رغم أن المثل يقول: "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، إلا أن هناك داعيات صامتات هن موضوع هذا التحقيق، فهن نساء فاضلات لا ينقصهن العلم ولا لحجة ولا البرهان، لكنهن يتحججن بالحياء، فيحجمن عن مهمة الدعوة رافعات شعار "أضعف درجات الإيمان الإنكار بالقلب"، ونحن معهن أن الحياء لا يأتي إلا بالخير لكنه في مجال مواجهة المنكر وفي مجال تبليغ الدعوة إلى الله يصبح نقيصة غير محمودة.
وتتناول "الدعوة" من خلال المحاور الآتية مشكلة هؤلاء الصامتات: ما توجيهكم للداعية الصامتة التي تعِّلل امتناعها عن الدعوة إلى الله بعدم قدرتها أو بالحياء ونحو ذلك؟ تحتج الكثيرات بأن طريق الدعوة لا يسلكه إلا من تخرَّجت من الأقسام الشرعية، كيف نستطيع تغيير هذا المفهوم الخاطئ الذي ترسخ في نفوس الكثيرين؟ ما توجيهكم لمن يقول إن الإنكار بالقلب فقط من أساليب الدعوة؟




عليكن بالصبر
الأخت وفاة فقالت نصيحتها للداعية الصامتة: لتعلمي أولاً أن طريق الدعوة إلى الله ليس مفروشاً بالورود والرياحين بل بالأشواك والمتاعب، والداعية إلى الله بعدما تسلك طريقها الدعوي ستقابل الجاهلة وتقابل المستكبرة وتقابل المعاندة، ولذلك لا بد لها من زاد تستعين به على دعوتها وأعظم زاد هو "الصبر" وربما لحق الداعية أذى قولي أو فعلي وربما جُمع لها بين الأذى القولي والفعلي معاً. وقدوتنا في ذلك إمام الدعاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناله من الأذى القولي ما قيل له بأنه "ساحر- كاهن- شاعر- مجنون- كذاب" أما عن بعض الأذى الفعلي الذي لحقه "شج في وجهه- كسرت رباعيته- وضع على ظهره سلى الجزور- رموه الأطفال بالحجارة-.." قال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ }[المزمل: 10] . وقد أثنى الله على الصابرين وبيَّن أنهم هم المهتدون. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا } [السجدة: 24] . وبعد.. مهما أصابك في سبيل نشر دينك الحق فهو أعظم لأجرك وأرفع لقدرك عند الله.
الدعوة الصادقة
ولتعلمي يا غالية أن كل ابن آدم على الفطرة فالمسلم سريع الرجوع لفطرته ولكن هناك غبار وصدأ إذا أحسن إزالته رجع له إيمانه بعون الله وتوفيقه وعليك بالتوكل على الله والاستعانة به والإخلاص ثم الإخلاص فإنما يتعثر من لم يخلص، ولا تيأسي إن لم يستجب لك فكم سنة دعا نبي الله نوح قومه "ألف سنة إلا خمسين عاماً" وعليك بعدم التشدد والدعوة برفق ولين {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] .
وتأكدي بإذن الله أنك إذا دعوت الله بصدق وخضوع أن يجعلك ممن ينشر دينه ويعلي كلمته فستستجيب لك القلوب المنصرفة بحول الله، وحينما تستلذين الأذى في سبيل الله فسينفع الله بك الأمة بقدرة الله. وحينما تنظرين إلى تلك المقصرة بعين الرحمة والعطف بحالها فستقبل نصيحتك بإذن الله. ونحن يا غالية علينا العمل والاجتهاد فيه فعلينا هداية البيان والدلالة أما هداية التوفيق فعلى من خلقنا سبحانه.
ثم تصوري يا أخيتي الحبيبة لو أن أمامك حفرة بها نار ورأيت امرأة متجهة إلى الحفرة تريد أن تعبرها رغم عدم استطاعتها وعلمك أنها ستقع بها لو عبرتها فهل ستتركينها تقع في النار أم ستمسكين بها بما أوتيت من قوة حتى والله لو تحاول إبعادك عنها وربما دفعك بقوة فتتشبثين بها وتمسكين إلى أن تنقذينها أو تقع رغماً عنك "أليس كذلك"؟ طيب لماذا نتقاعس عن الدعوة بحجج واهية أمن أجل أننا لم نر نار الآخرة؟!



