لماذا لا نقرأ
سؤال يتردد كثيرا ويشغل بال الكثير من الآباء مع أبنائهم أو المربين مع إتباعهم أو مع ذواتهم، فكم شهدنا من أناس تشتري الكتب ولا تقرأها وتضع الجداول الزمنية ولا تنتظم بها وكم من شخص مبعثر بين أروقة الكتب لا يحسن شيئا ولا يفقه الا فتات الفتات يقرأ كل يوم في مجال ولا يدري أين يسير.
لعل السبب يرجع الى قضية جوهرية لو وجدت لانتفى مانع القراءة ولأصبحنا نتربع على سدة الأمم في القراءة، الإشكالية اشكالية تربوية وثقافية في نفس الوقت ومفادها ان العقول التي نحملها لا تحمل تساؤلات تحتاج الى إجابة.
إن عقولنا مستقرة لا يحصل داخلها أي تفاعل حقيقي يؤدي الى إثارة الكثير من التساؤلات الملحة التي تدفع بالانسان الى البحث في كل مجال ليجد الإجابة المناسبة التي تسكن العقل وتهدأ من لهفته للمعرفة.
إن العقل البشري يستحيل ان يترك فراغا داخله بلا اجابة، وحين يعجز عن ايجاد التفسير المنطقي والصحيح فإنه يفترض افتراضات حتى ولو كانت خاطئة لكنها تعتبر الاجابة المؤقتة للعقل حتى يستقر، ولتنظر الى الأطفال ستجد ان عقولهم مليئة بالأوهام وهي في حقيقتها اجابات لأسئلة لديهم لم يجدوا الاجابات الصحيحة لها فبنوا اجابات تناسب عقولهم، وهكذا ...
إن الناظر الى طرائق التربية في مجتمعاتنا يلحظ حجم التخدير الذي تعانيه عقولنا من قبل الموجهين بشكل عام، فحتى على أعلى الصعد التي تستحق النقاش واكبر الأسئلة الملحة تجد الاجابة تخديرية غير حافزة للبحث والاطلاع هشة تحاول صرف العقل بقصد او غير قصد عن التفكير الجاد والمثمر والمحرج في نفس الوقت.
ولنضرب مثالا بأكثر الأسئلة إلحاحا في عصرنا هذا وهو لماذا تخلفت الأمة عن ركب الحضارة ؟ ستجد الإجابات هزيلة مخدرة ضبابية لا تدفع العقل الى مزيد تفكير.
فقائل يقول سبب تخلف الأمة هو تخلفها عن شرع الله. ليقبل كل مناقش ان هذه الحجة سائغة بينما لو امعنا التفكير لوجدنا انها اجابات غير مقنعة فما هو المنهج الذي تخلفت عنه الامة فهؤلاء الناس تصلي وتعبد الله فما الذي تغير بالضبط؟؟؟ ومتى بدأ التغير؟ وكيف نتدارك الخطأ وما طريق الرجعة ؟ ومن السبب في التحول؟ وهلم جرا من أسئلة محرجة جدا تجعل العقل يبحث عن مكمن الداء في التخلف الحضاري. اما تعميم السبب بالتخلف عن منهج الله فهو أمر لم يعد مقبولا.
ومن العبارات التي ترددت كثيرا ولم تدقق بعد عبارة "لا يصلح آخر الأمة الا ما اصلح أولها" وهي من المقولات التي استمرأتها العقول وتلقفتها الآذان بلا تساؤل وأدت هذه العبارة الى صرف الناس عن التساؤلات الأخرى. فأي أول تقصده العبارة هل عصر النبوة أم عصر الخلفاء الراشدين أم عصر ابو بكر وعمر رضي الله عنهما؟ ام عصر الأمويين؟ والعباسيين؟ أم ماذا بالضبط؟ وماالذي اصلح هذا الأول الغير محدد تحديدا دقيقا ؟ هل العدل ام الشورى أم قيام الليل ام ماذا أم سنعود الى عبارة اكبر عموما لنقول انهم طبقوا شرع الله؟
لابد ان نحدد بالضبط اس الداء واساس المشكلة وعدم الاكتفاء بتشخيص عام لا يركز على الجرح ولا يضع الأسئلة المحرجة حتى تبدأ العقول تبحث عن الأجابة الأنجع والحل الأصوب حينها سترى العقلاء والمبدعين يبحثون في كل اتجاه و يقرؤون بنهم لمعرفة الإجابة.
فما احوجنا لسلوك منهج التشكيك واثارة زوابع الأسئلة في كثير من القضايا حتى تتفاعل العقول وتبحث عن ما يهدأ روعها....
محبكم نايف