يجيب عليها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
على الطلاب الحرص على الأوقات والإكثار من الطاعات في الإجازة
* سماحة المفتي: ونحن في الإجازة الصيفية هذه الأيام فهل من كلمة توجهونها لطلابنا بارك الله فيكم؟
- غير خاف على الجميع ما يعيشه شبابنا من الطلاب في هذه الإجازة الصيفية من وقت فراغ كبير، والواجب على الشباب المسلم أن يستغل هذه الأوقات ويستثمرها بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، لأن الوقت للمسلم يعني الكثير؛ فكل لحظة تمر هي منتقصة من عمر العبد، فإما محسن يزداد خيراً وإما مسيء وهذا يجب عليه المبادرة بالتوبة وإبدال عمله السيئ بالعمل الصالح، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه "لا ينعقد قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن عمله فيما فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه" أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. فالواجب على المسلمين عامة، وعلى شبابنا الطلاب خاصة الحرص على الوقت وإشغاله بما ينفع من الحرص على الطاعات والواجبات ونوافل العبادات، والحرص على تدارس القرآن العظيم حفظاً وتلاوة وتعلماً وتعليماً، وكذلك أيضاً حضور حلقات العلم الشرعي ليتفقه المسلم في دينه فيعبد الله على بصيرة ويعلم غيره، أو يتعلم حرفة يكف بها يده عن سؤال الناس ويستغني عما في أيديهم بكسب حلال ورزق طيب. هذا وإن ما نشهده في الآونة الأخيرة من قيام المراكز الصيفية لأبنائنا الطلاب لخطوة مباركة طيبة إذا كان المشرفون القائمون عليها من أهل الخير والصلاح، فإن لها دوراً كبيراً في حفظ أوقات أبنائنا واستثمارها فيما يعود بالنفع عليهم في دينهم ودنياهم، والأمة الإسلامية اليوم هي أشد ما تكون حاجتها إلى شباب مسلم واع قوي في نفسه مدرك لما حوله، فقيه في دينه واثق بربه عزَّ وجلَّ وبوعده بنصر المؤمنين، فيبقى ثابتاً على دينه داعياً الخلق إليه، مهتدياً بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم صابراً على ما أصابه ممتثلاً قول الله عزَّ وجلَّ: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) [العصر: 1 - 3]. والحرص على التواصل مع الشباب حتى في وقت الإجازة الصيفية وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، وتوجيههم وإرشادهم هذا من الأعمال الصالحة التي نرجو من الله أن ينفع بها، ويوفِّق القائمين عليها، كما نسأله سبحانه أن يرزقنا جميعاً الفقه في الدين والالتزام بسنَّة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
من وجد نجاسة
في ثوبه بعد الصلاة
* من وجد نجاسة في ثوبه بعدما انتهى من الصلاة هل يعيدها؟
- من وجد نجاسة في ثوبه بعدما انصرف من الصلاة إن كان لا يعلم بها مطلقاً أو علم لكن نسي فلا شيء عليه. وإن كان يعلمها ولكن دخل في الصلاة بلا مبالاة فإنه يعيد تلك الصلاة لأن من شرط الصلاة طهارة الثوب والبدن والبقعة التي يُصلى عليها.
زيارة القبور
والآداب الشرعية في الزيارة
* سماحة الشيخ: بعض المسلمين تلتبس عليهم الأمور المشروعة بالشركية والبدعية فيما يتعلق بالقبور وبعضهم يقع في الشرك جهلاً وتقليداً فما توجيه سماحتكم وما هو واجب أهل العلم حفظكم الله تعالى؟
- نقول يا أخي موقف الشريعة من القبور موقف الاعتدال فالشرع حذرنا من إهانة القبور حذرنا من الجلوس عليها والاتكاء عليها، حذرنا من أن نطأها بأقدامنا أوجب علينا احترامها فلا نقعد عليها ولا نتكئ عليها ولا نطأها بأقدامنا ولا نلقي عليها القاذورات والنجاسات كل هذا ممنوع من المسلم حماية واحتراماً للقبور وأن هذه القبور أهلها أحق بها. وهم أسبق من غيرهم حتى يأذن الله بقيام العباد لرب العالمين. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس: 51] . وشرع لنا نبينا زيارة القبور فقال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكرة الآخرة" منع من زيارتها في أول الإسلام حتى تستقر العقيدة في القلوب وتطمئن النفوس ويفرق العباد بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال. فلما وضع التوحيد وعبد الله وحده لا شريك له ووضع أمر الشرك واجتنبه المسلمون شرع لهم زيارة القبور هذه الزيارة فيها فوائد أولاً: أنها للعظة والاعتبار فيعتبر المسلم بحال هؤلاء وعنده يقين أنه سيسكن معهم كما سكنوا فيأخذ عظة من هذا القبر الذي هو على قدر طوله وعرضه ينقل من قصره وفسيح بنيانه ولذيذ فراشه إلى هذا القبر يوسد اللبن ويهال عليه التراب ويتولى ذلك أحب الناس إليه وأقرب الناس إليه فهو يأخذ عظة وعبرة أنه مفارق لقصره وفراشه وأهله وماله وسكن هذا القبر إلى أن يأذن الله بقيام العباد لرب العالمين، إنها