كيس قمامة يختصر عناء 57 عاماً لرفيقي الشيطان

لم يكن مرضى الكلى في حاجة لتأخير دقيقة واحدة لتناول الدواء الذي يجعلهم صامدين أمام غزو المواد المسمومة التي تجتاح اجسادهم. وفيما كانت الانظار تتجه نحو الدواء طوابير الانتظار تؤكد الحاجة لكل قطرة دواء والدليل قائمة الراغبين في الغسيل.. كانت انظار اخرى تتجه نحو الدواء لا رغبة في مزيد من دعمه بل رغبة في تقليصه.
في مستشفى الملك فهد بجدة كان مرضى الكلى يتراصون بعضهم من اجساد نحيلة ارهقها الاعياء حتى الاجساد الضخمة كانت مجرد بالون ينتظر الوقت المعلوم لشفط المياه السامة ليعود فارغا هشا.
الهدوء الذي يجتاح المكان يدل على ما مدى الالم الذي يشعر به المرضى فلا مجال الا لاصوات ضعيفة لدوران اجهزة الغسيل فيما خرير مياه الاصباغ بالكاد يخترق الاسماع مرورا الى الاجهزة الحساسة التي لا تتعامل مع عبوات دقيقة فخطأ الزيادة او النقصان ينذر بمزيد من العطب لكلى بالكاد تتعامل بدقة متناهية وبحساسية أكثر من دقيقة من تلك العبوات.
موقع الكنز
في الجانب الآخر كانت العبوات تتراص داخل مخزن المستشفى رائحتها تدل على عمق الاه التي تخرج من الافواه التي تبتلعها ولونها تراه العيون لونا احمر وان كانت شبكات العيون تتعارف على وصفه باللون الابيض الا ان لون الدماء التي يختلط بها اضفت عليه مرارة اللون.
معذبون هؤلاء.. من ابتلوا بأعطاب ومحرمون من جعلوا الاجهزة البشرية تحامل اصلاح ما أفسدته الايام.
ومع مرارة المعاناة للمرضى وحجم التعاطف الذي يبديه كل من يرى الوجوه الشاحبة كانت هناك اياد اخرى ليتها تكتفي بان تلقف ما يلقى عليهم من المرضى الذين تجود اياديهم بالصدقات علها تخفف عنهم الالام لكن تلك الايدي لم تكن تعترف الا بصدقات من نوع آخر وباتت ترى ان كل ما يمكن ان تطاله اياديهم صدقات بعيدا عن الامانة والواجب حيث اعتبروها مجرد شعارات لا تحقق الغنى.
استغل اثنان تربطهما علاقة الاقليم الاسيوي وان اختلف بلداهما "احدهما بنغالي والاخر هندي".. الاكياس السوداء التي اعتادوا ان يحملوها في اياديهم ولا يستطيع احد ان ينكرها عليهما او ينهرهما على حملها لانهما ببساطة في قائمة المؤتمنين على النظافة والمسموح لهما بالدخول والخروج من البوابات بكا مافي اياديهما دون ان يراقبهم ااحد فلا احد يجرؤ على تفتيش الاوساخ او القاذورات خاصة اذا كانت مخلفات مرضى.
موعد الشيطان
تواعدا سرا في بيت الشيطان وان لم يكن له دار سوى عقولهما الفاسدة فتلاقحت افكارهما والمخطط معروف، والصيد ثمين والحراس لا يمكن ان يكشفوا امرهما لانهم مجرد اشباح يتعالجون بالادوية المنقذة بالحياة انهم مرضى الفشل الكلوي الذين لا طاقة لهم بمواجهة عدو كلياتهم ناهيك عن عدو الامانة ولصوص الغرف الطبية.
في اليوم الاول استوليا على حبة كان يمكنها ان تقطع الطريق امام نهاية نصف انسان, فاغراهما النجاح في وضع النصف الثاني للانسان في الكيس الاسود بالاستبلاء على الحبة الثانية, فانتشيا بالانتصار, ومع مرور الأيام بات النجاح لديهما لا يعني سوى مزيد من الحبوب المستخدمة كادوية لعلاج مرضى الفشل الكلوي في اكياس القمامة السوداء, واستغلا حوزتهما على مفاتيح المستودع الرئيسي للادوية ليضعا اياديهما على كل ما تطاله, وما ان وصلت الكميات الى 40 حبة تقدر قيمتها بنحو ربع مليون ريال, حتى دقت ساعة الصفر في عقليهما, واتفقا على اخراج العبوات والكميات الى خارج جسدها الشرعي (المستشفى) وصولا الى الجهة التي من المفترض ان تروج لهما البضاعة الثمينة.
اتفق العاملان على وضع الحبوب في كيس محدد نصفه العلوي مليء بالنفايات فلا يهم لديهما ان اختلطت الكميات بالقاذورات المهم ان يكون الشكل مقبولاً, والثمن مقبوضا ثم يموت من يموت من متجرعي تلك الحبوب في مكان آخر.
تقسيم الثروة
وضعا الثروة التي توفر لهم عناء 28.5 عاما لكل منهما, اذا ما اقتسموا الكعكة الثمينة, وتركا وظيفة لا تدر عليهما سوى 350 ريالا في الشهر الواحد (4200 ريال سنويا) وضعها في كيسين دسوهما وسط الاكياس الكثيرة التي يجمعان فيها النفايات, ووضعا احدهما في ردهات المستشفى في مكان أمين, والاخر ابقوه في المستودع موقع الكنز الثمين.
