تتوافد عشرات السيدات يوميا على منزل سيدة بحي شهار في محافظة الطائف تدعي أنها تعالج جميع الأمراض المستعصية عن طريق القراءة وبيع قوارير الماء وبضعة جرامات من العسل، تضعها في علب صغيرة يتجاوز سعر بعضها 800ريال ، وقد استطاعت السيدة استقطاب أعداد كبيرة من النساء الباحثات عن الشفاء من أمراض السرطان والإيدز وأمراض أخرى عضوية ونفسية، وخاصة بعد أن زعمت السيدة أنها تستطيع معالجة هذه الأمراض التي استعصت على الطب الحديث.
"الوطن" قامت بزيارة للسيدة في منزلها، بعد أن تقمصت محررتها شخصية مريضة، وتم الاطلاع عن قرب على كل ما يدور داخل المنزل الذي تحول لعيادة تعج بالسيدات من مختلف الأعمار اللاتي يشتكين من أمراض شتى، ويتلقين وصفات علاجية متشابهة إلى حد كبير.
تجلس السيدة المعروفة في الأوساط النسائية بـ "أم تركي" داخل منزلها وقد استعانت بسيدة أخرى يبدو أنها تتدرب على يدها، وطفل في العاشرة من عمره، وآخر في الثالثة عشرة من عمره، وفتاة لم تتجاوز السابعة عشرة ، حيث تقوم السيدة المرافقة لها بـالتحضير وتجهيز المكان قبل حضور "أم تركي" ، ثم تبدأ بجمع جوالات النساء المراجعات ووضعها في كيس، وتقوم بعد ذلك بفصل السيدات اللاتي ستقرأ عليهن عن الأخريات المرافقات لهن، وذلك بوضعهن في غرفة مقابلة لغرفة القراءة ، ثم تأتي "أم تركي" وتسلم على جميع السيدات، بينما تبدأ السيدة المرافقة لها بتجهيز أكواب من الماء المقروء عليه، ومن ثم تقوم بترتيب السيدات، ووضعهن على كراسي، ومنح كل سيدة رقما، ثم تبدأ السيدة بالقراءة الجماعية، وحسب الترتيب تقوم بالقراءة على كل سيدة على حدة، ثم تقوم بكتابة الدواء المطلوب والموصوف لكل سيدة، وهو عبارة عن قارورة ماء تبيعها بـ50 ريالاً، وقارورة زيت بـ 50 ريالاً، وعلبة عسل صغيرة لا يتجاوز حجمها كيلو جراما تباع بسعر يتجاوز 600ريال
وقد لفت الانتباه أن السيدة توهم المريضات بأن القراءة لا جدوى منها إذا لم يستخدمن العسل والماء والزيت، وتمنع من لا تشتري من هذه الأصناف من المراجعة مرة أخرى. بينما تطالب المريضات بتناول العسل 3 مرات يوميا، واستخدامه في دهن أجزاء من أجسادهن ، مما يجعلهن يقبلن على شراء كميات كبيرة .
في أحد الجوانب يوجد طفلان أحدهما في العاشرة والثاني في الثالثة عشرة يقومان بترتيب المواعيد والحجز ومنح الوصفات للمريضات ، بينما تقوم الفتاة بالمتابعة لوالدتها المقرئة ولشقيقيها، وتشرف على جمع الأموال ووصف الدواء، وتنبه الأطفال على الحرص ألا تأخذ أي سيدة دواء دون دفع المال.
طقوس معينة
وتلتزم السيدة بطقوس معينة في ملبسها ووقت دخولها، حيث تنزل في تمام الساعة الخامسة والنصف إلى المريضات اللاتي يأتين من الساعة الثالثة بعد الظهر، وعند قدومها تسأل أبناءها عن الأسماء ، وربما أعطت وصفة سريعة ودواء لسيدة مراجعة بعد أن تأخذ المال، وتقوم بالدخول لغرفة القراءة، وتتأكد بنفسها من أن السيدات الماثلات أمامها تمتلك كل واحدة فيهن رقم حجز ، ويغلق الباب للبدء بالقراءة الجماعية وتلاوة بعض الآيات غير الكاملة، ثم القراءة الفردية بعد أخذ الأرقام، وربما وهي تتمتم ببعض القراءة غير الواضحة على المريضة تتحدث مع النساء اللاتي يسألنها ويردن منها دواء لحالات أخرى غير موجودة، وأغلب الأسئلة تكون خاصة بالرجال أو المعاقين أو الذين لديهم ظروف مرضية سيئة، ولا تمانع في قطع القراءة من أجل الرد على هاتفها النقال، أو محادثة من تشاء أثناء القراءة دون اهتمام يذكر بمن تقرأ عليه .
يلاحظ المرء سيدات يرغبن في الحصول على علاج، ولا يمتلكن نقودا فرفضت منحهن الدواء، مما دفع بالبعض منهن إلى عرض أساورها ومجوهراتها التي ترتديها بدلا عن المال من أجل الحصول على الدواء ، وأخرى تطلب منها أن تتغاضى عن بقية المبلغ لحين المراجعة الثانية، وثالثة تستدين من صديقتها وجارتها للدفع ، ورابعة تخرج صفر اليدين دون أن تحصل على شيء.