وسائل عديدة
ثم يا غالية كل عمل يبنى على التخطيط بشري أصحابه بالتوفيق والسداد وأنت حتماً إذا خرجت فسترين التقصير واضحاً فلذلك يجب أن تسألي نفسك إذا رأيت المتبرجة ماذا يجب عليَّ أن أقول وإذا رأيت المتعطرة في السوق ماذا يجب عليَّ أن أقول.
وإذا رأيت من تستمع للمعازف ماذا يجب عليَّ أن أقول وإذا رأيت العاقة لوالديها ماذا يجب عليَّ أن أقول وإذا رأيت الكذابة ماذا يجب عليَّ أن أقول وإذا سمعت المغتابة ماذا يجب عليّ أن أقول ،.. و.... وهكذا فأنت إذا كنت معدة الكلام فسيهون عليك الأمر بإذن الله.
فإن أستطعت التوجيه فالحمد لله وحاوريها بطريقة لبقة مقنعة، أما إذا كنت في عجلة من أمرك فهناك طريقة البطاقة الصغيرة لا تحمل مكاناً في الشنطة وفيها نصيحة بأسلوب جميل وتكونين قد أبريت ذمتك.
وكذلك الشريط النافع له دوره الفعال وكم أهتدي به ناس وناس. وسأذكر لك بعض المواقف من مثل هذا لتدفعنا وتدفعك لرفع راية الدين: هناك طالبات رغبن في نصح الفتيات المتبرجات، فقمن بعمل ظرف صغير رسمت عليه نقوش ناعمة لافتة للنظر، كتبن عليه: لأننا نحبك! فكان لها الأثر الكبير في عودة الكثيرات إلى اللباس الشرعي.



ابني يوزع أشرطة
ويقول أحد الشباب: سأروي لكم تجربتي في السوق: "دخلته ومعي زوجتي وطفلاي، ومعي كيس مليء بالأشرطة شريط لا تحزن لعائض القرني، وأبواب الخيرات لمحمد المنجد وقام طفلاي بتوزيعهما على النساء المتبرجات خاصة، فكانت النتائج والحمد لله تسر الناظر!!
إنها طريقة لا تعيق تبضعك في السوق، ولا تجعل الفسقة يقولون اشتغل فيما يعنيك، ولا أحدث امرأة ولا أناولها شريطاً؛ بل طفل صغير يسارع إليها ويقول "سَمِّي هذا هدية"!! هل يصعب على أحدكم مثل هذا الفعل؟!



على الشاطئ
ويقول آخر: ذهبت يوماً من الأيام مع أهلي إلى شاطئ البحر ومعنا ابننا الصغير الذي يبلغ من العمر 6 سنوات، فبحثت عن مكان بعيد عن الضجة والصخب، وكان ذلك في المساء، وبينما ألاعب طفلي وأداعبه، فإذا برجل يأتي بزوجته إلى الشاطئ فيفرش لها فرشة صغيرة ويجلسها قرب الشاطئ، ثم يفتح لها شريط أغان غربية صاخبة، وكان من عادتي أن أحمل في سيارتي بعض الأشرطة للتوزيع بالذات عند علمي بالذهاب لأماكن معينة، فبحثت عن شريط أبعث به إلى هذه المرأة بواسطة ابني فلم أجد غير شريط واحد وهو تلاوة لأحد المشايخ الكرام، فلقد انتهت الأشرطة ولم انتبه لذلك، فاقترحت على زوجتي أن تضع بعض حبات الرطب في صحن وتكتب رسالة لينة فيها نصيحة لتلك المرأة وزوجها، ففعلت، ثم قمت بتغليف ذلك الطبق وإرساله مع الشريط والرسالة لتلك المرأة عن طريق ابني الصغير، وما هي إلا لحظات فإذا بتلك المرأة تغلق شريط الأغاني وتضع شريط القرآن الذي قمنا بإرساله لها، وما إن ينتهي الشريط حتى تقوم بإعادته تلقائياً حتى قمنا وانصرفنا من ذلك المكان.