لكن العدالة تبقى.. اذ ظهر من بني جلدة احدهما من يؤمن ان تعب الـ 28.5 عاما يهون ما دام العمل نظيفا والايادي بيضاء, والضمير (مرتاح البال).
ادرك زميلهما ان في الامر شيئا فاستغل غيابهما عن موقع الاكياس, وتأكد بنفسه من العبوات ثم سارع بالبلاغ، فأخطر الموظف المختص بان زميليه باعا نفسيهما للشيطان، وفضلا الكسب الحرام, وغنى الدنيا الزائف.
نهاية الإثم
وامام البلاغ تصيدا الامر لمعرفة من هؤلاء الخونة فظهر الاول, يتفقد الكنز المخفي فسجل في قائمة اللصوص, التي خلت من الآخرين.. وحتى لا يطول الانتظار وقبل ان يأتي المساء, وتطير الطيور بارزاقها تم اخطار الجهات المختصة التي باشرت الموقع, وضبطت اللص الواحد وامام الشكوك بوجود من خلفه, تم التحقيق السريع معه ليكشف عن رفيقه في السرقة, الذي حرضه عليها ليتم القبض على اللص الثاني, والذي انكر السرقة بغرض المتاجرة, زاعما انها بغرض عمل الخير لمداواة آخرين مصابين بالفشل الكلوي- خارج الحدود ونسي ان للتبرع قنواته, وان الايادي البيضاء للمرضى التي تجود عليهما بالدراهم المعدودات تماثلها اياد اكثر بياضا تدفع بسخاء لعلاج الاوجاع خارج المملكة بلا من او اذى. واخيرا وامام التحقيقات بدأ كل لص يلقي باللوم على الاخر وبدلا من اختصار الـ 28.5 عاما بالسرقة وجدا نفسيهما امام سنوات قلما توفر عليهم عناء العمل الشريف, انها سنوات وراء القضبان, وصدق الله العظيم (ولا يفلح الساحر حيث اتى) سورة طه.
تابع العمل الامني مدير شرطة جدة اللواء علي السعدي ومساعده للامن الجنائي العميد محمد الخضاري فيما قاده رئيس مركز شرطة الشرفية ورئيس قسم التحقيقات بالمركز وتابع عملية ضبط العمالة العقيد ابراهيم الحمزي مدير ادارة دوريات الأمن بجدة.
الجدير بالذكر ان قسم شرطة الشمالية باشر الشهر الماضي حالة مماثلة وقعت في مستشفى العزيزية للولادة والاطفال قام خلالها عاملان من جنسية آسيوية بسرقة ادوية بكميات كبيرة وضعاها في احدى الشقق المجاورة للمستشفى والذي خصصه لجمع الادوية وكانا قد استأجرها بمبلغ كبير لهذا الغرض.
روح اجرامية
الناطق الإعلامي لشرطة محافظة جدة العقيد مسفر بن داخل الجعيد أشار الى ان التحقيق مع المضبوطين لا يزال جاريا وقد تم تحريز الأدوية وتسليمها بشكل فوري للجهة المعنية بهدف الحفاظ عليها من التلف كونها تحتاج للحفظ، وقال: الجناة تم إيقافهم لكشف كل المتورطين في السرقة فيما حذر الجعيد جميع المتعاملين بمثل هذه التعاملات المشبوهة، وأضاف: يجب أن يتم كشف مثل هذه التصرفات والممارسات حتى لا يتم تشجيعهم على الاستمرار وأضاف: إعطاء العامل الأمن الكامل وترك الحبل على الغارب يشجعه على خيانة الأمانة عندما تسنح الفرصة له لذا يجب أن تكثف الرقابة عليهم وتحدَّد مسؤولياتهم حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.
واعتبر المحامي ساير الكريثي الجريمة احدى جرائم الاختلاس الموجبة لإنزال اقصى انواع التعذير لما يحيط بها من ظروف مشددة وبكل ما تحمله من معاني العمد، خاصة ان الجناة استغلوا وضعهم كعاملين في المرفق الطبي وطبيعة عملهم التي تستدعي لهم الدخول والخروج بأمان دون لفت الانتباه.
واضاف ان مختلس الادوية المنقذة للحياة مثل مرضى الفشل الكلوي يدل على انهم خططوا لجريمتهم بدقه بغض النظر عن وجود اشتراك جنائي من عدمه، مشيرا الى ان الجريمة من نوع السرقات المتكررة بدافع عدم اثارة الانتباه، الذي ينم عن توفر الروح الاجرامية في الجناة، واحتمال اقدامهم على سرقات مماثلة دون ان يفتضح امرهم.
وابان ان الجناة سيحالون للمحكمة التي ستقول كلمتها لردع مثل هذه الانواع من التصرفات.
وأشار الى أن الشؤون الصحية فتحت ملف التحقيق في الواقعة للتأكد من عدم وجود أي اهمال ادى الى قيام العاملين بمحاولتهم سرقة الادوية. وقال المصدر: من المعروف ان الادوية يجب ان تحفظ في ظروف معينة بعيدا عن الرطوبة والحرارة وبدرجة اضاءة معينة حتى تحافظ الادوية على خواصها ومركباتها الكيميائية واضاف حفظ الادوية في مكان رطب وحار (مثل دورة المياه او المستودعات التي تفتقد البرودة والاضاءة المناسبة) قد يجعل الأدوية تفقد فعاليتها حتى لو لم ينته تاريخ صلاحيتها وقد تتحول إلى مواد سامة تكون نتائجها خطيرة وقاتلة في بعض الاحيان لذا يتم تداول والتعامل وتخزين الدواء بآلية معينة وفي اجواء وبيئة مناسبة.