقف بـ"لا تحجب الشمس بغربال" مكتفيا بالقول "المستوى سيئ جداً".
تجربة مهمة
وتعد تجربة تعليم اللغة الإنجليزية من التجارب المهمة في مجال التطوير التربوي حيث تعمل على تحسين مخرجات التعليم كونها مخرجات فاعلة وقيمة بحيث يتزود التلميذ بلغة ثانية غير لغته الأساسية التي من دونها لا تتحقق الطموحات المرجوة المتمثلة في إكساب معارف وخبرات تربوية جديدة للتلميذ.
وأكد سند الظفيري (مشرف تربوي للغة الإنجليزية) أن هناك ضعفا في اكتساب اللغة الإنجليزية عند الطلاب وخصوصاً خريجي المرحلة الثانوية لعدة عوامل منها أن المناهج بشكل عام لا تعطي الطالب الفرصة لممارسة اللغة بشكل عملي ويتم التركيز على الجانب النظري من المعرفة اللغوية فقط، على سبيل المثال هناك قطعة يشرحها المعلم بقاعدتها اللغوية دون أي ممارسة عملية داخل الصف، حيث يعتمد الكثير من المعلمين على الأسلوب الإلقائي في شرح نصوص الكتاب وقواعد اللغة دون تشجيعهم الطالب أو إعطائه فرصة لإنشاء جمل مماثلة لما في الكتاب، بمعنى أن الطالب لا يحيد عن الكتاب المدرسي يمنة ولا يسرة".
واتهم الظفيري المعلمين بضعف تطبيق اللغة داخل الفصل بالإضافة إلى غياب التعلم التعاوني والحوارات القصيرة في السؤال والجواب بين الطلاب، مشيرا إلى أن هناك ثماني طرق للتدريس يمكن استخدامها، وزاد في تفنيده للمشكلة أن المعلمين لا يعرفون طرق التدريس لأنهم خريجو كلية الآداب والترجمة، وجانب اللغة يحتاج إلى متخصص تربوي يعرف طرق تدريس اللغة الإنجليزية، وكثير منهم يطبقون الطريقة القديمة (طريقة القواعد والترجمة) وهذا ليس معناه إلغاء هذه الطريقة، بل الاستفادة منها في الجوانب الإيجابية، وهناك طرق جديدة يجهلها المعلمون ويفترض على المعلم تغيير طريقة التدريس حسب نوعية الدرس".
من جهتهم، وصف بعض الطلاب طريقة تعليمهم بعبارة "سلق بيض"، مضيفا أنه ليس تعليماً صحيحاً مبنيا على أسس ومناهج سليمة، مما يدفع الكثيرين من الطلاب بعد تخرجهم إلى اللجوء للمعاهد الخاصة لتعليم اللغة الإنجليزية بسبب ضعف المناهج والطرق التعليمية وضعف التدريس وعدم توفر بعض الأدوات المساعدة لتعلم اللغة الإنجليزية.
ويؤكد ذلك مدرب اللغة الإنجليزية بكلية التقنية بالرياض سالم الدوسري قائلا إن الطريقة التي تدار بها المادة خاطئة حيث إنه يجب أن يتم تعلم هذه المادة عن طريق المهارات الأربع الأساسية، وهي: الكتابة، القراءة، الاستماع، والتحدث، مشيرا إلى أنه يجب لاستخدام هذه المهارات الأربع توفر معلمين متخصصين وبدرجة عالية في أي منها، ويتطلب تطبيق ذلك وجود مدرسين من ذوي التخصص الدقيق في أي من المهارات المذكورة سابقاً ليتخرج الطالب متمكناً، كما يتطلب وجود حيز في جدول الطالب الدراسي لهذه المهارات الأساسية الأربع، علاوة على الإمكانات المادية التي تمكِّن من توفير الوسائل السمعية والبصرية".
ويضطر بعض أولياء الأمور لإلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة أملاً في معالجة هذه المشكلة ولكن يظل الوضع كما هو نظراً لتشابه الظروف في المدارس الحكومية والخاصة، كما يشير إلى ذلك الدوسري.
العقبة الكبرى
وكشف تقرير سابق نشرته "الوطن" حول دراسة أعدها عضو هيئة التدريس بمعهد الإدارة بالرياض المبتعث السعودي إلى أمريكا لإكمال مرحلة الماجستير في اللغة الإنجليزية أحمد بن محمد الشهري أن الطلاب السعوديين أقل الطلاب عربياً وآسيوياً تحصيلاً في امتحانات التوفل، وأن القراءة هي العقبة الكبرى التي تواجه الطلاب السعوديين عند بدء دراستهم الأكاديمية.