أبناؤها في أمريكا
وهذه قصة عن الصبر على الأذى في سبيل الله: قال أحد المشايخ ذهبت إلى أمريكا لإلقاء محاضرات على بعض طلابنا الدارسين هناك فوجدتهم من أصلح الشباب في الجهات الأخرى، ما وجدت هذا الصلاح قلت بالله حدثوني ما الحاصل عندكم؟ قالوا والله يا شيخ أمرنا غريب جداً. قلت: وما أمركم؟ قالوا نحن كنا ساكنين في شقة وكان لدينا من المعاصي الشيء الذي لو دخل إبليس علينا لأستحى منه، وفي يوم من الأيام جاءنا رجلان صالحان تقيان طرقا علينا الباب وفتح لهما فلان.. قال: لما فتحت الباب رأيت وجهاً جميلاً ولحية جميلة أمامي فبهت. قلت له: ماذا تريد؟ قال: يا أخي أنتم من أولاد الصحابة جئتم إلى هذه البلاد من أجل الدراسة ونحن جئنا من أجل أن نزوركم لأنكم شباب طيبون. قلت: ولاحقينا حتى في أمريكا؟ لا تريدون أن تريحونا فبصقت في وجهه وأغلقت الباب.
ولما أغلقته بعد قليل إذا بالباب يطرق. قال: فجئت وفتحت الباب وأنا غاضب وإذا بالرجل الثاني الذي كان واقفاً على الدرج يطرق الباب مبتسماً. قال يا أخي: جزاك الله خيراً أنت شاب طيب ومن أسرة طيبة وأنت مخيّر بين أمرين إما أن تفتح لي أدخل وإلا تبصق في وجهي مثل أخي لأن أخي سيرجع بأجر أكثر مني وأنا سأرجع بأجر قليل.
يقول الشاب والله تحديا مشاعري وقطَّعا قلبي. وقال: تسمّرت. وقلت: أدخلا وأمري لله وبالفعل دخلا ووالله يا شيخ ما خرجوا حتى أخرجانا معهما إلى المسجد ونحن الآن كما ترى جزاهم الله عنا خيراً. جعلنا الله وإياكن مفاتيح للخير ومغاليق للشر صالحات مصلحات هاديات مهديات.



البصمة الخاصة
وتتساءل الأخت الهنوف أحمد المجان من الإمارات للداعية الصامتة أين بصمتك؟ عندما نرى واقعها المر وتحولها السريع، عندما نتأمل حالها وما آل إليه أمرها من ذل وهوان وتخبط وضياع، وعندما نراها تقاد بعد أن كانت تقود. عند ذلك يعترينا الألم وتعتصرنا الحسرة لوضعها البائس. فنحاول جاهدين البحث عن حل.. ولو أن نغير الشيء البسيط. لنعيد لأمتنا نبضها من جديد، فنحاول ولو بترك بصمة صغيرة يكون لها أثر كبير لعل ذلك يكون سبيلاً للتغيير، فلكل منا بصمته الخاصة والمميزة وموهبة يتفرد بها عن من حوله، ويتكامل ذلك إن سخره لخدمة الدين وتغير الأمة نحو الأفضل.
اليوم نحن نعيش على الأرض وغداً سنكون تحت التراب!! فما الذي سنتركه من أثر بعد رحيلنا؟ وأين هو ما غيّرناه وطورناه في هذه الحياة؟ لكي يكون الأثر باقياً وليغير الكثير من بعدنا لا بد أن يكون لنا هدف سام نعيش من أجله ونموت عليه بعد أن نقوم بكل ما بوسعنا في تحقيقه فنترك تلك البصمة التي رسمنا بها معالم شخصيتنا الفريدة، ونذهب عن الدنيا ولكن يظل أثرنا باقياً يغير الكثير من بعدنا ويذكروننا به.
ولو تأملنا في سير العظماء لرأينا أن أهدافهم كانت كثيرة ومتجددة فكلما وصلوا إلى هدف طمحوا إلى غيره إلى أن وصلوا إلى القمة وانتهت رحلتهم هناك لكن بقيت آثارهم وما غيّروه خالداً ومشهوداً لهم حتى يومنا هذا.
أخيراً اختاري أخيتي طريقاً لنفسك، إما أن تعيشي بلا معنى أو غاية وتكوني مجرد زيادة عدد في هذه الدنيا، ليس لديك هدف ولا إنجاز، فتذهبين عن هذه الأرض وكأنك لم تكوني. أو تعيشي بهدف سام وغاية نبيلة بين إنجازات كثيرة وأعمال متنوعة، فإن مت تكن آثارك بينة وبصمتك واضحة، وسيرتك محمودة تتخللها رحمة يرسلها إليك داع لك ممن يذكرونك وأنت تحت التراب وقد انقطع عملك وصرت بين يدي الله يسألك عن شبابك فيم ضاع وعمرك فيمن أفنيته؟!