زبائن السيدة يأتون من أماكن بعيدة ، ومن الزائرات سيدة من مدينة أبها مع والدتها وابنتها الصغيرة، وعندما دخلت تفاجأت بأن السيدة تتقاضى مبلغ 50 ريالا مقابل الكشف، بينما كانت تعتقد أن القراءة بدون مقابل كما يفعل بعض المشايخ، فخرجت لزوجها وأخذت منه المبلغ، وعادت لتدفعه كأجرة كشف فقط .
وتصرخ السيدة أحيانا في وجوه المريضات، وتستحثهن على الخروج والاستعجال، بحجة أن لديها مواعيد مع أشخاص مهمين في ساعة معينة، أو أنها ستقابل أناساً أكثر أهمية منهن، والغريب أن السيدة تدعي أنها تعالج أكثر الأمراض المستعصية على الأطباء كالسرطان والأورام والغدد والاكزيما والتخلف العقلي والشلل، وآخر هذه الأمراض الإيدز .
تبدأ أم تركي بالسؤال عن المرض وأعراضه، وتبدأ في قراءة التمتمات وسكب الماء فوق رأس المريضة، وتطالب المريضات تارة بالكشف الطبي أولا وتارة تطلب منهن عدم الذهاب للمستشفى بحجة أن المرض يتفاقم في المستشفيات
إحدى المريضات المصابات بالسرطان راجعت "المقرئة" عند بداية إصابتها بالسرطان، وطلبت منها الاستشفاء، وانقطعت تلك المريضة عن المقرئة، وعادت لها بعد خمسة شهور ، فأخذت المقرئة في الصراخ بها أمام الجميع بقولها "قلت لك لا تذهبي للمستشفيات، ولكنك أصررت إلى أن أخذ الورم في الانتفاخ من العلاج الكيميائي، فماذا تريدين الآن، لا أعتقد أن الأمر سيفيد ولكننا سنحاول".
وتصرخ السيدة عادة ببعض السيدات وخاصة أولئك اللاتي لم يلتزمن بطريقة العلاج المعينة التي ترسمها لهن، وتطلب من رفيقتها تسجيل الدواء وهو العسل بالرقم المحدد، والذي تختلف قيمته حسب رقمه، ويتجاوز السعر1000 ، إضافة إلى قيمة الزيت والماء اللذين تمت القراءة عليهما، وتحدد الأيام التي يتم الاستشفاء بالدواء لمدة 15إلى 21يوما وهكذا ، وقد خصصت يوم الاثنين لمن يأتين من خارج مدينة الطائف.
قالت الموظفة في تعليم الطائف أم العنود إنها تعاني من آلام عدة في جسدها منذ ما يقارب ثلاث سنوات، وراجعت العديد من المستشفيات، رغم أن الفحوصات التي تجريها كانت دائما تكشف أنها سليمة، فاتجهت إلى القراءة والاستشفاء بالقرآن، فوصف لها مجموعة من الأقارب امرأة تدعى " أم تركي" تعالج بالقرآن، فأحببت أن أطرق هذا الباب، تقول "في الزيارة الأولى دفعت أجرة كشف بـ50 ريالا، ثم حضرت القراءة، ويبدأ بعد القراءة مسلسل دفع الأموال، حيث تتجاوز أجرة العلاج أحيانا ما يقارب 1500 وربما أكثر، إضافة إلى أني تفاجأت أن المراجعة الثانية لديها في حالة المتابعة لا بد من دفع أجرة مراجعة أيضا بـ 50 ريالا".
وأضافت أم العنود "فوجئت وأنا أستخدم العسل بأن أخي يخبرني بأن العسل من النوع الكشميري، والذي يباع في الأسواق بأبخس الأسعار، إضافة إلى ارتفاع تكلفة العلاج لديها، وتنافس النساء في كسب رضا المقرئة بأي طريقة كانت" .
وتشير أم فهد (ربة منزل) إلى أنها تذهب للاستشفاء بالقرآن لدى هذه السيدة. إلا أن التكلفة المادية التي تطلبها السيدة تتجاوز المعقول ، وقالت " ابن ابنتي يعاني من مشاكل نفسية مزمنة، وزارت المقرئة في بداية الأمر ، ولكنها أصبحت تطلب منها مبالغ مالية عالية، ويتضاعف سعر العسل ليصل سعر العلبة الواحدة إلى 800 ريال، وتزيد المبالغ النقدية مع أنواع العلاج الأخرى التي تقدمها السيدة المقرئة ".
وتذكر أم فهد أنها على الرغم من أنها ظلت تدفع إلا أن حالة ابن ابنتها لا تزال كما هي، وفي كل مرة يتم استنزاف جيوبهن بشكل لافت ، مشيرة إلى أن النساء لا يتوانين عن الدفع طالما أن هناك أملا في الشفاء بعد الله.