و يرى الشهري في توصيات دراسته أنه من الأولى تركيز المناهج الدراسية لمراحل التعليم المختلفة بالسعودية على المهارات التفكيرية والنقدية، وتدريب المتعلم على التفكير، والتحليل والنقد، وحل المشكلات، ومعرفة السبب والتأثير الناتج عن التأليف والتلخيص.
ووفقا لمدير أكاديمية الفيصل أحمد الطويل فإن المعاهد المتخصصة في تدريس اللغة الإنجليزية تزيد نسبة الدورات المتخصصة في تعليم اللغة في فترة الصيف، نظرا لوجود الفرصة للطالب أو الموظف للاستفادة من الصيف في تحسين اللغة.
وأضاف الطويل أن كثيرا من طلاب المدارس الحكومية والخاصة ينتسبون إلى المعاهد المتخصصة وذلك لتحسين مستوى اللغة وهناك تزايد في أعداد الطلبة المنتسبين للمعاهد خصوصاً في إجازة الصيف ومن جميع المستويات العمرية، ووفقا لأحد مكاتب الخدمات التعليمية محمد العباد فإن نسبة الطلبة الراغبين في دراسة اللغة الإنجليزية خارج المملكة تتزايد سنوياً حيث زادت 60% عن العام الماضي، مشيراً إلى أن الدول المفضلة لدى الطلاب كندا، وأستراليا، وأمريكا، ونيوزلندا، وتصدرت كندا الدول حيث وصلت نسبة تسجيل الطلبة إلى 55% وتليها أستراليا بنسبة 25% وأمريكا ونيوزلندا بنسبة 20%.
وتحمل بعض الدراسات الأسر جزءا من مسؤولية ضعف اللغة الإنجليزية من خلال عدم تنمية اللغة لدى أبنائها بمختلف أنواع الوسائل المتاحة من قصص قصيرة أو أفلام أو صور وخلاف ذلك، وترى أن الطالب يحتاج إلى التطبيق خارج أسوار المدرسة، حيث إن غياب دور الأسرة في تشجيع الطلاب على اكتساب لغة جديدة وانعدام رغبة الأسرة في تعزيز ما يكتسبه الطالب في المدرسة يؤثران سلبا على تحصيله للغة الجديدة.
ويتفق ماجد التميمي مع ذلك من منطلق أن الإنسان الطموح دائماً ما يبحث عما يطور به ذاته وقدراته نحو الأفضل، منطلقا من أن اللغة الإنجليزية أصبحت مطلوبة في سوق العمل في القطاع الخاص خصوصاً أنها لغة متداولة بين الناس ليس في مجال العمل فحسب بل حتى في الحياة اليومية سواء في المستشفيات أو بعض المطاعم.
ويروي إبراهيم المهنا (موظف قطاع خاص) تجربته مع اللغة بدون الدراسة بقوله "تخرجت في الثانوية ولا أعرف أي كلمة أجنبية سوى (yes-no )، وحقيقة لم أكن أعرف متى تقال هاتان الكلمتان"، وهو يتذكر الموقف استحضر البدايات الأولى له في مجال عمله عندما كان يضطر لاستقبال تقارير باللغة الإنجليزية تختص باستلام بضائع "ظروف عملي أجبرتني على تعلم اللغة الإنجليزية حيث تكتب التقارير والسندات والتسليم والاستلام للبضائع باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى ذلك أنا مهتم ببرامج الكمبيوتر والإنترنت لذا كان علي أن أتعلم اللغة".
التوجه إلى المعاهد الخاصة
وكذلك الحال مع ضاري الجربا (طالب جامعي، 20عاما) الذي يشير إلى أن طريقة التدريس في الكلية تتركز على اللغة الإنجليزية (يدرس في كلية أهلية) أجبرته على التوجه إلى المعاهد الخاصة لتعلم اللغة بالشكل الصحيح، نظرا لضعف مستواه في اللغة بعد تخرجه في الثانوية، وبين أنه يجب تعلم اللغة في المرحلة الابتدائية بشرط ألا تكون بنفس الطريقة الحالية التي يتبعها مدرسو وزارة التربية والتعليم.