الداعية المواجهة
كما وجهت الداعية خولة درويش رسالتها للداعية الصامتة بقولها: إن المرأة تقوم بما يجب على الرجل في المجالات والأنشطة التي يمكن أن يقوم بها إلا إذا اقتضت طبيعة المرأة خلاف ذلك كما يحدد الشرع.
وإذا علمنا مدى ما تعمله قوى الشر؛ حيث تقف مجتمعة لمجابهة هذا الدين وأهله، وراقبنا عن كثب تفننها في وسائل مقاومته، وابتكارها الطريقة تلو الأخرى لتبقى الأجيال شباباً وشابات في معزل عن مفاهيم دينهم الحق، أو لتشويه صورته الناصعة في أعينهم إدركنا أن نشاط أعدائنا لحربنا لا يعطينا مسوغاً إلى الركون والسلبية، كما هو شأن البعض! فالهجمة الشرسة لا تصدها الانهزامية!
إن مما يعصر القلب ألماً؛ النظرة القاصرة عند البعض التي تتجلَّى في احتقار الذات، والشعور بالصغار؛ مما يثبط عن العمل، ويقعد بالهمم. وعندما تحتقر المرأة نفسها وتشعر بضآلتها وهي تقول: وماذا عسى أن ينفع كلامي؟ ومن يسمع صوتي الضعيف؟!



سمسارات للغرب
إن التخلي عن الواجب الدعوي للمرأة كان له نتاج تخريبي في المجتمع. لقد رضيت ضعيفات الإيمان طائعات أن يكن سمسارات لمبادئ الغرب، ومن جنود إبليس، وما ذاك إلا لغياب الداعية المواجهة الواعية. وكان حرياً بالمؤمنات أن يقرعن الحجة بالحجة، ليظهرن مدى تفاهة الباطل وأهله، ويحمين الأجيال كيلا تنساق وراء ترهاته وأباطيله. إن المعركة بين الحق والباطل مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فلا يصح للمسلمة أن تقف موقف المتفرجة، حتى لا تكون هي أكثر المصابات، إن بالثكل أو اليتم، أو أن يصل الأمر إلى انتهاك الأعراض والعياذ بالله.



ماذا تفعل المنصرات؟!
أمتنا بحاجة إلى كل عقل مفكر، أو نية طيبة حاجتها إلى العمل المنتج. والأديان المختلفة، بل جميع المذاهب الفكرية ما انتشرت إلا بالدعوة إليها، وقد شاركت المرأة الرجل بما يناسب طبيعتها، ونشطت نساؤهم لنشر مبادئهم، فالمنصرون كانوا وما زالوا يعملون على تخريب الأجيال، ودس الشبهات، ويسيرون وفق تخطيط دقيق يوزعون فيه الأدوار بعناية وحذق.
تتحمل المنصرات (المبشرات) الكثير من الضنك وشظف العيش، وقد تعيش إحداهن في صحار مقفرة حياة بدائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، تخالط أهل الصحارى والقفار، تدخل إلى القلوب من خلال التعليم أو التطبيب أو الخدمات الاجتماعية، أو حتى المشاركات الوجدانية.
أو ليست المؤمنة الصادقة أولى بالنهوض بواجبها والبعد عن التقصير والتفريط، لئلا تكون بتقصرها عوناً لأعدائها من حيث لا تدري؟! أوَ ليس واجبها أن تتحرى ما ينقص مجتمعها من الأمور الفاضلة الخيّرة، وما يناسبه من الأمور المشروعة، فتقدم ولا تحجم؛ علها تحيي سنة وتميت بدعة؟!
فعلى كل حسب اختصاصها، وحسب إمكانياتها واجب الدعوة إلى الله سواء بالقول السديد، أو القدوة الصالحة؛ فلا تبدد أوقاتها، ولا تذهب عمرها سدى، ولا تميت قلبها بالحسرات على أمتها المسلمة دون أن تبذل شيئاً نافعاً ذا بال، بل تنشط وتنشط، ولا تبالي بعثرات الطريق ولا تأبه بالصعاب؛ لأنها تقوم بواجبها متطلعة إلى رضوان الله:
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
فلا تستهيني أختي الفاضلة بجهدك؛ فالحصاة الواحدة وإن لم توقف السيل، لكنها مع غيرها من الحصى مهما صغرت، قد تكون عائقاً أمامه!!
والقشة الصغيرة يحملها الطائر والعصفور هي جزء رئيس لإتمام بناء عشه الذي يؤويه! فعلينا ألا نضيع الفرصة المناسبة حيث كنا، سواء في المنزل، أو في المدرسة، حتى في السيارة!
لا تستغربي أختاه، نعم حتى في السيارة! واصغي معي بقلبك إلى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه معاذ رضي الله عنه، حيث قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عُفير. قال: فقال صلى الله عليه وسلم: يا معاذ! تدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن من حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله عزَّ وجلَّ أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أبشِّر الناس؟ قال: لا تبشِّرهم؛ فيتكلوا"
فيا أختي الداعية إن الدعوة إلى الله شرف حباك الله به، ومجالاته متعددة فبقدر المنكر يكون الأمر بالمعروف لكنها تتفق في النهاية السامية.
ومع حسن التخطيط تكون المسلمة على بينة من أمرها: فهي وقد أرادت أن تحمي المسلمات من الوقوع في شراك العدو الماكر بحيله الواسعة فما عليها (بعد الاتكال على الله) إلا أن تتعرف على أحابيل العدو لتعلم كيف ينفذ إلى مكره، وتتعرف على ما في المجتمعات الأخرى من مصالب، وتتعرف على ما فيها هي من مزايا نافعة.
وذلك كله يفيدها في اختيار الأنسب من أساليب الدعوة، فتقدم على بصيرة وهي تعلم أين تضع قدمها، لتحدث الخطى في طريق السلامة، لا كمن تتعثر، فلا هي تصل إلى غايتها، ولا هي عارفة لمسالك النجاة:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس



