قرارات في أدراج النسيان
بعد أن هـدأ الكون وسكنت الجنوب إلى المضاجع أجبرت على الوقـــوف وأنا في طريقي إلى المدينة ترجلت عن سيارتي المكان موحـــش والظلام دامــس ولا أري غير بصيص ضوء خافت بعيد على ضفاف وادي فوق تل في الجهة المقابلة انحدرت إلى ذلك الوادي ثم صعدت ذلك التل قاصدا الضوء إلى أن وصلت إلى بيت من القش تصدر منه صرخات وأنَات حقيقية ترددت في الدخول ثم أصررت على الدخول فأزحت الستار المهترئ وجدت رجلا على فراش من حصير قد لفظ أنفاسه الأخيرة والى جانبه زوجة ترملت وولد تيتم وهم في هزال شديد فنظرت إلي وقالت: أنا لا ابكي على موته لأن هذا شئ رأيناه وعشناه وانتظرناه طويلا مع الجوع ووحشة هذا المكان ولكني ابكي على زوجي كونه لا يستطيع الوصول إلى أمنيته التي تحققت فوقفت في دهشة وقلت: وماهي تلك الأمنية ؟
قالت: كنا نتمنى أمنيتين في حياته وأنا الآن أزيد أمنية ثالثة !!
أمنية لم تتحقق، وأمنية تحققت، وأمنية أتمنى أن تتحقق
أما الأمنية التي لم تتحقق هي أننا بالرغم من بحثه الطويل والمضني كنا نتمنى قبل موته أن يحصل على وظيفة حتى يتسنى لنا أن نأكل قطعة خبز ساخنة
وأمنية تحققت بعد أن يأس من الأمنية الأولى وهي أن يحفر ثلاثة قبور متقاربة قبل أن يموت حتى ندفن فيها نحن الثلاثة ولكني الآن لضعفي وقلة حيلتي لااستطيع حمل زوجي إلى أمنيته التي تحققت
أما الأمنية التي أتمنى أن تتحقق هو أن يموت ولدى هذا قبل أن أموت حتى أستطيع أن أواري ما بقي من جسده النحيل ولا اترك جثمانه لوحوش هذا المكان الموحش
واريت جثمان ذلك الرجل وعدت إدراجي بعد محاولات يائسة لأخذهم معي وأخذت مذكراتي واتخذت قرارات مهمة " من اجل محاربة الفقر " لكنني وضعتها في أدراج النسيان
نشرت في عكاظ الأسبوعية
الموافق/ 13 ذوا القعدة