عظة وعبرة ولذلك بكى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لما وقف على القبر فقال: إني سمعت رسول الله يقول: القبر أول منازل الآخرة فإما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار" وشرع لنا زيارة القبور لحكمة أخرى وهو الدعاء لأهل القبور والترحم عليهم والاستغفار لهم فهم في أمس الحاجة إلى دعوة لهم قال بعض السلف وقد روى بعض من مضى في النووي فقال ما فعل ما فعلتم قال: أنتم تعلمون ولا تعملون ونحن نعلم ولا نعمل والله لتسبيحة في صحيفة أحدنا أو ركعتين خير من الدنيا وما عليها. نزور هذه القبور ندعو لأهلها ونترحم عليهم ونستغفر لهم ونقول السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. هذه هي الزيارة المشروعة أما الزيارات الشركية التي يقصد بها زائر القبر ودعاء أصحاب القبر بأن يقول يا ولي الله اشفع لي عند الله يا أيها الرجل الصالح فرج همي يا أيها الرجل الخيِّر اقض ديني اشف مريضي أعني على همومي فرج كربي إلى آخر ذلك. هذا هو الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر لأن سكان القبور أموات كما قال الله جلَّ وعلا: {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] . وقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194] وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ(5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (6) [الأحقاف: 5 - 6] . فالذين يقصدون القبور لأجل دعاء أهلها والاستعانة بهم والالتجاء إليهم وسؤالهم كشف الكربات وقضاء الحاجات هؤلاء آثمون ضالون مخطئون واقعون في الشرك بالله نسأل الله العفو والعافية. والجهل في ذلك لا يعذر لأن العبد واجب عليه أن يسأل عن دينه وأن يهتم بهذا الأصل العظيم الذي لأجله خلق الله الخلق وهو إفراد الله بالعبادة وعدم الإشراك به. النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أن نغلو في قبور أنبياء الله ورسوله والصالحين من عباده فقال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وفيه رواية: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قال الراوي: يحذر ما صنعوا ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً وقال: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد"، فالنبي حذرنا من الغلو في القبور وأن نرفع بنائها فالبناء على القبور محرم إنما القبر يرفع قدر شبر فقط فلا يجوز رفع البناء ولا زخرفة القبور ولا إسراجها وفي الحديث "لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" ولهذا قال العلماء كل مسجد بني على قبر يجب أن يهدم ذلك المسجد وإن وضع القبر بعد بناء المسجد وجب أن يخرج ذلك القبر من المسجد حماية لجناب التوحيد وسداً للوسائل المفضية للشرك. نسأل الله أن يفقه المسلمين في دينهم ويعلموا ما لأجله خلقوا وأنهم خلقوا لعبادة الله وأن الرسل بعثوا ليقيموا حجة الله على عباده بعثوا بهذا التوحيد الخالص {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
الزواج ميثاق غليظ يجب احترامه وصيانته
* ما معنى قول الله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]؟
- هذه الآية أولها قول الله جلَّ وعلا في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [النساء: 19] . فالله يقول لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً كما كانوا في الجاهلية إذا توفي الرجل قام أحد الأقارب فألقى عليها الرداء فيكون أحق بها من سواه، ولا تعضلوهن أي تضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن. يعني نهي من الله للأزواج أن يعضلوا الأزواج ويهجروا النساء ويسيؤوا للنساء لأجل أن يستردوا ما أخذت المرأة منهم، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إما كله أو بعضه فإذا جئن بفاحشة فخالفوهن فذاك جائز. {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ } [النساء: 21] . يقول الله للرجل كيف تأخذون المهر الذي دفعت وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً، فالنكاح هو الميثاق وهذا الميثاق غليظ شديد ليس سهلاً. أيها الزوج الكريم قد تنكح امرأة وتدفع لها المهر ولكن لا يقدر بينكما مودة النقص في دينها ولا لسوء في أخلاقها ولكن ما قسم الله بينك وبينها مودة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" فلا يجوز لك الإضرار بالمرأة لأجل أن تفتدي منك بمهرها الذي دفعته لها وتتخلص من ظلمك وجورك فذاك حرام عليك وقد أفضى بعضكم إلى بعض أي تمتعت بها وحرام عليك مضارتها والله يقول: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]. هو ميثاق وهو غليظ فيجب احترامه وصيانته.