المجالات الدعوية للمرأة
ونستطيع أن نوجز المجالات الدعوية للمرأة وما ذاك بحصر لها، وإنما هي نماذج للذكرى:
أولاً: البيت مهمة المرأة الأساسية، ولذا يجب أن يحظى من فيه بنصيب موفور من خالص دعوتها، كالزوج والأولاد والوالدين والجيران، والأقارب، والخدم.
ثانياً: تساهم الداعية في تأهيل أمهات المستقبل، فتنشر العلم الواعي المستند إلى الأسس الشرعية؛ وذلك لصيانة عقول الأجيال وقلوبها من أن تقع في شراك الأعداء.
وتساهم في تعليم النسوة المهارات اللازمة ليكن صالحات مصلحات، فضلاً عن زيادة مهاراتهن المنزلية، فترقى الأسر المسلمة والمجتمع الإسلامي بأسره.
ثالثاً: تساهم في الإعلام والتوجيه وبالضوابط الشرعية، وذلك عن طريق المحاضرات للنساء، وتأليف الكتب والأشرطة والمطويات، والمساهمة في الموسوعات الثقافية والنشرات العلمية، فضلاً عن استفادتها من معطيات العصر الحديثة "كالإنترنت" لخدمة دعوتها.
رابعاً: الخدمات الاجتماعية التي ثبت أن المرأة تفوق الرجل فيها، من مساهمات خيرية في بناء المساجد والمدارس، وتوصيل النفقة لأسر متعففة، ومساندة الحق في كل مكان، أو تزويج الصالحات.
خامساً: هذا فضلاً عن أعمال أخرى تهم المرأة المسلمة، وتقوم بها بالضوابط الشرعية كإعداد كوادر مستقبلية للدعوة، وجمع المعلومات وأخبار العالم الإسلامي، وإيجاد فرص للعمل عن طريق فتح المشاغل النسائية أو المستشفيات النسائية، ومن نذرت نفسها لله، تبحث عن كل سبيل نافع ومشروع لإيصال دعوتها إلى بنات جنسها، وتقوم بواجبها على أتم وجه، مما يرضي الله تعالى، ويثير حفيظة الخصوم، ويثلج صدور المسلمات التقيات.
سادساً: تتسابق مع أخواتها المؤمنات إلى تبليغ ميراث محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا تضافرت الجهود، وخلصت النوايا، وسلكنا لذلك الوسائل الشرعية، ولم نركن إلى الأحلام والأماني فعند ذلك يتحقق موعود الله بالنصر والتمكين؛ وفي ذلك الفلاح وأي فلاح: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) [العصر: 1 - 3].
إن الأجيال الفتية تنتظر دورك المنشود، وما لا يدرك كله لا يترك جله؛ عسى أن نعوض ما فاتنا من تقصير. ولا ننسى أن الضوابط الشرعية مهمة في خروج المرأة من بيتها، وخلال عودتها إليه من استئذان، وحجاب، وعدم اختلاط، وعدم خضوع في القول. كما أن التقية لا تهمل تربية أبنائها، وحقوق أسرتها بحجة الدعوة العامة؛ فإن فرض العين أولى من فرض الكفاية "ولنعط كل ذي حق حقه" نسأل الله تعالى أن يجعل راية الإسلام عالية خفاقة، ودعوته منصورة، ونضرع إليه أن يجعلنا جميعاً من خدام دين الله، وأن يعظم الأجر ويتقبل العمل، والحمد لله رب العالمين.