ومن وجهة نظر مدير عام أكاديمية الفيصل العالمية أحمد الطويل، وهي أكاديمية لديها مسار متخصص باللغة الإنجليزية، فإن الحديث في هذا الموضوع يحتاج إلى طرح عميق وتحليل لهذا الضعف الواضح في بعض النقاط، وهي: ضعف معلمي اللغة الإنجليزية في مدارسنا الحكومية والاكتفاء بشهادة البكالوريوس فقط، وعدم تطوير مهاراتهم في تعليم اللغة الإنجليزية بالبرامج والدبلومات العليا التي تفيد المعلم سواء في مجال تخصصه أو تطوير طرق التدريس لديه في هذه المادة، وعدم إيجاد البيئة المناسبة للتعليم بشكل عام من حيث التفاعل والمشاركة وخلق روح الطموح لدى الطلاب، وضعف المناهج وعدم تطويرها وهي ثقافة سائدة في كل المناهج تقريباً التي تعتمد على التلقين والحشو وعدم تحريك ذهن الطالب للحصول على المعلومة وشحذ الذهن لإيجاد جيل يتفاعل ويكتسب المعلومة ويحرك فكره للتطوير الدائم،وضعف التعاون بين المدارس الحكومية
والجهات التدريبية المتخصصة في هذا المجال لتطوير المعلمين والمناهج والاستفادة من الطرق الحديثة في تعليم اللغة الإنجليزية.
ويعود سند الظفيري إلى التأكيد على أنه ليس كل من يعرف لغة يستطيع تدريسها، معيدا المشكلة إلى عدم ثقافة بعض المعلمين وتخصصهم في التربية ووضعهم في الميدان، لافتا إلى أن غياب الأنشطة اللاصفية لدعم المناهج الدراسية مثل النشاط المسرحي له دور فيما يعانيه الطلاب من جهة تحصيلهم للغة الإنجليزية، مبينا أنه لو أن الطالب حفظ نصوصا مسرحية أو بدأ يتخاطب مع زميله ويتحاور معه فإن الكلمات والجمل المتبادلة بينهما سوف تبقى مع الطالب لفترة طويلة، وكذلك المسابقات، والقصة القصيرة والتعبير، وهذا كله لا تجد له داعما.
وأوضح أن من ضمن المشاكل، كثرة المواد النظرية البعيدة عن
الجانب التدريبي والتي تعتمد على الحفظ والتلقين بدلا من إشراك الطالب في العملية التعليمية، وغياب الورش العملية في التدريب بل إنه لا يوجد بالمدارس مختبرات لغوية ومن المفترض على الأقل توفير بعض الأساسيات المطلوبة لدعم طرق التعليم.
ويتوصل سالم الدوسري إلى أن حل هذه المشكلة يتمثل في إيجاد مراكز لغة تابعة للوزارة تقوم بتوفير مراكز لتعليم اللغة تحت إشراف جامعات أجنبية ومطعمة ببعض الكوادر السعودية لمدة عام كامل قبل الالتحاق بالجامعة أو المعاهد الفنية المتخصصة، ويطلب أيضاً إرسال بعض الكوادر الوطنية في دورات خارجية لتعليم أحدث المهارات الأساسية حتى يتمكنوا من الالتحاق لاحقاً بهذه المراكز، ويمكن تطبيق ذلك مبدئيا على سبيل التجربة في منطقة مثل الرياض وفي حال نجاحها يتم تعميمها على باقي المناطق.
تأدية واجب
أما الطالب عبد الله الراجحي (طالب ثانوي، 17عاما) فقال: إن هناك فرقا شاسعا بين تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا الحكومية والمعاهد الخاصة، مشيرا إلى أن المدارس الحكومية تأخذ الحصص على أنها تأدية واجب وليس للتعليم الحقيقي للغة وأنها تكاد تكون حصة للغة العربية ونسبة 90% من مدة الحصة يتحدث فيها المدرس باللغة العربية، بينما في المعاهد الخاصة تكون مخصصة لتعليم اللغة على الوجهة الصحيحة، ومناهجها وطريقة التعليم فيها أفضل بكثير. وقال إن الشخص عندما يذهب إلى المعاهد الخاصة يذهب برغبته وحباً للتعلم.
وذهب تركي الحمدان (طالب في الكلية التقنية)، إلى أنه دخل الكلية ومستواه ضعيف جداً في اللغة وذلك لأسباب التعليم وعدم التركيز على اللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية وأن تعليم اللغة يبدأ متأخرا في الثانية عشرة من العمر تقريبا في الصف الأول المتوسط وأغلب الدول الخليجية يكون التعليم للغة الإنجليزية فيها منذ المرحلة الابتدائية.
قراء "الوطن" يجمعون على رفض القبلية ويستنكرون استغلال الفضائيات
المصدر/ الوطن السعودية