الحياء محمود ولكن
كما وجهت الداعية هناء الصنيع إلى من تتعلل بعدم قدرتها على الدعوة بسبب الحياء النصيحة التالية:
الذي أعرفه عنك أنك تملكين شيئاً من العلم وفصاحة اللسان، فلماذا الصمت والحياء. نعم الحياة لا يأتي إلا بخير ولكن ليس هاهنا. وليس معنى الحياء ألا تشارك الداعية بكلمة طيبة تلقيها على أخواتها المسلمات. قال تعالى: { وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ } [الأحزاب: 53].
فاحذري أن يصيبك العجز والخور.. سأذكر لك ما يحرك كوامن الخير في نفسك. ألا ترين أهل الباطل يتسابقون إلى باطلهم ويتنافسون فيه، فهؤلاء الراقصات العاريات يتفانين في عملهن، وهؤلاء الممثلات والمغنيات الداعرات يبذلن الغالي والرخيص في أعمالهن ولا يستحين من الله ولا من خلقه. هذا وهن على باطل..!! فلماذا نستحي نحن أهل الحق.



الداعية والخريجة
كما ردت الداعية هناء الصنيع على من تحتج بأن طريق الدعوة لا يسلكه إلا من تخرجت من الأقسام الشرعية بالقول: إن كل واحدة منا على ثغرة في الإسلام عظيمة فاحذري أن تؤتى هذه الثغرة من قبلك. خوضي مجالات الحياة الكثيرة، فإن التفت يمنة أو يسرة وجدت عالماً تائها يمد يديه إليك لكي تخرجيه من الظلمات إلى النور بإذن الله.
عند حضورك أي درس أو محاضرة.. فمن الأفضل أن تصطحبي معك ورقة وقلماً وتقومي بتسجيل الأفكار الرئيسة كرؤوس أقلام. وعند العودة إلى المنزل تكونين داعية بين أهلك، فتبلغين الوالدة المسكينة والأخوات الضعيفات بما منَّ الله عليك من علم خلال الدرس الذي حضرته أنت وحرمن هن فائدته فلا تبخلي عليهن فالأمر مهم.
هل فكرت أن تضعي لك دفتراً خاصاً لتلخصي فيه موضوعات أعجبتك من بعض الأشرطة أو الكتب القيِّمة. وبالتالي تقدمينها أنت دروساً لأهلك وزميلاتك وأقاربك أو الجيران ونحوهم.



حياتك كلها عبادة
كوني هيِّنة ليِّنة الجانب واعلمي أن أعينهن معقودة عليك فلا ترهن منك القبيح والله يسدد خطاك. وها قد قدمت لك الفكرة فهل تعملين؟ أم إن الأمل طويل. أقول لك: ابدئي فقط وسترين تيسير الله بعد ذلك. لا تنسي إعمال النية في كل صغيرة وكبيرة، فالأعمال إما لك إن حسنت نيتك، وإما عليك إن فسدت نيتك، وإما هدر إن لم تصاحبها نية حسنة أو سيئة، وهل ترضين أن تذهب ساعات عمرك الغالية كذا هدراً لا لك ولا عليك. إذاً فلا بد أن تتفطني لإعمال النية في جميع أمورك مهما دقت حتى تصبح حياتك كلها عبادة بينما أنت تمارسين حياتك اليومية.
تذكري أنه يصعب إرضاء الناس كلهم في وقت واحد. وأن ذلك يكون أكثر صعوبة في طريق الدعوة واعلمي أن رضا الناس غاية لا تدرك، أما رضا رب الناس فهي غاية تدرك بإذن الله، من أجل ذلك لا تضيعي وقتك وتفوتي فرص الخير عليك وعلى الآخرين من أجل إرضاء فلان أو فلانة من الناس، بل اعملي واستعيني بالله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] وبعد العمل الصحيح الموافق للسنّة والصدق مع الله لا يضرك من خالفك فما الدنيا إلا سحابة صيف عن قريب تقشع.
لا تنظري إلى عملك بين الأعمال فتقعدك نشوة الطاعة عن الأعمال الأخرى كما ينبغي ألا تثبطك قيود المعاصي عن العمل الدعوي، بل انفضي عنك سريعاً غبار المعاصي واغتسلي بماء التوبة وعودي بهمة أعلى واجعلي هم الإسلام في قلبك واغرسيه غرساً، وليكن خروج روحك من جسدك أهون عليك من أن تخرجي من الدعوة إلى الله.
"اطلبي العلم في منزلك، فقد قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} [محمد: 14]. وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى-: "العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته" قالوا: كيف ذلك؟ قال: "ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره" فتكونين بهذه النية وبهذا العمل من المجاهدات في سبيل الله لنشر دينه.
أهمية العلم الشرعي
وفي طريقك إلى الله قد تعترضك هموم وأحزان فمن يشرح صدرك ويذهب حزنك؟ إنه القرآن. فاحرصي يومياً على تلاوة جزء منه، وستجدين سعة الصدر والانشراح إضافة إلى البركة في الوقت والتوفيق للعمل الصالح، اللهم اجعل القرآن العظيم الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا.
ثم هناك أمر مهم في دعوتك للآخرين.. فلا بد أن تؤيِّد كلامك ببعض الآيات النورانية، فقد ثبت أن الكلام المزين بالآيات والأحاديث له تأثير أكبر في النفوس من الكلام الخالي منهما، اعترف بذلك كثير ممن هداهم الله فيما بعد، ولن يتحقق لك ذلك إلا إذا كان لك نصيب من حفظ كتاب الله، فهذا باب واسع للدعوة.
أو على الأقل حفظ الآيات التي تتعلق ببعض الأحكام الشرعية وحفظ بعض آيات الترغيب والترهيب، هذا أمر مهم ولا بد منه حتى يكون أساسك الدعوي أقوى كما لا تنسي أن تحفظي بعض الأحاديث والأشعار والحكم والتي تؤدي نفس الغرض وتجعلك أكثر ثباتاً واطمئناناً أثناء دعوتك ومناقشتك مع الآخرين. وهكذا كلما قويت حصيلتك من العلم والحفظ والحكمة كانت النتائج أفضل بإذن الله.



لجام من نار
وحذّر الدكتور سليمان العيد من كتمان قول الحق بدعوى الحياء وقال: لا يوصف الرجل أو المرأة بصفة الداعية إلا إذا كان ممن يبلغ الدعوة إلى الله بالقول إضافة إلى الأساليب الدعوية الأخرى، وإمام الدعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبلغ دعوته على الناس بقوله وفعله وإقراره، أما من سكت عن قول الحق وهو يقدر عليه فلا يصدق عليه وصفه بـ "الداعية" وهذا تقصير منه في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا بد أن نعلم أنه جاء التحذير لمن كتم علماً لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الناس أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار" رواه ابن ماجة.
وأما من اعتذرت بالحياء فلتعلم أن الحياء الذي منع من تبليغ الدعوة على وجه صحيح ليس محموداً. وأن الشهادة الشرعية ليست هي الشرط في تبليغ الدعوة إلى الله، فكم من الأخوات لديهن علم وقدرة على الدعوة ولم يتخرجن من كليات شرعية، فالمسألة تتعلق بالعلم والقدرة لا بالشهادة.
ولنعلم أن هناك بعض الأمور التي تحتاج دعوة الناس إليها ولا تحتاج إلى كثير علم، فنصيحتي لإخواني الاجتهاد في تبليغ الدعوة إلى الله كل على حسب قدرتها ولا تجعل الحياء مانعاً لها من ذلك، ولتحتسب الأجر ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم.